خرج اللاعب الفرنسي كريم بنزيما نجم نادي ريال مدريد الإسباني مُصابًا في لقاء ريال مدريد الأخير بالدوري الإسباني، كان أول ما تبادر إلى ذهني حينها، هو تساؤل عن المدة التي سيغيبها كريم عن الفريق، كما تمنيت أن تكون الإصابة طفيفه لكي يتمكن من اللحاق بلقاء الديربي مع الجار اللدود (أتليتكو مدريد).
نشاهد إصابات اللاعبين بشكل دائم في مختلف الملاعب والرياضات، وعادةً ما تكون نقاشاتنا، ودوائر اهتمامنا حول نوعية الإصابة، وكيفية تأثيرها على مستوى اللاعب، ولكننا نادرًا ما نهتم بمعرفة مدى تأثير هذه الإصابات على هؤلاء اللاعبين بقية حياتهم، وعن نوعية هذه الحياة بعد التقاعد من الأساس.
لاعبوا كرة القدم: هشاشة عظام، ونوبات اكتئاب
في دراسة أجرتها جامعة (ريغنسبورج) الألمانية بالتعاون مع الاتحاد العمالي الألماني لكرة القدم (Vereinigung der Vertragsfußballspieler، VDV)، وهو الاتحاد المسؤول عن لاعبي كرة القدم المحترفين، سواء كانوا نشطاء أو متقاعدين، وُزعَ استبيان على 200 لاعب كرة قدم سابق، وتضمن الاستبيان معلومات حول خصائص المشارك ، والتفاصيل المهنية ، وتاريخ الإصابات المتعلقة بكرة القدم ، وأسباب إنهاء المسيرة ، والوضع الصحي الحالي ، بالإضافة إلى تقييم بأثر رجعي لاستراتيجيات الوقاية المتاحة خلال مسيرة اللاعب الاحترافية في كرة القدم.
تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين ، حسب سبب إنهاء حياتهم المهنية. تتألف المجموعة الأولى من لاعبين تقاعدوا بسبب إصابة واحدة أو أكثر ، والمجموعة الثانية تضمنت جميع اللاعبين الذين أفادوا بأنه ليس لديهم سبب طبي لإنهاء مسيرتهم الكروية الاحترافية.
تُظهر هذه الدراسة أن الإصابات هي السبب الأكثر شيوعًا لتقاعد اللاعبين، كانت إصابات الكاحل والركبة هي الإصابات الأكثر شيوعًا لتقاعد اللاعبين، وهي ما قد تتسبب في عدم استقرار المفاصل مستقبلاً، أو الإصابة بهشاشة عظام.
وفقًا للدراسة، فإنه عندما تم التحقيق مع لاعبين إنجليز محترفين، وجد أن إصابات الكاحل والركبة التي تسببت في إنهاء مسيرة هؤلاء اللاعبين، نتج عنها إصابات مزمنة، وهشاشة عظام، على الرغم من أن الإحصائيات تشير إلى انخفاض معدل الإصابات لدى لاعبي كرة القدم في آخر 20 عام، وهو ما يقودنا إلى حتمية إعادة النظر في طرق التأهيل المتبعة حاليًا وضرورة تطويرها.
يُقال أن الرياضي يموت مرتين، أولاهما عند التقاعد، فهو يظل طيلة ممارسته للرياضة لا يعرف سوى التدريب والأكل والنوم والمنافسة، لا يوجد وقت باق لفعل شيء آخر
تُطلعنا الدراسة على أن نسبة إصابة اللاعبين بهشاشة العظام كانت 41.9% مع تراوح هذا المعدل ما بين 19% إلى 28 % بالنسبة للأشخاص العاديين، أي الضعف تقريبًا. وهو ما يدلل على أن كرة القدم وما يترتب عليها من إصابات تشكل عامل خطر كبير على المفاصل.
اقرأ/ي أيضًا: حقيقة اعتزال أغويرو.. وحالات مشابهة أدت لتقاعد صاحبها مبكّرًا أو وفاته
كان التركيز المهم الآخر لهذه الدراسة هو تقييم الحالة الصحية العامة للاعبي كرة القدم المحترفين السابقين الذين تقاعدوا بسبب الإصابة. شملت الدراسة حالتهم النفسية بعد التقاعد بالإضافة إلى حالتهم الصحية الحالية. على الرغم من أن عددًا قليلاً فقط من اللاعبين السابقين قد تأثروا بالاكتئاب، فقد أفاد نصف اللاعبين تقريبًا أنهم شعروا بالاكتئاب خلال مسيرتهم الكروية الاحترافية. هنا تم العثور على فروق ذات دلالة إحصائية بين مجموعتي الدراسة، وهي أن نوبات الاكتئاب كانت أكثر إنتشارًا بين اللاعبين الذين تقاعدوا بسبب الإصابة، حيثُ تراوحت نسبة الإصابة بالاكتئاب بينهم إلى 35-39% مقابل 28% إلى المجموعة التي لم تُجبرها الإصابة على التقاعد.
لاعبوا الرياضات الأولمبية
لا تزال العلاقة بين الإصابات التي يتعرض لها اللاعبون الأولمبيون والإصابات المزمنة غير واضحة أو معلنة، ولا يتم التعامل معها بجدية جتى الآن. في دراسة أجريت على الرياضيين الأولمبيين الإنجليز، تضمنت توزيع استبيان يحتوي على تاريخ الإصابة المهنية، وما الذي أدت إليه بعد ذلك وفقًا للأطباء، كل على حسب العمر والجنس.
أوضح الاستبيان الذي أُجري على 368 رياضي، 58% منهم ذكور و42% منهم إناث، ومتوسط أعمارهم 60.5 عامًا، أن 56 % منهم يُعاني من إصابات مزمنة. كان انتشار الإصابات أعلى في الألعاب الميدانية بنسبة 81%، وأماكن هذه الإصابات في العمود الفقري القطني (32.8٪) ، الركبة (25.3٪) ، الورك (22.5٪) ، التهاب المفاصل في الركبة (13.4٪) ، الورك (10.4٪)، والعمود الفقري القطني (4.6٪).
أبلغت دراسة أجرتها منظمة الصحة العضلية الهيكلية الأولمبية للمتقاعدين (ROMHS) عن إصابات رياضية أولمبية في 3357 أولمبيًا سابقًا، ووجدت انتشار إصابة بنسبة 63.0٪ ، مقارنة بـ 56.6٪ في هذه الدراسة.
توضح الدراسة الحالية أن واحدًا من كل اثنين من الرياضيين الأولمبيين المتقاعدين أبلغوا عن ألم عضلي حالي ، بغض النظر عن التغيرات الهيكلية الأساسية المرتبطة بالزراعة العضوية. كما ارتبطت الإصابة بالظهور المبكر لالتهاب المفاصل في الأطراف السفلية (الورك والركبة والكاحل) قبل 45 عامًا واستبدال مفصل الركبة في الورك والركبة. تم الإبلاغ عن ارتفاع خطر الإصابة بهشاشة العظام عند الركبة قبل 45 عامًا بين الرياضيين الجماعيين (كرة القدم وهوكي الجليد ولاعبي كرة السلة).
الإصابات وتعاطي المخدرات
غالبًا ما يؤدي الاستخدام الشائع للمواد الأفيونية والأدوية الأخرى مثل( OxyContin و Vicodin)
في معالجة الرياضيين إلى إساءة استخدامها، والاعتماد عليها، مما قد يستمر في التأثير على حياة الرياضي بعد التقاعد. يتعاطى الرياضي هذه المواد مرة على الأقل خلال مسيرته، ولكن مع تفاقم الإصابات لدى الرياضيين، يتم اللجوء لهذه المواد بكثرة، لتخفيف الألم وسرعة التعافي. وهو ما يجعل الرياضيين الذين يعانون من إصابات مزمنة يستخدموها بكثرة حتى بعد التقاعد.
إن المواد الأفيونية هي عقاقير قوية ذات احتمالية عالية للتعاطي والإدمان. أكثر من نصف لاعبي اتحاد كرة القدم الأميركي استخدموا المواد الأفيونية خلال حياتهم المهنية، وأبلغ 71 في المائة من هؤلاء الرياضيين عن إساءة استخدام العقاقير الطبية، إذا تطور استخدام المواد الأفيونية الضرورية طبيًا إلى إدمان.
شاهد/ي أيضًا: إنفوغراف: حكاية "الفتى الزجاجي" نيمار مع الإصابات
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تضاعفت الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية الموصوفة بوصفة طبية أربع مرات منذ عام 1999. في عام 2015 وحده، مات أكثر من 15000 شخص بسبب جرعة زائدة من مسكنات الألم الأفيونية.
ما يقرب من مليوني أمريكي أساءوا أو كانوا مدمنين على هذه الأدوية في عام 2014. ويشير مركز السيطرة على الأمراض إلى أن واحدًا من كل أربعة أشخاص يستخدم المواد الأفيونية الموصوفة للألم طويل الأمد غير السرطاني يعاني من الإدمان على أدويتهم.
أزمة منتصف العمر، يموت الرياضي مرتين
يقول أسطورة الملاكمة شوجر راي ليونارد مقولة شهيرة:
"لا شيء يمكن أن يرضيني خارج الحلبة. لا يوجد شيء في الحياة يمكن مقارنته بأن تصبح بطلًا للعالم ، بعد أن رُفعت يدك في تلك اللحظة من المجد، ومعها آلاف وملايين الناس يهتفون لك. "
يُقال أن الرياضي يموت مرتين، أولاهما عند التقاعد. الرياضي يظل طيلة ممارسته للرياضة لا يعرف سوى التدريب والأكل والنوم والمنافسة، لا يوجد وقت باق لفعل شيء آخر، لا عائلة ولا أصدقاء ولا روابط اجتماعية إلا في أقل القليل، وفجأة يُصبح كل ذلك متاح، ولكن يختفي شيء هام، وهو أضواء الشهرة.
يُعاني البعض من فقدان الهوية، ويُصاب آخرون بنوبات اكتئاب. بطل السباحة الأولمبي المتعدد إيان ثورب، ومدير نادي سيلتيك نيل لينون، والبطلة الأولمبية المزدوجة دام كيلي هولمز، هم مجرد عدد قليل من الرياضيين البارزين الذين أعلنوا اكتئابهم علنًا بعد تقاعدهم من الرياضة الاحترافية. أندرو فلينتوف وبول جاسكوين وفرانك برونو هم قلة أخرى أصيبوا بالمرض وكانوا منفتحين ومستعدين لمشاركة مشاكلهم للمساعدة في رفع صورة الاكتئاب في التقاعد الرياضي.
ولكن ما الذي يدفع الرياضيين المحترفين المتقاعدين غالبًا إلى الاكتئاب بمجرد مغادرتهم الأيام المليئة بالتدريب الصارم وضغط المنافسة؟
أنانيّة وفقدان هوية
يعرف الرياضايون الهوية على أنها دائرة الضوء التي تُلقى عليهم أثناء ممارستهم للرياضة وبمجرد اختفاء هذه الأضواء، يكون الرياضي وكأنه فقد هويته وهو ما يصيبه بالاكتئاب. أشار بيل كول ، مدرب ذروة الأداء ذائع الصيت عالميًا، والذي عمل مع العديد من الرياضيين الذين كافحوا للتأقلم مع تقاعدهم ، إلى أن أحد العوامل المهمة كان هذا الإحساس العميق بخسارة الضوء في حياتهم الذي قد يواجهه الرياضيون بعد قضاء أيامهم في المنافسة.
يعترف البطل الأولمبي البريطاني في التجديف ، جيمس كراكنيل :
"أعتقد أن الناس يعانون من الاكتئاب بعد اعتزالهم الرياضة لأنهم ليسوا متأكدين من مكان تطبيق هذا التركيز ... هناك الكثير من التركيز والكثير من الأنانية في الرياضيين."
لا يستطيع الرياضيون في كثير من الأحيان رؤية حياتهم تتبع مسارًا وظيفيًا آخر ، وبمجرد ما يلوح في الأفق التقاعد المخيف ، فإن هذا يجلب فراغًا تملؤه راحة روتين التدريب بمجرد ملئه.
هرمونات غير منتظمة
أشار بيل كول أيضًا إلى أهمية العوامل البيولوجية التي قد تلعبها في رياضي يعاني من تقاعده. كان لدى الرياضيين جرعات منتظمة من السيروتونين يوميًا لسنوات عديدة ، وعندما ينخفض هذا فجأة أو يتوقف تمامًا ، نرى اضطرابًا كبيرًا في كيمياء الجسم. تم استكشاف العلاقة السببية بين عدم التوازن في مستويات السيروتونين والاكتئاب من قبل عدد من الباحثين ، ومع ذلك ، فإن المزيد من الأبحاث في الرياضيين المتقاعدين تفترض الاستكشاف.
حياة الرياضين بعد التقاعد وإن كانت بعيده عن الأضواء من المتابعين، فهي وظيفة اتحادات الألعاب المسؤولة عن هؤلاء الرياضين، خاصةً الذين لم يستطيعوا أن يحققوا ثروات طائلة مثل غيرهم. قضايا هؤلاء الرياضين الذين لم يتعلموا شئ في حياتهم سوى ممارسة الرياضة مهمة، وبالتحديد الرياضيون الذين لعبوا رياضات لم يحققوا من ورائها مكاسب تؤمن لهم ولذويهم حياة كريمة، ولكنهم حققوا لنا ولبلادهم المجد يومًا ما.
اقرأ/ي أيضًا: