لا يزال مصير العام الدراسي الجديد في لبنان مجهولًا، بعد تأجيل انطلاقته أكثر من مرة، بسبب إصرار روابط ولجان المعلمين في القطاع الرسمي، على عدم الالتحاق بصفوفهم، في حال لم يحصلوا على ضمانات واضحة بشأن تحسين أجورهم لتتماشى مع الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها لبنان.
أحجم عدد كبير من المعلمين في القطاع الرسمي في لبنان عن الالتحاق بصفوفهم بسبب تردي أجورهم وظروفهم في العمل
وقد أعادت بعض المدارس الخاصّة فتح أبوابها، بينما أجّلت مدارس أخرى مواعيد عودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، بانتظار تبيان مسار الأمور في الأيام القادمة، في ظل تفاقم أزمة الكهرباء والمحروقات في لبنان، ما يضع عقبات لوجستية أمام تنظيم العملية التعليمية، ومع كل ما يتّصل بها من أعمال مكننة، وطباعة وسحب الأوراق وما إلى ذلك.
"الشغل مش عيب"
هناك طرفة انتشرت بشكل واسع واسع في الفترة الأخيرة في لبنان، فعندما تسأل أحد المدرسين عن مهنته، يجيبك على الفور بأنّه أستاذ مدرسة فـ " الشغل مش عيب ". فقد أغلقت المدارس أبوابها لعام ونصف تقريبًا بسبب جائحة كورونا في لبنان، وتمّ اللجوء للتعليم عن بعد، ما أجّل انفجار الأزمة لبعض الوقت. أما اليوم فيرفض أساتذة التعليم الرسمي العودة إلى مدارسهم، بعدما خسرت رواتبهم أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، فالمدرّس الذي كان يتقاضى قبل الأزمة 1200 دولار أمريكي، بات يساوي راتبه اليوم أقلّ من 100 دولار.
للاطّلاع أكثر على الواقع التربوي في لبنان قبيل انطلاقة العام الدرسي، أجرى "ألترا صوت" اتصالات مع عدد من المعلمين، فقال مصطفى عطوي وهو مدرس في القطاع العام منذ أكثر من 15 سنة، إنّ راتبه الشهري اليوم لا يكفيه لتبديل إطارات سيارته، ناهيك عن تأمين المستلزمات الأساسية لأسرته المكوّنة من خمسة أفراد. وأشار عطوي إلى أن الوعود التي سمعوها من وزارة التربية بالحصول على راتب إضافي مقسم على دفعتين لن يحلّ الازمة. أما منى سليم، وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة قرب بيروت، فقد انتقدت إصرار وزير التربية اللبناني على عودة الطلاب إلى المدارس، بدون اتّخاذ أية تدابير أو إجراءات عاجلة، وبالأخص في قضية ارتفاع أسعار المحروقات، حيث أصبحت تكلفة وصول المعلمين إلى المدرسة، أكبر من مردودهم اليومي، بالإضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بنسب غير مسبوقة.
وفي ظاهرة مخيفة تعكس الواقع المتردي الذي يعيشه لبنان، ذكرت وفاء شديد وهي ناظرة في إحدى المدارس المعروفة في بيروت، أن الإدراة تفاجأت مع انطلاقة العام الجديد، بأن عددًا من أساتذة المدرسة غادروا لبنان خلال الصيف، بعدما وجدوا عملًا في الخارج، بدون حتى أن يبلغوا الإدارة، وأن التعاقد اليوم مع أساتذة جدد بات أمرًا صعبًا للغاية، بسبب عدم قدرة المدارس على دفع الرواتب المناسبة، خاصة مع انخفاض مداخيلها في السنتين الأخيرتين بسبب الجائحة. وقد تزايد في الآونة الأخيرة ظهور إعلانات عامّة لمدارس في القطاع الخاص تبحث عن معلمين جدد لتعويض النقص الحاصل في كوادرها، وهو أمر لم يعتده اللبنانيون في السابق ما يشير إلى أن القطاع التربوي في لبنان يدخل منعرجًا خطيرًا.
القطاع التربوي في لبنان يدخل منعرجًا خطيرًا
وفي حديث مع إحدى المدرّسات اللواتي قررن ترك مجال التعليم بسبب الأوضاع الكارثية الحالية، قالت سميرحسين إنها تفاجأت مطلع العام، أن إدارة المدرسة التي عملت لها لسبع سنوات، قد زادت عدد حصصها الأسبوعية، وضاعفت من مهامها في ما يخصّ المناوبة والمراقبة، لتعويض النقص في الكادر التعليمي، بدون أن تحصل على الزيادة بالراتب التي وعدتهم بها الإدارة، لتقرر هي الأخرى تقديم استقالتها، إذ قالت إنها تفضّل البقاء في منزلها، على أن ترهق نفسها في عمل بالكاد يؤمّن لها ثمن البنزين لملء وقود خزان سيارتها، مع استمرار الرفع الأسبوعي لسعر البنزين بشكل جنوني.
اقرأ/ي أيضًا:
المدارس في نيبال مغلقة بسبب ارتفاع معدل تلوث الهواء
اليونسكو: 100 مليون طفل لن يستوفوا الحد الأدنى من مهارات القراءة بسبب الجائحة