في أحد أشهر الفيديوهات المقتطعة من إحدى الأفلام الإنجليزية التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر أحد المدعين في المحكمة مقدمًا تهمة تجاه نظام التعليم في إحدى المدارس بالتقليدية العقيمة، يدعم المدعي أقواله بأمثلة تظهر ثورة التطور التكنولوجي التي لحقت بكل أشكال الحياة ما عدا التعليم ونمطه في القاعات الصفية.
يشير المقطع بشكل واضح إلى دور المنظمات التعليمية بممثلها الأول وهو المعلم في التعليم وأهمية ابتكاره للأساليب الجديدة والمختلفة والخروج عن المألوف فيما يخص سير العملية التعليمية.
لقد عانى التعليم على مر سنوات عديدة من التقليدية والروتينية العقيمة والتي تتجلى باتباع أسلوب واحد في التعليم وهو التلقين، إلا أن هذا الأمر بدأ بالتراجع شيئًا فشيئًا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين عند نشأة مصطلح التعلم النشط وتفعيله في نظم التعليم الحديثة.
في اقتباس من كتاب التعلم النشط للدكتور عقيل محمود الرفاعي يقول: " إن الجمع بين العديد من الأساليب، والتي من ضمنها المناقشة داخل مجموعة صغيرة أو تمثيل الأدوار والمشروعات والعصف الذهني تجعل دور المتعلم نشط، ومشارك في العملية التعليمية حيث يقوم المتعلمون بأنشطة تتصل بالمادة المتعلمة مثل: طرح الأسئلة و فرض الفروض والاشتراك في المناقشات وإدارتها والبحث والقراءة والكتابة والتجريب"
يعتبر الاقتباس السابق بمثابة تعريف شامل لمفهوم التعلم النشط عامة، وما يهدف إليه من حيث إشراك المتعلمين في سير العملية التعليمية عامة، فأن تضع السؤال نصب العين وتطالب المقابل بالاستقصاء للوصول إلى الإجابة هذا تمامًا ما يعنيه التعلم النشط، وهو ما سيدور حوله موضوع هذا المقال.
من أهداف التعلم النشط تخفيف العبء عن المعلم لكونه المصدر الأول للمعلومة
أهداف التعلم النشط
يعتبر إشراك المتعلم في العملية التعليمية من خلال المشاركة في الوصول إلى الحل الهدف الرئيس الذي يرتكز عليه تعريف التعلم النشط أصلًا كما ذكرنا آنفًا، ولكن ما هي الأهداف الأكثر تخصيصًا التي يسعى لها التعلم النشط يا ترى؟ ولماذا يتم استخدامه في المدارس والجامعات؟
- التوصل إلى الأساليب والاستراتيجيات التعليمية الحديثة التي تتبناها الفلسفة التربوية في أيامنا الحالية والتي تعني تعتمد بشكل أساسي على إدخال استراتيجيات التعلم النشط في إيصال المعلومات للطلبة.
- تمكين المعلم ومحاولة مساعدته في ابتكار أساليب تعليمية جديدة، وذلك من خلال دعمه بالأدوات التي تساعده على ذلك من تقنيات تكنولوجية في القاعة الصفية ومن خلال تهيئته بدورات متخصصة في هذا المجال.
- تخفيف العبء عن المعلم لكونه المصدر الأول للمعلومة، حيث يصبح المتعلم جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية، يناقش ويحلل ويسأل ويجيب كذلك، إن ما يقع على عاتق المعلم في سير عملية التعلم النشط يجمع ما بين السهولة الممتنعة واللين المصحوب بالحزم. حيث لا يتعدى في الكثير من الأوقات كونه دورًا إرشاديًا توجيهيًا فقط. وعلى أن التعلم النشط يزيح عن كاهل المعلم عبء كونه المصدر الوحيد للمعلومة وذلك لأهمية تشارك المتعلمين في الطرح والحل في أي مسألة تعليمية، إلا أنه يستوجب من المعلم أن يكون على أكبر قدر ممكن من التيقظ والتنبه لكل المعلومات التي يتم تقديمها داخل القاعة الصفية، فهو كمن يدير جلسة حوارية عليه الاستماع لكل ما يقال بذهن خالٍ من أي شائبة والإشارة لما يمكن تقديمه وطرحه من أخطاء من قبل المتعلمين وكل هذا يتطلب قدرًا عاليًا من التركيز والإحاطة بكل ما يخص المسألة المطروحة.
- إكساب المتعلم مهارة حل المشكلات وإخراجه من دائرة الراحة والتلقي، إلى مرحلة المشاركة والمساهمة في التعلم.
- رفع ثقة المتعلم بنفسه لشعوره بمجهوده المبذول للتعلم، فهو يواجه المشكلات بحلول استخلصها من تجربته الشخصية وليس من خلال تجارب الآخرين أي أن المهمة التي ينجزها المتعلم أو يشترك فيها تكون ذات قيمة أكبر من المهمة التي ينجزها شخص آخر حتى لو كان المعلم.
- كسر الجمود الذي الذي يحيط عادة بالصف الدراسي نتيجة التلقين، مما يخلق حالة من الحيوية والتفاعل الذي يضمن تيقظ الذهن أطول فترة ممكنة.
- بذر فكرة التعلم الجماعي والتشارك في الوصول إلى الحل، حيث يعتمد التعلم النشط بشكل أساسي على المجموعات في شرح المعلومات وطرح الأسئلة وإبداء الإجابات.
- تشجيع المتعلمين على طرح الأسئلة التي تجول في خواطرهم دون خوف أو تردد، ويعتبر هذا من أهم ما يقوم عليه التعلم النشط.
- محاولة اكتشاف قدرات المتعلمين المختلفة في التفكير الناقد والتعبير عن وجهات نظرهم، وهناك العديد من الاستراتيجيات التي تُعنى بهذا الأمر على وجه الخصوص ومنها استراتيجية جيكسو لصاحبها الدكتور إليوت أورونوسون والتي شُرحت بشكل مفصل في كتاب استراتيجيات التعلم النشط. وتقوم استراتيجية جيكسو بشكل أساسي على تعمد اختيار مجموعات من الطلبة المتفاوتين في المستوى الأكاديمي لتقييم الجميع في النهاية بشكل عادل ومنصف.
- إكساب المتعلمين فرصة للمرور بتجارب جديدة ومختلفة تساعدهم لاحقًا في اختياراتهم وتوجيه رغباتهم التعلمية فيما فيه مصلحة لهم، فالتعلم النشط يجعل من الطالب محورًا للعملية التعليمية، يواجهها بطرح الأسئلة والإجابات واختبار المشكلات بشكل شخصي مما يصنع له خبرة تساعده لاحقًا على الاختيار السليم.
أهداف استراتيجيات التعلم النشط
لإنجاح عملية التعلم النشط من ناحية تطبيقية يجب اتباع العديد من الاستراتيجيات التي من شأنها تحقيق الغاية المطلوبة. وتتعدد استراتيجيات وأساليب التعلم النشط وتفعل داخل القاعة الصفية حسب حاجة المعلم إليها وبالشكل الذي يراه مناسبَا، كاستراتيجية العمل الثنائي مثلًا أو استراتيجية لعب وتبديل الأدوار بين الطلبة.
يهدف تنوع الاستراتيجيات المستخدمة في التعلم النشط إلى كسر الروتين والملل لدى المتعلمين ناهيك عن استخراج الأفكار منهم بطريقة مبتكرة دون السؤال المباشر بل من خلال التحليل والفهم العميق للمادة المطروحة والمشاركة في نقدها.
حتى يستطيع المعلم أولًا تقديم المناهج وفق نظم التعليم الحديثة على المعنيين تقديم الوسائل التي تمكنه من ذلك
في كثير من الأحيان قد نتحفز للفكرة كثيرًا لدرجة كبيرة قد نتجاهل معها أهمية تحفزنا للطريقة التي يجب علينا تنفيذها بها، لذا يتوجب على كل من يقع على عاتقهم تطوير وتجديد العملية التعليمية ابتداء من المؤسسات الرسمية المعنية بالأمر وصولًا إلى المعلم أن يتنبهوا إلى أمر هام جدًا ألا وهو (إمكانية التطبيق وملائمته مع الظروف المحيطة)، لقدعملت في يوم ما كمعلمة للغة العربية في إحدى المدارس وكنت مطلعة على المناهج وعلى كيفية تدريسها، وكنت ألحظ حقيقة مدى الرغبة الكبيرة في التجديد والإشراف الدائم على ابتكار الأساليب المختلفة للتعلم، وهذا أمر محمود ومشكور، لكن، حتى يستطيع المعلم أولًا تقديم المناهج وفق نظم التعليم الحديثة على المعنيين تقديم الوسائل التي تمكنه من ذلك، كالعناية التقنية بالقاعات الصفية مثلًا، وأن يكون عدد الطلاب في الصف معقول كذلك، عداك عن الزخم في المنهاج نفسه والذي يستحيل، ربما، معه تقديمه على النحو المرجو، فنجاح الأمر مرهون دائمًا بتسبيب الأسباب.
تجدر الإشارة إلى أنه في بعض الدول يتم استخدام الروبوتات في التعليم كأحد أساليب التعلم المبتكرة ناهيك طبعًا عن إدخال التكنولوجيا بشكل فني مبتكر وبطرق مختلفة في العملية التعليمية عامة.
إن فلسفة التعلم النشط تعتبر الآن أحد أهم ما يتم التركيز عليه من قبل كل المؤسسات المعنية، ويعتبر من المطلوبات الأساسية التي يجب على المعلم الإحاطة بها وفهمها وتطبيقها بأسلوب ابتكاري مع طلبته، وهو أمر إذا ما اجتمعت لنجاحه الأسباب كان طريقًا بيّنًا لنهضة أمتنا.