ضمن السلسلة الوثائقية الأسبوعية "عين المكان" التي يعرضها التلفزيون العربي، سلّطت الحلقة الأخيرة التي بثت في 8 كانون ثاني\ديسمبر، الضوء على الواقع المزري الذي تعيشه السجون اللبنانية، في أحد انعكاسات الأزمة المعيشية والاقتصادية والسياسية التي ترزح تحتها البلاد، بالإضافة إلى حالات الفرار الجماعية الكثيرة التي شهدتها تلك السجون مؤخراً.
وتستهل الحلقة سردها بالتطرق إلى حالات الفرار الأشهر التي تمت في السنوات الأخيرة من سجون لبنان، والتي حدث أكبرها شهر تشرين الثاني \ نوفمبر 2020، حين نجح 69 سجينًا بمغادرة سجن بعبدا، قرب بيروت، بعدما اصطدموا مع الحراس وصادروا منهم مفاتيح النظارة لتكون سبيلهم نحو الخارج.
وقد قامت القوات الأمنية اللبنانية، في إثر تلك الأحداث، بملاحقة الفارين، ما أدى إلى وفاة خمسة منهم بحادث سير بعدما كانوا يستقلون سيارة حصلوا عليها عند فرارهم. بينما عمد ذوو بعض الفارين إلى تسليم أبنائهم للسلطات، خوفًا من مضاعفة عقوبتهم في حال تمّ القبض عليهم مجدّدًا.
هذا وأعادت حوادث الفرار هذه فتح النقاش حول واقع السجون في لبنان، وفق ما يظهر وثائقي التلفزيون العربي، كون أن عدداً من الفارين لم يكن قد تبقى لهم الكثير من فترة المحكومية، مرجعاً إقبال بعضهم على خوض تلك المغامرة إلى الوضع المزري داخل السجون الذي جعلهم يفكرون في الهرب مهما كلَّف الثمن.
جحيم السجون اللبنانية
وكشفت والدة أحد المساجين، عبر شهادة نقلها "عين المكان"، إلى أن ابنها ينام على الأرض، ولا يسمح لها بإحضار فراش له، علماً أنه يضع أسياخًا إثر عملية جراحية على مستوى الركبة، هذا بالإضافة إلى أنه عانى من نزيف في السرّة لأكثر من عشرة أيام، ولم تسمح له إدارة السجن بزيارة طبيب.
ونقل الوثائقي معاناة أم أخرى، عبر اتصالها بولدها المسجون، سألته فيه إن كانوا يحصلون على ما يكفيهم من طعام، فأجاب بالنفي، بالرغم من أن السلطات اللبنانية أعلنت في أكثر من مرة عن وصول مساعدات غذائية كبيرة للسجون. وكشفت أم ثالثة الأمراض الجلدية التي أصيب بها ابنها في سجن القبة، شمال البلاد، ما جعل جلده يتساقط، مع انعدام الأدوية بما في ذلك مسكنات " البنادول" والمراهم المضادة للحروق والالتهابات.
وفي اتصال هاتفي بأحد المساجين، أكد فيه أن الرعاية الصحية غائبة تمامًا، وأن المسجون ملزم بدفع مبلغ كبير لتحويله لمستشفى خارج السجن، حتى لو كان الأمر محصورًا بألم في الأسنان، "فما بالك في حالات الإصابات والكسور والالتهابات وما إلى ذلك". وأشار سجين آخر إلى انهم يضطرون لشراء مياه الشرب بمبالغ مرتفعة، لأن مياه السجن غير صالحة للشرب، وأن الجرب منتشر بين السجناء مع انعدام أيّ معايير النظافة.
ووفق دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن معظم السجون اللبنانية تفتقر للمقومات الضرورية للإيواء، ما يجعلها غير مطابقة للمعايير الدولية. وهو ما يؤكده المحامي محمد صبلوح، في تصريحه لطاقم الوثائقي، مشيراً إلى السجون في لبنان "على شفير الانفجار"، وإن السجناء يعيشون واقعَا صعبًا من الناحية الغذائية والصحية، بالإضافة إلى مشكلة الاكتضاد وضعف القدرة الاستيعابية.
أسباب حالات الفرار
فسجن رومية مثلًا، يقول صبلوح، معدّ لاستقبال 1500 سجين، لكنه يأوي اليوم ما يقارب الـ 4000. هذا دون أن يتوفر على أي مستشفى داخلي لمعالجة السجناء، وتقتصر الرعاية الطبية داخله على طبيب ميداني واحد ولا يتواجد بشكل دائم.
ذات المعطيات يؤكدها وزير الداخلية اللبناني الأسبق، مروان شربل، إذ يشير إلى أن 90 % من سجون البلاد يجب أن تُهدم ويُعاد بناؤها بالكامل، مشبهاً إياها بالمزارع. ويربط شربل حالات الفرار المتكاثرة خلال السنوات الأخيرة إلى الأوضاع المتدرية لهذه السجون، متحداً عن أن سجناً صغيراً مثل سجن بعبدا، الذي شهد حادثة الفرار الجماعي، يحوي حوالى 120 سجين موضوعين في غرفتين لا تتسعان لأكثر من ثلاثين شخصًا، ما يعني إيواءه ضعفي قدرته الاستيعابية.
هذا وتحدث شربل أيضاً عن احتمال تواطؤ حراس بعض السجون مع السجناء، لتسهيل عملية الفرار مقابل بدل مادي. وهو ما يرجحه أيضاً العميد المتقاعد ناجي ملاعب، بقوله أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد أدت إلى استقالة عدد كبير من عناصر الأمن بسبب تهاوي قيمة رواتبهم، وهو ما سهّل تكاثر عمليات الفرار من السجون.
التعذيب الممنهج
وينضاف إلى هذا كله، ملفات التعذيب السجناء التي تتوط فيها السجون اللبنانية. إذ كشفت مفوضية حقوق الإنسان اللبنانية بأن 80 % من السجناء يتعرّضون للتعذيب بكافة أشكاله، وأن 43 % من السجينات تعرّضن للتعذيب داخل المعتقلات.
هذا وقد قام مركز حقوق السجين التابع لنقابة المحامين في الشمال، بتفعيل شكوى دولية ضد وزير الدفاع السابق الياس مر، ذلك إثر توثيق عشرات عمليات تعذيب المعتقلين خلال عهده، مع العلم أن المر كان يشغل رئاسة الإنتربول منذ العام 2013.
قام مركز حقوق السجين التابع لنقابة المحامين في الشمال، بتفعيل شكوى دولية ضد وزير الدفاع السابق الياس مر، ذلك إثر توثيق عشرات عمليات تعذيب المعتقلين خلال عهده، مع العلم أن المر كان يشغل رئاسة الإنتربول منذ العام 2013
ووفق المحامي صبلوح، فبالرغم من المرسوم الصادر عام 1968 بإلزام تسليم ملف السجون لوزارة العدل، من أجل إيلاء قضية المساجين لقضاة وحقوقيين ومساعدين اجتماعيين، لا يزال هذا الملف حتى اليوم بيد وزارتي الدفاع والداخلية، وهو ما يتنافى مع القانون.