13-أكتوبر-2024
حرب إقليمية

الصراع الإسرائيلي الإيراني يؤسس لتغييرات استراتيجية كبيرة (فورين بوليسي)

رصدت مجلة فورين بوليسي تحولات استراتيجية في الصراع الإسرائيلي الإيراني بعد الضربة الصاروخية الإيرانية على تل أبيب، مع توعد إسرائيل بالرد عليها بقوة، مما قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة.

يُجمع المتابعون لتطورات مشهد الصراع في منطقة الشرق الأوسط أن الضربة الإيرانية الثانية على إسرائيل صعّدت من مستوى الصراع بين القوتين الإقليميتين، وتعتقد فورين بوليسي أنه بغض النظر عما إذا كانت ستنتج عنها حرب إقليمية أوسع نطاقًا بين إيران وإسرائيل أم لا، فإنّ الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه في المستقبل المتوسط، بل حتى البعيد.

وبحسب فورين بوليسي، أدّى تبادل الضربات الهجومية بين إيران وإسرائيل إلى خلق معادلة جديدة للقوة في المنطقة، وهذه المعادلة ستستمر إلى ما هو أبعد من المواجهة الحالية بين طهران وتل أبيب.

الاستراتيجية العسكرية الإيرانية عرفت تحولًا أصبحت إيران بمقتضاه تواجه إسرائيل بشكل مباشر دون الاعتماد فقط على وكلائها في المنطقة

انطلاقًا من ذلك تتحدث فورين بوليسي عن سبعة نتائج استراتيجية بعيدة المدى خلّفها تبادل الهجمات العسكرية بين إسرائيل وإيران.

انهيار استراتيجية الموقع الرمادي أو المواجهة غير المباشرة

يرى مقال فورين بوليسي أنّ الاستراتيجية العسكرية الإيرانية شهدت تحولًا متدرجًا، من الاعتماد على الحلفاء العسكريين من غير الدول في المنطقة: (حزب الله في لبنان وحماس في غزة والفصائل الشيعية العراقية) نحو شكلٍ جديد من الردع تلعب فيه إيران دور رأس الحربة، واتضح ذلك في استبدال الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان مسؤولًا عن العمليات العسكرية خارج الحدود، بالجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري. وهذا إن دلّ على شيء، بحسب المجلة، فإنما يدل على مغادرة إيران لاستراتيجية المنطقة الرمادية التي تعطي الأولوية للصراع غير المباشر، باستخدام "الحلفاء من غير الدول" إلى استراتيجية الردع المباشر. مع الإشارة إلى أنّ الاعتماد على فصائل المقاومة يبقى مكملًا للاستراتيجية العسكرية الإيرانية في المنطقة.

وداعًا للصبر الإستراتيجي

تزعم فورين بوليسي أن إيران، ومنذ نهاية حربها الدموية مع العراق، تبنت إستراتيجيةً سرية تقوم على امتصاص الألم الشديد والانتقام في الوقت الذي تراه مناسبًا، لكنّ عقودًا من التخريب الإسرائيلي المستمر على الأراضي الإيرانية كانت كفيلة بتخفيض مستوى الغموض الإستراتيجي الإيراني الذي يسمّى في الأدبيات السياسية الغربية بالصبر الإستراتيجي السلبي، الذي يتسم بعدم وجود إجراءاتٍ انتقامية مباشرة.

ففي فترة زمنية أقل من سنة تخلت إيران عن إستراتيجية الصبر الاستراتيجي لمرتين، الأولى منهما كانت بالرد على استهداف قنصليتها في دمشق، والثانية ردًّا على عمليتيْ اغتيال إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وترى فورين بوليسي أن إيران دُفعت نحو هذا الخيار دفعًا، حيث تعرضت لضغط قوي من الرأي العام والمؤيدين لها، بزعم أنّ عدم الانتقام من شأنه أن يمثل نقطة تحولٍ استراتيجية في الصراع مع إسرائيل.

أشكال جديدة من الردع

أسّست إيران، بحسب فورين بوليسي، سياسةً واضحة المعالم بشأن الردع، حيث أظهر ردّها إرادةً وقدرةً على تنفيذ هجوم مدمر على إسرائيل، فعلى النقيض من الضربة الأولى في نيسان/إبريل، حيث أسقِط معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، أثبتت الضربة الصاروخية الثانية أنها أكثر نجاحًا، واخترقت أنظمة الدفاع الإسرائيلية المتقدمة، لتضرب مطارات رئيسية. ويسلّط هذا "المنجز الإيراني"، الضوء على مركزية القوة الصاروخية في إستراتيجية الأمن القومي الإيراني، ويعزز كون قدرات إيران الصاروخية ستظل غير قابلة للتفاوض في المحادثات المستقبلية مع الغرب، حسب مقال فورين بوليسي.

خطوط إيران الحمراء

حددت إيران بردّها على إسرائيل خطوطها الحمراء على نحو واضح، فعلى الرغم من أن إسرائيل شنت ضربات مدمرة على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا لما يقرب من 15 عامًا، واستهدفت بشكل مباشر كبار جنرالاتها، إلا أنّ قصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق تجاوز العتبة الحرجة، مما دفع إيران إلى الرد بوابل من الصواريخ والمسيرات، معلنهً بذلك انهيار الخطوط الحمراء التقليدية لإيران مع إسرائيل.

وردًا على التصرفات الإسرائيلية المستمرة، مثل اغتيال قائد حماس في طهران واغتيال زعيم حزب الله في بيروت، كان الانتقام الإيراني يهدف إلى إعادة ترسيخ مستوى الردع، وبالتالي تجاوزت إيران خطين أحمرين مهمين هما: ضرب الأراضي الإسرائيلية من أراضيها واستهداف دولة مسلحة نوويًا، خاصةً أن طهران ضربت أراضي قوة نووية أخرى، باكستان، قبل أقل من 10 أشهر.

وكانت رسالة طهران واضحةً، وهي أن حرمة أراضيها خط أحمر أساسي، ولو لم تتمكن من حماية قواعدها العسكرية بشكل كامل في بلاد الشام من الضربات الجوية الإسرائيلية، وسيظل من المرجح، مع عدم وجود خط أحمر راسخ، أن يسعى الجانبان إلى إعادة رسم الحدود من خلال مواصلة الضربات المتبادلة، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

النفوذ

ترى فورين بوليسي أن إيران استعادت بعضًا من الوهج والشعبية، خاصةً في الشارع العربي بسبب الرد الأخير على إسرائيل وزيادة دعمها العسكري لغزة، وذلك بعد أن شوّه صورتها دعمها الثابت لنظام بشار الأسد.

تركت إيران وراء ظهرها استراتيجية الصبر الاستراتيجي وبات الحل الوحيد أمامها تطوير قنبلتها النووية

وترجّح فورين بوليسي أنّ فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الماضية، إلى جانب الصوت القوي للتعاون الإقليمي بقيادة نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف ووزير الخارجية عباس عراقجي، ساعد في تقليل التوتر بين طهران والدول العربية في الخليج. ومع ذلك لا تزال إيران تفتقر إلى مبادرة إقليمية قوية، وقد تواجه تحديات في الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة وترجمة هذا النفوذ إلى تحولات ملموسة.

هل تتحول سياسة طهران النووية؟

ترجّح فورين بوليسي أن تؤدي العملية الانتقامية الإسرائيلية ضد إيران إلى إحداث تحولٍ جذري في سياسة طهران النووية، والسبب أنّ ثمة أصواتًا قوية في إيران تدعو إلى السعي للحصول على الطاقة النووية كوسيلة إستراتيجية لاستعادة قوة الردع الكاملة للبلاد، ويزعم هؤلاء أن تطوير الأسلحة النووية بشكل كامل هو الرادع الأكثر فعالية للعدوان الإسرائيلي.

ونتيجة لذلك، فإن حدوث أي ضربة عسكرية إسرائيلية قد يؤدي إلى تسريع سعي طهران للحصول على الطاقة النووية، كما أن هوس الغرب بنزع سلاح إيران الكامل، إلى جانب منحه إسرائيل شيكًا على بياض، قد يؤدي إلى نتيجة غير مقصودة، وهي إيران مسلحة نوويًا.

حرب المستقبل: هل تتفوق القوة التكنولوجية على القوة الجيو سياسية؟

سلّطت هذه المرحلة من الصراع الضوء على الصدام بين القوة التكنولوجية والقوة الجيوسياسية، حيث تستفيد إيران من مزايا جيوسياسية كبيرة، في حين أن نقطة ضعف إسرائيل تكمن في ضعفها الجيوسياسي، حيث تنحصر في منطقة صغيرة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

وقد شكل هذا الاختلاف إستراتيجيات البلدين، حيث فضلت إيران عملياتها في المنطقة الرمادية بدعم من حلفائها من غير الدول، في حين تعتمد إسرائيل على إستراتيجية الصدمة والضربة الوقائية المتجذرة في التفوق التكنولوجي، وبالتالي فإن العوامل الجيوسياسية تظل ضرورية في تشكيل مسار المنافسات الإقليمية، رغم ما للتكنولوجيا من دور متزايد الأهمية في قلب المعادلات العسكرية.