"كنت أحلم أن أكون طبيبة أطفال أو مهندسة معمارية، إلا أن أبي قرر أن أترك المدرسة في المستوى السادس الابتدائي حتى أتفرغ لأشغال البيت وأساعد أمي في الأعمال اليومية، رغم النتائج الجيدة التي كنت أحصل عليها في المدرسة وحصولي كذلك على الشهادة الابتدائية"، هذا ما قالته الطفلة عائشة، بنبرة حزينة، وهي تتحدث لـ"ألترا صوت" عن سبب انقطاعها عن الدراسة في سن مبكرة، بعد أن كانت آمالها كبيرة في الدراسة ومن ثم الحصول على وظيفة جيدة تساعدها على تحسين مستواها الاجتماعي.
اقرأ/ي أيضًا: ثلث المغاربة أميّون
تضيف عائشة، المنحدرة من قرية إنمل وسط المغرب، لـ"ألترا صوت": "في قريتي المكان الطبيعي للفتاة هو المنزل وهي عادة تتعلم حرفة يدوية كالخياطة لمساعدة والديها على مواجهة صعوبات الحياة قبل أن يتم تزويجها بشاب يختاره والدها".
فتيات كثيرات يتقاسمن مع عائشة ذات الظروف في قرى المغرب الريفية. تمثل الفتيات ستين في المئة من التلاميذ المنقطعين عن الدراسة في المغرب وترتفع النسبة إلى ثمانين في المئة في الوسط القروي الريفي. وفي آخر إحصاءات قامت بها وزارة التربية الوطنية حول الظاهرة شملت ألفَ تلميذ سجلوا في السنة الأولى من التعليم الابتدائي، خلصت إلى أن ستمائة وعشرين تلميذًا فقط واصلوا إلى السنة السادسة فيما انقطع البقية عن الدراسة قبل بلوغ المستوى الأخير (السادس) من التعليم الابتدائي.
تمثل الفتيات ستين في المئة من التلاميذ المنقطعين عن الدراسة في المغرب وترتفع النسبة إلى ثمانين في المئة في الوسط القروي الريفي
يقول إبراهيم، أبو عائشة، إنه "لا يطمئن على ابنته إلا في البيت، وإنه لا يمكن أن يسمح لابنته بقطع عشرات الكيلومترات مشيًا على الأقدام أو على دراجة هوائية من أجل الوصول إلى المدرسة، وهو يعلم أنها من الممكن أن تتعرض لمخاطر مختلفة، وهي المشاكل التي لم تطرح مع إخوتها الذكور".
وقد لجأ المغرب منذ حوالي تسع سنوات إلى إنشاء دور خاصة بالتلميذات في المناطق القروية التي تعاني من العزلة والتي ترتفع فيها نسبة التسرب المدرسي، في إطار برنامج وطني لمكافحة الفقر. وهذه الدور، هي عبارة عن مآوي تم إنشاؤها قرب المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية، وهي توفر المسكن والمأكل مجانًا لفتيات الأسر القروية الفقيرة.
يضيف ياسين، وهو أحد المدرسين في قرية إنمل التي وصف التعليم فيها بالصعب، لـ"ألترا صوت": "كنَّ من الأوائل في فصولهن لكن تم إرغامهن على ترك الدراسة. أعتقد أن ما يتم بذله من جهود من طرف وزارة التربية الوطنية في هذا المجال غير كاف للقضاء على تقاليد تحرم الفتاة من التعليم في سن مبكرة".
ويرجع عدد من الملاحظين أسباب انقطاع الفتيات عن الدراسة في القرى إلى سيطرة الفكر الذكوري داخل الأسرة وارتباط المجتمع القروي بتقاليد بالية وسيطرة هاجس الزواج المبكر للفتيات على الدراسة، إضافة إلى عوائق اقتصادية كالفقر وعجز الآباء عن توفير مصاريف الدراسة لأطفالهم من الذكور والإناث ليكون الاختيار في الغالب في غير مصلحة الفتيات.
يؤكد مصطفى السعليتي، دكتور في علم النفس الاجتماعي، لـ"ألترا صوت" أنه "إلى الآن ليست هناك أي دراسات سوسيولوجية تطرقت لظاهرة التسرب المدرسي عند فتيات القرى والأرياف رغم تواصل الظاهرة واستفحالها".
ومن منظور علم النفس الاجتماعي، تتعدد الحالات لكن أهم أسباب الانقطاع المدرسي المبكر لدى الفتيات في القرى، المسافة الطويلة بين المدرسة والسكن وعدم توفر النقل المدرسي والخوف من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة في الطريق كالاعتداءات الجسدية أو الجنسية وهو ما يجبر عددًا من العائلات إلى التضحية بدراسة الفتيات حفاظًا على شرفهن وحياتهن.
يضيف السعلتي: "تسيطرعلى العالم القروي نظرة سلبية لدراسة الفتيات ويعتبرون أن للذكر الحق والأسبقية في طلب العلم وهذا ناتج عن التمثلات الاجتماعية للحقوق واختزال حق الفتاة في الزواج بالدرجة الأولى وهو الذي يخلق تمييزًا داخل الأسرة الواحدة".
في العالم القروي المغربي، يتم اختزال كفاءات ونجاح المرأة بنجاحها في حياتها الزوجية وليس الدراسية ويسعد بعض الآباء لرسوب بناتهن للحصول على سبب لمغادرتهن المدرسة. ويؤثر إعطاء الأولوية للذكور على حساب الإناث في هذه المجتمعات على نفسية الفتاة وعلى ثقتها بنفسها وقدراتها.
ويطالب عدد من المهتمين بالقطاع بإيلاء أهمية أكبر لهذه الظاهرة ورصد التلميذات المهددات بالانقطاع عن الدراسة في القرى وتقديم الدعم لهن وإعادة توجيه سياسة الدولة التربوية في هذا المجال باعتبار أن التعليم هو حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الجنسين على حد سواء.
اقرأ/ي أيضًا: في المغرب.. طلبة مشرّدون