تثير أنباء عن استراتيجية حكومية سرية بريطانية لفرض مراقبة إلكترونية في المتاجر جدلًا واسعًا حول التحيز والخصوصية، إذ إنها تتناقض بشكل حاد مع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي لإبقاء الذكاء الاصطناعي خارج الأماكن العامة.
فوفقًا لرسائل إلكترونية حكومية داخلية اطلعت عليها صحيفة Observer، يسعى مسؤولون في وزارة الداخلية في المملكة المتحدة إلى إقناع الهيئة المستقلة لتنظيم الخصوصية بتطبيق تقنية التعرف على الوجوه في المتاجر الكبرى ومحلات السوبرماركت في جميع أنحاء البلاد.
وفي ما يبدو تنفيذًا لهذه الخطوة، أثار استخدام بريطانيا بشكل سرّي لهذه التقنية في متاجر الأزياء الراقية رد فعل عنيف بسبب المخاوف بشأن الخصوصية والتحيز، ولا يزال الجدل قائمًا بين مؤيدين يرون أن مثل هذه التقنية يمكن أن تحد من جرائم البيع بالتجزئة، وبين منتقدين مشككين بشأن تأثيرها على الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
وفقًا للصحيفة، تعود هذه المناقشات السرية إلى اجتماع مغلق انعقد يوم 8 آذار/ مارس، شارك فيه مدير الشرطة، كريس فيليب، وكبار مسؤولي وزارة الداخلية، وشركة فيس ووتش Facewatch الخاصة، والتي أثارت جدلًا بسبب تركيب كاميرات التعرف على الوجوه في المتاجر.
تأسست شركة فيس ووتش عام 2010 على أيدي مالك بار النبيذ الشهير في لندن جوردونزGordon’s وذلك بسبب انزعاجه من وجود النشالين وغياب الشرطة. أنشأ سايمون جوردون نظام الأمان التكنولوجي الخاص به، فثبت كاميرا عند مدخل الحانة، وأنشأ قائمة مراقبة خاصة للأشخاص الذين يعتقد أنهم لصوص، ثم باستخدام قاعدة بيانات المعلومات البيومترية، بدأ في تحديد أوقات الاشتباه بالأشخاص الموجودين على قائمة المراقبة.
أثار استخدام بريطانيا بشكل سرّي لتقنيات التعرف على الوجوه في متاجر الأزياء الراقية رد فعل عنيف بسبب المخاوف بشأن الخصوصية وتحيز الخوارزميات.
ورغم الانتقادات المتعلقة بحق الخصوصية وتحيز الذكاء الاصطناعي، خاصة ضد الأشخاص من ذوي البشرة الداكنة، فإن محضر الاجتماع يشير إلى أن مسؤولي وزارة الداخلية حريصون على الدعوة إلى استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه لمكافحة الجرائم التي تحدث عند بائعي التجزئة.
تم توسيع نطاق نظام المراقبة بعد ذلك وبيعه للعديد من تجار التجزئة الكبار، الذين يمكنهم تحميل صور فوتوغرافية للأشخاص المشتبه في قيامهم بالسرقة من المتاجر. وقد كشف أن شركة فريزر جروب Fraser Group اعتمدت لنظام كاميرا فيس ووتش على الرغم من اعتراض أكثر من 50 عضوًا في البرلمان وقت الإعلان عن ذلك.
كما كشف التقرير أن مكتب القياسات الحيوية ومفوض كاميرات المراقبة في المملكة المتحدة منحا فيس ووتش شهادة امتثال لقواعد ممارسات كاميرات المراقبة لاستخدامها للتعرف المباشر على الوجوه،وصدر قرار في نيسان/ إبريل الماضي أن فيس ووتش متوافق تمامًا مع قانون حماية البيانات في المملكة المتحدة.
بريطانيا ليست الوحيدة في هذا الإطار، إذ ينتشر توظيف الذكاء الاصطناعي في تقنيات التعرّف على الوجوه في دولٍ عدة. ففي الولايات المتحدة رفعت أم أميركية من أصول إفريقية دعوى قضائية ضد مدينة ديترويت بعد أن قُبِض عليها أثناء حملها في شهرها الثامن من قبل الشرطة التي استخدمت تقنية التعرف على الوجوه لاتهامها خطأً بسرقة السيارات. كما أقرّت الحكومة الفرنسية في وقتٍ سابق من هذا العام قانونًا يتيح لها المراقبة عبر تقنيات التعرّف على الوجوه، والذي لاقى انتقادات حقوقية واسعة. وفي بلجيكا تقدّمت جمعيات حقوقية بالتماس لدى البرلمان ضد استخدام تقنية التعرّف على الوجوه. فيما وظفّت إيران هذه التقنيات لتطبيق قانون فرض الحجاب. كما تعتبر الصين من أولى الدول التي تعتمد هذه التقنيات وسبّاقة بها، إذ انتُقِدت دوليًا، حسب دراسة نشرت في عام 2018 بسبب استخدام تقنيات التعرف على الوجوه في مراقبة الإيغور داخل معسكرات شينجيانغ الشمالية الغربية، والتي تقول الحكومة إنها مراكز إعادة تثقيف تهدف إلى قمع حركة إرهابية.
لماذا كل هذه الانتقادات؟
تنتج عن استخدام تقنيات التعرف على الوجوه سلبيات ومشكلات عديدة، وعلى أساسها تنشط حملات ومطالبات حقوقية حول العالم لمنع استخدام هذه التقنيات، إذ ثبت تحيزها في حالات عديدة نظرًا لحقيقة أن بياناتها تدرب على بيانات متحيزة أصلًا ضد الأشخاص من غير ذوي البشرة البيضاء، وهو ما تسبب في كثير من الحالات بحدوث خلط واتهام أشخاص أبرياء من ذوي بشرة داكنة.
وفي كثير من الأحيان تُحمل صورنا في قواعد بيانات التعرف على الوجوه دون إدراكنا أو موافقتنا. فمثلًا، اكتشفت مؤخرًا شركة كلير فيو إيه آي Clearview AI وجود أكثر من ثلاثة مليارات صورة لوجوه منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي بطبيعة الحال أتاحت بكل سهولة الوصول إلى بياناتنا من قبل الحكومات والشركات الخاصة مقابل مدفوعات معينة.
من جانب آخر يتحدث خبراء عن مخاطر تخزين البيانات التي تعتبر معرّضة للاختراق والقرصنة ما يشكّل خطرًا على الخصوصية الرقمية وإمكانية سوء استخدام البيانات في عمليات الاحتيال وغيرها.
وفي هذا السياق تتصدّر دولة الاحتلال الإسرائيلي المشهد، إذ باتت مصدرًا رئيسيًا في تصدير هذه التقنيات وتحديثها بالتعاون مع كبرى شركات التكنولوجيا الداعمة لها.
وقد انتقدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامار، "التأثير المروع" لاستخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي لمراقبة الفلسطينيين والتعرف على وجوههم. وفي حديثها إلى موقع ميدل إيست آي، أشارت كالامار إلى انتهاكات حقوق الإنسان المتأصلة في استخدام إسرائيل التمييزي لهذه التكنولوجيا. وتأتي مقابلتها في أعقاب تقرير مفصل حول هذه القضية نشرته منظمة العفو الدولية في أيار/ مايو.
كما تجدّدت الاحتجاجات ضد شركات التقنية والتكنولوجيا الداعمة لدولة الاحتلال، تمثل أحدثها في دعوات للتجمع أمام مقر مؤتمر جوجل كلاود التابع لشركة "جوجل، الذي نُظِّم في 29 آب/ أغسطس الماضي في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا. وجاءت الفعالية الاحتجاجية رفضًا لتقديم الشركة خدمات تكنولوجية، بالتعاون مع شركة "أمازون"، لصالح الاحتلال، ضمن مشروع نيمبوس Nimbus، والذي يوفّر الخدمات السحابية لجيش وحكومة الاحتلال، ما يسمح من خلال هذه التكنولوجيا بمزيد من المراقبة وجمع البيانات غير القانونية عن الفلسطينيين، وتسهيل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.
كما كانت الأراضي الفلسطينية أول حقل للتجارب طبقت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي تقنيات التعرف على الوجوه، إذ مثلت مئات الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية والقدس، والتي يمر بها آلاف الفلسطينيين يوميًا، بيئة مثالية لتجربة هذه التقنيات حتى باتت دولة الاحتلال أحد أبرز مصدريها.