01-نوفمبر-2024
الفحم في غزة

فلسطينيون يشاهدون تصاعد الدخان جراء غارة للاحتلال استهدفت النصيرات في غزة (رويترز)

تحت أزيز الطائرات ووسط مخاوف من توغل إسرائيلي مفاجئ، تحاول مجموعة من الفلسطينيين تحدي الظروف التي خلفتها حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام على قطاع غزة وإنتاج الفحم الصناعي من الحطب، وفقًا لتقرير أعدته وكالة "الأناضول" التركية.

هذه المهنة، التي يمارسها عدد من الفلسطينيين في منطقة قريبة من الحدود الشرقية لمدينة خانيونس جنوبي القطاع، محفوفة بخطرين متوازيين: الموت برصاص جيش الاحتلال أو الاستهداف، والمرض جراء انبعاثات الدخان الكثيف الناجم عن احتراق الحطب.

بينما يترقب العمال في المنطقة، يرتبون الحطب الذي يقطعونه إلى قطع صغيرة على شكل هرم، ويغطونه بالقش ثم بالتراب الذي يتخلله فوهات صغيرة لإشعال القش وينبعث منها دخان كثيف. ولعدة أيام، ينتظر هؤلاء العمال وسط انبعاثات الدخان احتراق الحطب وتحوله إلى فحم، في ظل مخاوفهم من الهجمات الإسرائيلية.

تحاول مجموعة من الفلسطينيين تحدي الظروف التي خلفتها حرب الإبادة المتواصلة منذ أكثر من عام على قطاع غزة وإنتاج الفحم الصناعي من الحطب

يأتي اللجوء إلى هذه المهنة لتوفير الفحم للسكان والنازحين، بهدف التخفيف من معاناتهم في ظل شح غاز الطهي والوقود، فيما يزداد الاحتياج للفحم للتدفئة مع برودة الأجواء وحلول موسم الشتاء.

ويستخدم الفلسطينيون الفحم كبديل لغاز الطهي أو للتدفئة في ظل برودة الأجواء في مراكز الإيواء وخيام النزوح، رغم المخاطر الصحية الناجمة عن استخدامه المستمر. ومع ذلك، شراء الفحم لا يكون متاحًا للجميع بسبب ارتفاع أسعاره في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي وانعدام السيولة لدى غالبية النازحين.

ومع مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الجماعية، وتزامنًا مع تشديد جيش الاحتلال حصاره المفروض على قطاع غزة للعام الثامن عشر على التوالي، شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعًا قياسيًا مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب. يفاقم هذا الارتفاع المعاناة الإنسانية والمعيشية لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، والذين حولتهم الحرب إلى "فقراء"، بحسب بيانات سابقة صدرت عن البنك الدولي.

منذ اندلاع العدوان على غزة، أغلق جيش الاحتلال المعابر مع القطاع ومنع دخول البضائع والسلع الأساسية، كما فرض قيودًا على دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، ومنع في بعض الأحيان وصولها إلى القطاع، ما تسبب في أزمة معيشية كبيرة.

في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على ضرورة فتح البوابات الحدودية بشكل عاجل، وإزالة العقبات البيروقراطية وضمان النظام العام لإدخال المساعدات إلى القطاع.

تخفيف المعاناة

الفلسطيني فايز أبو عودة، الذي يدير أعمال صناعة الفحم، قال لـ"الأناضول" إن تحويل الحطب إلى فحم يهدف إلى تخفيف المعاناة عن المواطنين التي خلفتها الحرب الإسرائيلية المستمرة، مضيفًا: "في ظل نقص غاز الطهي، يلجأ الكثير من الفلسطينيين لاستخدام الفحم كبديل".

وأوضح أبو عودة أن الغزيين باتوا يعتمدون على الفحم في صناعة الخبز، لعدم توفر الحطب الأقل سعرًا إلا في المناطق الحدودية الخطيرة. ومع تشديد جيش الاحتلال حصاره على القطاع منذ بداية الحرب، شهد غاز الطهي نقصًا حادًا، مما دفع الناس للبحث عن بدائل حيث توجهوا أولًا للحطب.

ومع استنفاده واستخدامه بكثافة خلال أشهر العدوان الأولى، شهدت الكميات المتوفرة من الحطب نقصًا، مما دفع السكان لاستخدام الأوراق والأقمشة والنايلون لإشعال النيران وتجاوز الأزمة، رغم المخاطر الصحية المترتبة على انبعاثات الاحتراق.

اعتاد الفلسطينيون استخدام الفحم أو الحطب للتدفئة في أوقات البرد القارس نظرًا لانخفاض سعره مقارنة بوسائل التدفئة الأخرى، في الفترة التي سبقت العدوان الذي تسبب في ارتفاع غير مسبوق بأسعار معظم البضائع. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه المهنة مصدر دخل لعشرات العائلات التي يعمل أقاربها فيها، مما يساهم في التخفيف من معاناتهم المعيشية والإنسانية.

مخاطر وصعوبات

وأشار أبو عودة إلى وجود عدة مخاطر وصعوبات تواجه مهنة صناعة الفحم وسط حرب الإبادة المستعرة والمستمرة. وقال: "نواجه صعوبات كبيرة في الحصول على الحطب الذي نحوله إلى فحم".

وتابع: "نحن نجلب الحطب من المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل، وهي مهمة خطيرة للغاية حيث نواجه احتمالية كبيرة للتعرض للاستهداف من قبل جيش الاحتلال". وأضاف موضحًا أنه قبل العدوان كانوا يشترون الحطب من التجار، لكن اليوم، في ظل ارتفاع أسعاره وشح توفره، يتم المخاطرة بجلبه مباشرة من تلك المناطق.

وأشار أبو عودة إلى أن التخفيف من المعاناة وتوفير قوت العيش لأطفاله وعائلته يستحق المخاطرة بالنفس، لافتًا إلى أن سعر الفحم ارتفع خلال حرب الإبادة الجماعية إلى 25 شيكلًا للكيلو، بينما كان يباع قبل العدوان بنحو 4-5 شواكل، حيث يعادل الدولار الواحد 3.70 شيكلًا.

وقال أبو عودة إن البعض يعجز عن توفيره بسبب ارتفاع الأسعار وتردي أوضاعهم الاقتصادية، لافتًا إلى أن حالة عامة من الخوف والرعب تنتاب الفلسطينيين العاملين في صناعة الفحم، مما يلقي بظلال سلبية على طبيعة العمل.

واختتم أبو عودة حديثه لـ"الأناضول" بالقول إنه في حال حدوث توغل إسرائيلي مفاجئ في المنطقة التي يتم فيها تحويل الحطب إلى فحم، فإن خسائر مادية كبيرة ستلحق بأصحاب المشروع، لعدم إمكانية نقل المعدات والمستلزمات إلى أماكن أخرى.