أدى عقد بكامله من الصراع العسكري والعنف الممنهج والعقوبات الغربية والانهيار المالي، كذلك انتشار فيروس كورونا، إلى تدمير الاقتصاد السوري وانهيار العملة الوطنية ونقص السلع الأساسية مثل القمح والوقود في الأراضي التي يسيطر عليها النظام السوري. ليضاف إلى الصعوبات الاقتصادية تضييق على سفر السوريين إلى بقية دول العالم بشكل كبير، مما قلص الفرص أمام الشباب السوري لمغادرة البلاد بحثًا عن حياة أفضل.
أراد نظام الأسد لسوريا أي مصير مقابل إعادة إنتاج نفسه واستمراريته، ليكن من بين أثمان ذلك عدم اختبار جيل كامل للحياة إلا من نافذة الحرب والقمع والتنكيل
وقد مرت عشر سنوات على الحرب السورية منذ عام 2011 حتى اليوم. أثناء هذه الفترة نشأ جيل جديد من الشباب العشريني الذين بلغوا سن الرشد خلال فترة الحرب المذكورة. لكن حياة العشرينيات من العمر التي من المفترض أن يعيشها هؤلاء الشباب لم تكن طبيعية وآمنة، بل حملت العديد من الآلام والمعاناة والتحديات وفوتت على هذا الجيل العديد من الخبرات والفرص الحياتية بشكل جلي.
اقرأ/ي أيضًا: مسرحية الانتخابات السورية على مشرحة وسائل التواصل الاجتماعي
من بين الأمثلة التي من الممكن محاكاتها ضمن هذا الإطار، حالة المضيفة الجوية المتدربة غنوة، التي تركت الجامعة حيث كانت تدرس الهندسة المعمارية حيث اعتبرت أن حرية السفر كانت وراء قرارها في تغيير اختصاصها الجامعي والتوجه للعمل في مجال قطاع السفر. وبعيدًا عن مسقط رأسها في السويداء بجنوب سوريا، اضطرت غنوة إلى العمل في وظائف متعددة لدعم نفسها، وفعلت كل شيء من العمل مع الأطفال المصابين بالسرطان إلى عرض الأزياء وغيرها. ولم تذكر غنوة سوى اسمها الأول لدواع أمنية، وشاركت وكالة رويترز تجربتها بالقول "أنا سورية ولا يمكنني السفر في الوقت الحالي إلا من خلال هذه الفرصة"، وأضافت "إنها الفرصة الوحيدة التي تجعلني أشعر أنني أستطيع التحرك بشكل أسرع، ولأشعر بحرية التنقل عبر الحدود".
أما الدي جي وعازف الموسيقى الإلكترونية جواد، البالغ من العمر 24 عامًا، فقد عاد إلى سوريا عام 2019 وهو بالكاد تعرف إلى وطنه، بعد أن أمضى سنوات الحرب في الخارج بحثًا عن الأمان. درس جواد إدارة الأعمال، ويعتبر أنه من خلال الموسيقى يهرب من الواقع القاسي للبلد الذي عاد إليه. هو أيضًا شارك تجربته بالقول، كما ورد عبر موقع ذي ناشيونال "نحن متعطشون للسعادة"، وأضاف "لقد كانت صدمة كبيرة، كل شيء بدون أضواء، ولا توجد كهرباء. ولكن رغم كل الإرهاق والحزن على وجوه الناس لدينا أمل في إصلاح كل شيء يومًا ما". يحلم جواد بالسفر ورؤية العالم، لكن حلمه كشاب سوري تبدد، فقد كان يأمل في الحصول على تأشيرة سفر تخوله دخول أوروبا. أما اليوم فهو غير قادر على الذهاب إلى أي مكان، ويمضي وقته في مشاهدة الأفلام الوثائقية عن البلاد التي يود زيارتها مع أصدقاءه كتعويض عن عدم إمكانية تحقيق هذا الحلم، وكذلك من أجل الهرب من البرامج الإخبارية التلفزيونية.
قصة شابة أخرة، هي يارا ، 33 عامًا، تعمل كمحامية في النهار ومنسقة موسيقى في الليل، وتعيش بمفردها مع والديها بعد مغادرة ثلاثة من أشقائها للعيش في الخارج، ونقل موقع ناسداك قولها "اعتدت العيش مع الزحمة، فوضع الوقود في سيارتي على سبيل المثال بعد ساعات من الانتظار في الطابور أمر مرهق". وفضلت يارا البقاء في سوريا طوال فترة الصراع على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا القرار. وأشارت بالقول "لم تعجبني الطريقة التي تتعامل بها البلدان الأخرى مع السوريين، ولا أحبذ الشعور ببعض الشفقة من الأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا عنا، حتى لو كان ذلك يعني أن أعيش حياتي في خطر في موطني". يذكر أن يارا كانت بالقرب من محكمة دمشق عندما وقع تفجير انتحاري في عام 2017، وحول هذه التجربة المريرة تقول "لقد كانت تجربة مروعة. رؤية جثث زملائك من حولك وفي نفس الوقت تحتاج إلى مساعدة الجرحى ونقلهم إلى المستشفى".
أما الطالب الجامعي علي، البالغ من العمر 25 عامًا، فشرح موقفه بالقول "بإمكاني التحدث لعدة أيام عن الأشياء التي أثرت بي خلال الحرب"، وأضاف "لم يمر يوم دون أن تأخذ الحرب منا شيئًا. لقد كانت تجربة سيئة أن تعيش في منطقة حرب لما يفترض أن تكون أفضل عشر سنوات في حياتك كشاب"، وفق إفادته التي نقلها موقع شبكة euronews.
هذه إذًا مقتطفات من بعض قصص الشباب السوري، ليست بالضرورة تمثيلًا أو تعبيرًا عن أفظع القصص والتجارب التي خاضوها، لكنها بشكل من الأشكال تؤشر على اتساع الأوضاع الكارثية والأحلام المبددة التي شهد عليها جيل بأكلمه في سوريا التي أراد النظام لها أي مصير مقابل إعادة إنتاج نفسه واستمراريته.
اقرأ/ي أيضًا:
اليونيسف تحذر من مخاطر الهجمات على مرافق المياه والصرف الصحي خلال الصراعات