26-أكتوبر-2024
يتجمع النازحون على الأرصفة في شارع الحمرا (AP)

(AP) يتجمع النازحون على الأرصفة في شارع الحمرا

داخل واحدة من أقدم وأشهر دور السينما في بيروت، يمضي عشرات من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، الذين نزحوا جراء الغارات الإسرائيلية المكثفة على لبنان، جل وقتهم في متابعة الأخبار على هواتفهم النقالة، وإعداد الطعام وتبادل الأحاديث، والمشي لتمضية الوقت.

شارع الحمرا، الذي كان مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا، امتلأت أرصفته بالنازحين، وأصبحت الفنادق والشقق مكتظة بالباحثين عن مأوى، فيما تعج المقاهي والمطاعم بالناس.

تشير وكالة "أسوشيتد برس" إلى أنه من ناحية ما كان النزوح الكبير لمئات الآلاف من سكان جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية بمثابة دفعة اقتصادية لهذا الحي التجاري بعد سنوات من التراجع نتيجة للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، لكن ليس بالطريقة التي كان يأملها الكثيرون.

خلال العقود الماضية، شهد الشارع ارتفاعًا وانخفاضًا حسب الأوضاع التي تمر بها البلاد، فقد عانى من عدم الاستقرار المتكرر، وتعرضت الأعمال في الحي لضربات شديدة بسبب الانهيار المالي الذي بدأ في عام 2019

وعلى مدى أكثر من شهر من العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان، شهدت فنادق الأربعة نجوم في الحي نسبة إشغال كاملة، واليوم تبلغ نسبة الإشغال 65%، وهي نسبة جيدة لهذا الوقت من العام، بعد أن غادر البعض نحو شقق مستأجرة أرخص سعرًا.

يقول مدير أحد فنادق الحمرا لـ"أسوشيتد برس"، طالبًا عدم الكشف عن هويته، أن هناك مشاكل رافقت قدوم النازحين، وقال: "النزوح أنعش شارع الحمرا، لكن بالطريقة الخاطئة". وأضاف: "تدفق النازحين جلب أيضًا الفوضى، إذ أصبح الازدحام المروري وركن السيارات بشكل مزدوج وانتشار الدراجات على الأرصفة أمورًا معتادة، مما صعب على المارة التحرك"، وفق ما يقول.

ولطالما كان شارع الحمرا مؤشرًا على الحياة السياسية في لبنان. خلال ازدهار البلاد في الستينيات وبداية السبعينيات، كان الحي يرمز للرفاهية مع دور السينما والمسرح والمقاهي التي يرتادها المثقفون والفنانون والمتاجر الفاخرة.

وخلال العقود الماضية، شهد الشارع ارتفاعًا وانخفاضًا حسب الأوضاع التي تمر بها البلاد، فقد عانى من عدم الاستقرار المتكرر، وتعرضت الأعمال في الحي لضربات شديدة بسبب الانهيار المالي الذي بدأ في عام 2019.

نازح داخل مسرح بالحمراء

في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، صعّدت إسرائيل من هجماتها على بعض المناطق اللبنانية، مما أدى إلى استشهاد المئات وجرح الآلاف، فضلًا عن موجة نزوح واسعة للمدنيين الفارين من القصف العنيف. وتوافد الكثير منهم إلى شارع الحمرا، حيث انتقل بعضهم للإقامة عند أقارب أو أصدقاء، وتوجه آخرون إلى الفنادق والمدارس التي تحولت إلى ملاجئ.

 يقول العضو في جمعية تجار الحمرا، محمد ريس، لـ"أسوشيتد برس" إن: "بعض المحال كانت تخطط للإغلاق بسبب الصعوبات المالية، لكن مع تدفق النازحين تعززت التجارة في الحمرا بطرق لم نشهدها منذ سنوات، إنه شيء لا يمكن تصوره"، وأضاف: "بعض التجار ضاعفوا الأسعار بسبب ارتفاع الطلب".

في متجر للهواتف المحمولة، قال فاروق فهمي، إن مبيعاته زادت بنسبة 70% خلال الأسبوعين الأولين، حيث اشترى النازحون أجهزة شحن وبطاقات إنترنت لمتابعة الأخبار.

وبما أن الكثير من النازحين غادروا منازلهم بأقل القليل من الأغراض، فقد زادت مبيعات الملابس الداخلية والبيجامات بنسبة 300 %، يقول صاحب متجر صغير فضل عدم ذكر اسمه.

أما سينما "لو كوليسي"، المعلم البارز في شارع الحمرا التي أغلقت لأكثر من عقدين، وأعيد إحياؤها في وقت سابق من هذا العام عندما استلم الممثل اللبناني، قاسم الإسطنبولي، مؤسس المسرح الوطني اللبناني، مهامها وبدأ في تجديدها. ومع موجة النزوح الكبيرة، حولها الإسطنبولي إلى مأوى للعائلات التي فرت من منازلها في جنوب لبنان.

قاسم الإسطنبولي

يمتلك الإسطنبولي مسارح في مدينة صور الساحلية في الجنوب وطرابلس في الشمال، ثاني أكبر مدينة في لبنان، وقد حولها جميعًا إلى ملاجئ توفر ملاذًا للنازحين بغض النظر عن جنسيتهم.

يجلس النازحون في السينما البيروتية على فرشات رقيقة فوق السجاد الأحمر، يتفحصون هواتفهم ويقرأون. وكان بعضهم يساعد في أعمال الترميم. من بينهم عبد الرحمن منصور، مواطن سوري، مع إخوته الثلاثة وأمهم اللبنانية الفلسطينية، جمانة حنفي.

أخبر منصور، الوكالة الأميركية بأنهم "فروا من صور بعد سقوط صاروخ بالقرب من منزلهم، واتخذوا مأوى في مدرسة في صيدا حيث سمح لهم بالبقاء لأن والدتهم مواطنة لبنانية". لكن عندما اكتشفت إدارة الملجأ أن منصور وإخوته سوريون، أُجبروا على المغادرة، حيث كانت الإقامة متاحة للبنانيين فقط، وعادوا إلى صور بلا مأوى.

تقول والدتهم: "نمنا ليلة واحدة في صور، ولكن أتمنى ألا تشهدوا مثل هذه الليلة"، في إشارة لشدة القصف. أحد أبنائها كان على معرفة بالإسطنبولي، فاتصل به قائلًا: "قبل كل شيء، نحن سوريون"، فرد عليه الإسطنبولي قائلًا: "من العار أن تضطروا لقول ذلك."

يقضي الإسطنبولي ساعات يومه بين مسارحه في بيروت وطرابلس ليكون قريبًا من النازحين الذين لجأوا إليها. وعن الحرب الدائرة يقول: "عادة كان الناس يأتون إلى هنا لمشاهدة فيلم. اليوم نحن جميعًا في المسرح، والفيلم يعرض في الخارج".