ملامح مصرية بحتة، وابتسامة تشبهك وتشبهنا، وعشوائية مثمرة في غالب الأحيان، بكلماتٍ قلائل كالكلمات السابقة يمكننا دون إسهاب أن نصف ملامح شخصية الرجل الذي عنونا المقال باسمه.
من منا لا يعرف مؤمن زكريا؟ الفتى الذي جاء من نادي إنبي لنادي الزمالك، ولم يلبث أن وقع جمهور القلعة البيضاء في عشقه. مباراة تلو الأخرى يسجل زكريا ويقطع الملعب طولاً وعرضًا ذاهبًا للجماهير ومحتفلاً معهم بتقبيل الشعار، ثم ماذا؟
مؤمن زكريا في الأهلي. فجأة ينتقل مؤمن للأهلي الغريم الأزلي لنادي الزمالك، وأنت تعرف البقية، عشوائية داخل الملعب لكنها مثمرة كالعادة، يسجل زكريا ويقبل شعار الفريق، شد وجذب بين جمهور الفريقين بسببه، وهكذا دواليك.
انقطع الإرسال فجأة حين خرج رئيس نادي "أحد" السعودي وهو النادي الذي انتقل إليه زكريا على سبيل الإعارة من النادي الأهلي عام 2019، ليعلن أن مؤمن زكريا مصاب بمرض قد يمنعه من ممارسة كرة القدم لفترة طويلة.
دون أي مقدمات
أصبح مؤمن زكريا حديث العامة والخاصة، لم يعد الأمر يخص كرة القدم فحسب، بل ذهب لما هو أبعد من ذلك. تم فسخ عقد اللاعب مع النادي السعودي، وعاد إلى الأهلي، ولا أحد يعلم حقيقة ما أصابه، لكن الأكيد أنه مصاب بمرضٍ خطير ظهرت أعراضه حين ظهر مؤمن في لقاء تلفزيوني بعد غياب وقد أصابه الوهن، ولم يعد يقدر على الكلام بطريقة سليمة.
وفجأة أيضًا يعلن مؤمن زكريا اعتزاله كرة القدم بعد تشخيص إصابته بمرض "التصلب الجانبي الضموري في العضلات" فما هو ذلك المرض؟ وهل للرياضة والرياضيين علاقة من قريب أو بعيد بهذا المرض؟ أم أن إصابة مؤمن به كانت محض صدفة؟ دعنا نرى.
ما هو مرض التصلب الجانبي الضموري؟
مرض التصلب الجانبي الضموري هو مرض ينتمي إلى أمراض الأعصاب الحركية، حيث تصاب الخلايا العصبية في المخ والنخاع الشوكي بخلل يتلفها، وهو ما يعطل إرسال الإشارات العصبية إلى العضلات الإرادية، كالتي توجد في اليد والقدم والوجه و العضلات المتحكمة في التنفس والبلع.
تظل أسباب هذا المرض مجهولة، حيث يرجح الأطباء المختصين عدة أسباب للإصابة بالمرض، وهي:
- الجينات، حيث يحمل الابن جينات وراثية من الأب تجعله يصاب بهذا المرض، ولكن الجينات تمثل 5% فقط من أسباب الإصابة بالمرض.
- زيادة الأكسدة، حيث ينتج عن الأكسدة بعض المواد الضارة التي تسبب تلف في الخلايا العصبية الحركية.
- اضطراب كيمياء المخ.
- خلل في الجهاز المناعي.
والسؤال الآن هل تكون الرياضة سببًا في الإصابة بهذا المرض؟
أكثر بستة أضعاف!
في دراسة أجراها علماء جامعة "شيفيلد" الإنجليزية، ونشرتها صحيفة "ذا جارديان"، وجد العلماء علاقة سببية بين النشاط البدني ومرض التصلب الجانبي الضموري، حيث تؤكد الدراسة أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تزيد من خطر الإصابة بالمرض للأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي لهذه الحالة.
يعتقد الدكتور "جوناثان كوبر" طبيب الأعصاب في جامعة شيفيلد، أن التمارين الشاقة قد تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالمرض، ويؤكد كوبر أنه من بين كل 400 شخص عادي قد يصاب شخص واحد فقط بالمرض، لكنه في حالة الرياضيين تزاد النسبة لستة أضعاف، وخاصةً لاعبي كرة القدم.
في مجلة "EBIOMedicine" قام فريق من علماء المخ والأعصاب بتحليل البيانات من مشروع البنك الحيوي في المملكة المتحدة، والذي يحتوي على معلومات وراثية مفصلة ومعلومات عن نمط الحياة لنصف مليون شخص، ووجدوا أن الأشخاص الذين لديهم تركيبة وراثية تجعلهم عرضة لممارسة التمارين الشاقة كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري.
يُعرف المرض بالإنجليزية بـ "Lou Gehrig Disease" وهو نسبةً إلى لاعب بيسبول شهير في الثلاثينيات من القرن العشرين، توفي إثر الإصابة به، مما يعني أن العالم عرف المرض من خلال الرياضة في الأساس، وهو السبب الأول الذي جعل العلماء في الأساس يتحركون لدراسة علاقة الرياضة بالمرض.
في دراسة أخرى نشرتها صحيفة "ديلي ميل" أكدت أن لاعبي كرة القدم وكرة القدم الأمريكية أكثر عرضة للإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، بسبب الضربات التي تلقوها على رؤوسهم، وأشارت الدراسة أن الرياضيين بصفة عامة أكثر عرضة للإصابة بالمرض، ولا يقتصر الأمر على الرياضات الجماعية، بل يمتد إلى الرياضات الفردية كذلك، لكن الموضوع يحتاج إلى مزيدًا من الدراسات والتجارب.
لعلك الآن تتساءل، هل يوجد علاج لهذا المرض؟
تكمن مشكلة المرض في عدم وجود علاج جذري له حتى الآن، لكنه توجد أدوية تساعد على تقليل حدة الأعراض، وهي بعض الأدوية، وبعض تمارين العلاج الطبيعي، ومحاولة لعلاج ضعف النطق، والتنفس الصناعي.
نهايةً نتمنى للجميع السلامة، وندعو الله أن يشفي كل مريض، وأن يحفظنا وإياكم من كل مكروه. كما نود أن نشكر الطبيبة المصرية "نورهان أشرف جبل" طبيبة الامتياز بمستشفى "الزهراء الجامعي" جزيل الشكر على طرحها للفكرة، وامدادها لنا بالمعلومات السابقة.