07-سبتمبر-2015

الأحلام تقف عن عتبة المدرسة (علي حسن/الأناضول/Getty)

في بيتٍ لا تتجاوز مساحته 60 مترًا، مزدحم بأثاث متهرئ، قابع في شمال قطاع غزة، في مخيم جباليا للاجئين، يعيش خمسة أبناء مع والديهما، أوسطهم هو هيثم ذو العشرين عامًا. تخرج هيثم قبل عام من الثانوية العامة، ورغم كل الفقر الذي أحاط بأسرته، أمل الشاب بأن يلتحق بالجامعة، ويدرس هندسة الحاسوب. مر عام والحلم لم تخط تجاهه خطوة واحدة. قضى هيثم عامه الفائت يعمل في محل لصيانة الكمبيوتر. جمع القليل من المال، اليوم، ومع بدء، تسجيل أبناء الثانوية العامة من جديد، عد هيثم ما جمعه من مال، فوجده لا يكفي  للالتحاق بالجامعة.

اختصرت دينا الطريق وعملت مباشرةً في محل تجاري بدلًا من التخصص الجامعي كي لا تحرج عائلتها

لم يكفِ المال، ولا بدائل. يقول هيثم :"لم أتمكن مرة أخرى من الالتحاق بالجامعة، عملت بنصيحة أمي وأخذت أعمل كي أجمع مال الرسوم الجامعية، لكني لم أستطع". ولم يتفاءل هثيم بإعلانات الجامعات عن المنح والقروض، فهو يري أنها ستخص عددًا محدودًا، تنطبق عليهم شروط صعبة، محسوبيات وما إلى ذلك.

سوق العمل المبكرة

هيثم هو واحد من مئات الشباب الفلسطينيين، الذين عجزوا بالفعل عن الالتحاق بالجامعة، بسبب الظروف المادية وحدها، فلا توجد في القطاع أي جامعة مجانية التعليم، حيث تفرض كل الجامعات رسومًا باهظة، مقارنةً بحال القطاع الاقتصادي المتفاقم نتيجة الحصار، بل لا توجد أي جامعة تسمح باستلام الخريج لشهادته من دون تسديد كل شيء عالق من الرسوم الجامعية. أما ماذا بعد الجامعة؟ فذلك هو السؤال الأصعب.

في الواقع، تعكس الأرقام التي أعلنت عنها الجامعة الإسلامية -جامعة خاصة- أزمة حقيقية تهدد مسيرة التعليم العالي في القطاع، فقد تبين أن 14 ألف طالب وطالبة من أصل 20 ألف يدرسون فيها، يحتاجون إلى مساعدات لاستكمال تسديد رسومهم الدراسية، بينما تقل هذه الأرقام في جامعة الأزهر - مدعومة حكوميًا - فأكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة من أصل 19 آلفًا يعانون من عدم مقدرتهم على سداد الرسوم الجامعية.

أكثر من  14 ألف طالب وطالبة من أصل 20 ألف يدرسون في الجامعة الإسلامية يحتاجون إلى مساعدات

وعادةً، تجهّز خريجات الثانوية العامة أنفسهن للانتقال إلى المرحلة الجامعية بعد ظهور النتيجة، لكن دينا -18 عامًا- التي تخرجت بتقدير جيد من القسم العلمي، سارعت بعد صدور النتيجة إلى العمل بمحل لتأجير فساتين الزفاف. كان هذا القرار ضد رغبة والدها المحافظ الذي يرفض عمل الفتاة في الأسواق كما يقول، لكنه انصاع لقرارها، بسبب حالها النفسية السيئة الناجمة عن تحطم آمالها في الالتحاق في الجامعة، كما أنه أيقن مأساة دخله المحدود كحائك في محل صغير. كانت دينا تتمنى أن تصبح ممرضة، حلمت كثيرًا بـ"ملاك الرحمة" خاصة بعد تشجعها على اختيار هذا التخصص لحبها ومهارتها في التطبيب. لكن لا ملاك ينقذها من رحمة الأسواق.

تشرح دينا الوضع: "أخجل أن ألح على أهلي بطلب الالتحاق بالجامعة بينما أشقائي الأكبر سنًا غير قادرين على إكمال الدراسة بسبب تراكم الرسوم، تلك التي تشكل عبئًا كبيرًا على أسرتي"، وتتابع دينا بحرقة وغصة كبيرتين :"اختصرت الطريق منذ البداية، وذهبت للعمل، لا أريد أن أحمّل أهلي فوق طاقتهم، حتى فرصة الحصول على قرض أو منحة، لن أتفاءل بها وأنا أرى أشقائي يعانون حتى في توفير المواصلات والمصروفات القرطاسية". ثمة جانب "ذكوري" في الموضوع أيضًا.

العمل ليس عيبًا

تعليقًا على الأزمة، يقول أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بغزة د. درداح الشاعر إن الطالب الذي لا يستطيع أن يحقق مستوى طموحه العلمي بسبب المال يعيش في أسوأ الحالات النفسية التي ممكن أن يحياها البشر، ويتابع القول :"عدم تحقيق الحاجة يعبر عن حالة من الضيق أو التأزم النفسي، ويُعدم الإنسان التمتع بأي مقوم من مقومات السعادة أو مقومات الصحة النفسية".

وفي قراءة للحلول لهذه الأزمة، يقترح د. الشاعر أن يعمل الطالب في بعض الأعمال البسيطة التي تمكنه من توفير رسومه الجامعية، إذ إنه "من الخطأ أن ينتظر الطالب ويقول ماذا أفعل وقد أيقين أن أسرته في ضائقة مالية، عليه أن يعمل في بعض الأعمال البسيطة التي توفر له جزء من الرسوم، وهذا يحدث في كل دول العالم، هذا ليس عيبًا". يأسف د. الشاعر لكون غزة آخذة في الاعتماد أكثر فأكثر على نظام الإعانات، ولم تعد هناك محاولات لاستثمار الموارد الداخلية والطاقات الشبابية التي عطلت داخل غزة بسبب ظروف الحصار، ويأمل بأن تحل الجهات المسئولة أزمة الشباب الفلسطيني المتعلقة في الدراسة الجامعية لأنها مصيرية.


فك الحصار أولًا

يرى الخبير الاقتصادي د.محمد مقداد أن الواقع الاقتصادي سيء على الجميع بغزة. هذا الواقع تترفع فيه معدلات البطالة والفقر إلى معدلات عالية جدًا، لذا أصبح هناك عدد كبير من الشباب الذين لا يستطيعون دفع نفقات التعليم الجامعي. تكلفة التعليم في قطاع غزة مرتفعة بسبب البطالة والفقر الذي تعاني منه أسر هؤلاء الطلاب، وتلك مشكلة حقيقة وموجودة وبحاجة إلى علاج"، ويرفض د. مقداد أن تتحمل علاج هذه المشكلة الجامعات نفسها كونها تعاني من أزمات مالية، ويقول :"مثل هذه المشاكل إما أن تتولاها الحكومة بتوفير منحٍ لذوي الكفاءة من الفقراء أو وزارة الشئون الاجتماعية التي ترعى الفقراء أو أي جهات أخرى كممولين من الخارج"، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن لدي الجامعات برامج توفير المنح للمميزين ولذوي الامتياز والفقراء لكن كما يقول الخبير الاقتصادي: "الحل الرئيسي أن يكون هناك آلية لفك الحصار وفتح المعابر لغزة، هذا الأمر سيحل كل المشاكل".