اضطرت هالة إلى ترك الجامعة بعد أن صارت الأعين تلاحقها، والطلاب الشبّان يغمزون إليها بكلمات الكثير منها نابيّة، وتتحدّث عن تفاصيل في جسدها. حدث ذلك بعد أن تمّ اختراق حسابها على موقع "فيسبوك" الذي كان لها فيه صور في الرسائل الخاصة تبادلتها مع بعض صديقاتها وقريباتها.
قالت هالة، التي اكتفت بذكر اسمها الأول، "كنت أحب شخصًا وحين اكتشفت أنه لعوب ويرتبط بعلاقات نسائية متعددة، انفصلت عنه وطالبته بعدم ملاحقتي، لكنه هددني بالانتقام دون أن أعير الأمر أية أهمية"، مضيفة: "يبدو أنه تمكن من اختراق حسابي على الفيسبوك وعثر على مجموعة صور تبادلناها أنا وبعض الصديقات والقريبات ونحن نرقص في حفل زواج شقيقتي الذي كان مكرسًا للنساء فقط كما درجت العادة في هكذا مناسبات في العراق".
يستخدم العراقيون فيسبوك للتهديد ولفضح معلومات وصور خصوصًا البنات واتهامهن بشرفهن
ولأن هالة لا تريد أن تقع في مشكلة مع أسرتها، فقد أخبرت والدتها بالأمر فحسب، واتفقتا على أن تترك دراستها هذا العام على أمل أن تواصل ذات الاختصاص في جامعة أخرى لا يعرفها فيها أحد العام المقبل، وترتبان لحجّة للملمة هذه المواضيع مع والدها وأشقائها.
وإذا ما كانت هالة خرجت من ورطة مواقع التواصل الاجتماعي بأقل الخسائر، فإن نسرين حصلت على الطلاق قبل أن تتم شهر العسل مع زوجها. "اطلع مصادفة على أحاديث عبر واتس آب مع رجل كنت أعرفه قبل الزواج"، قالت نسرين التي تزوّجت بطريقة تقليدية، وأضافت "استعجل بقراره".
وتابعت نسرين، التي تعمل الآن في مكتب للحجوزات السياحية في بغداد: "لو كان قد سألني عن تلك الرسائل لأوضحت له أنها رسائل قديمة، لكنه كرجل شرقي لم يتحمل.. كما أنني أخطأت أيضا حين لم أصارحه بتلك العلاقة".
اقرأ/ي أيضًا: أرامل العراق.. أرقام عالية ومعاناة مضاعفة
ويشخّص القضاء العراقي حالات طلاق عديدة مثل التي جرت مع نسرين في الأعوام الأخيرة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، "البلد لم يكن مهيأً لهذه الطفرة التكنولوجية على مستوى التواصل الاجتماعي"، قال محمد أديب ، قاضي الأحوال الشخصية في مجلس القضاء العراق.
ووصف أديب مواقع التواصل الاجتماعي بـ"التباعد الاجتماعي"، قبل أن يضيف أن "هذه الوسائل تجعلك تتواصل مع غرباء لكن على حساب العائلة، من غير أن ينسى دور القنوات الفضائية وما تبثه كالدراما التركية التي تصور الحياة الزوجية مثالية جدًا وتملأها السعادة ولكن بعد الزواج يصطدم الزوجان بالمجتمع العراقي بظروفه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يكون الزوج فيها مُكبت المشاعر بسبب سعيه المتواصل لتحصيل لقمة العيش".
وإذا ما كانت كل هذه الإشكاليات الاجتماعية قد دخلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإن المؤسسة العشائرية في العراق، بعد أن فرضت أعرافها على المجتمع وأصبحت بديلًا عن القوانين النافذة في فض المنازعات الاجتماعية، لا بد أن يكون لها هي الأخرى صوت عالٍ في العالم الافتراضي.
وأكد محسن محيبس، أحد شيوخ العشائر، أن المنازعات الناجمة عن شبكات التواصل الاجتماعي بدأت تنافس من حيث حجمها المنازعات الاجتماعية الأخرى مثل القتل والدهس وقضايا الشرف والديون المالية".
تزداد حالات الطلاق في العراق والمشاجرات العشائرية بسبب فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي
وروى محيبس، واقعة كان هو ذاته طرفًا محكِّمًا فيها، وأشار إلى أنه شارك في جلسة عشائرية فرضت على عشيرة طفل لم يبلغ الثانية عشرة من العمر دية بلغت أكثر من 10 مليون دينار (نحو 7 آلاف دولار)، لأنه بعث بكلمات غزل إلى فتاة من عشيرة أخرى على صفحتها في الفيسبوك.
وأضاف محيبس أن "أكثر القضايا العشائرية الرقمية تعقيدًا هي تلك المتعلقة بالخيانة الزوجية، لأن أطرافها في هذه الحالة غالبًا ما يكونوا ثلاث عشائر هي عشيرة الزوج وعشيرة الزوجة وعشيرة العشيق، حيث تصل أحيانًا إلى القتل نتيجة محادثات في هذا العالم الافتراضي".
السياسيون في العراق هم الآخرون لم يتمكنوا من التكيف مع انتشار صفحات التواصل الاجتماعي، وصار من الطبيعي أن يقرأ العراقيون قيام أحد المسؤولين بإقامة دعوى قضائية على أحد الكتاب أو الناشطين المدنيين بتهمة السب والقذف، لأنه نشر في صفحته على الفيسبوك رأيًا يتعلق بنشاط هذا المسؤول.
اقرأ/ي أيضًا: موازنة العراق لعام 2017.."مكانك راوح"
ولعل أكثر تلك القضايا استهجانًا في الشارع العراقي، الدعوى التي رفعها نائب رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ضد صحفي عراقي طالب المالكي عبر صفحته في الفيسبوك بالكشف عن ملابسات قضية سبايكر التي راح ضحيتها أكثر من 1700 عسكري عراقي بعد فرارهم من معسكر غربي العراق قبل سقوطه بيد تنظيم "داعش".
وتمارس حكومة ذي قار المحلية، جنوب العراق، حملات اعتقال مستمرّة ضد ناشطين بسبب نقد يوجهه هؤلاء إليها، أو للقوات الأمنية، ولاسيما بعد اندلاع موجة التظاهرات المستمرّة منذ عام 2015 وإلى الآن، مطالبة بتحسين الخدمات ومحاسبة من تورّط بالفساد.
وإذا ما كان الفيسبوك مكانًا رحبًا للتجارة ولتنظيم الحملات المدنيّة للكثير من العراقيين، إلا أنه أيضًا لآخرين بات يمثّل كابوسًا يُطبق على حياتهم اليومية.
اقرأ/ي أيضًا: