يتزايد إدراك العديد من الآباء والأمهات بأن الضرب لم يعد وسيلة تربية ناجعة، وقطعت العديد من الدول حول العالم أشواطًا كبيرة في تجريم ضرب الأبناء. لكن ماذا عن الصراخ والنعيق في وجه الأطفال؟ لا يزال الجميع يصرخون في وجه أطفالهم أحيانًا، حتى أولئك الذين يعرفون أن هذا التصرف لا يجدي نفعًا. في هذا المقال المترجم بتصرف عن نيويورك تايمز، سنعرض لبعض آثار الصراخ الوخيمة على الأطفال، والآباء، ولم يجب علينا جميعًا ترك هذا الأسلوب اليوم مع الأطفال.
يعاني الأطفال الذين يتعرضون لهذا السلوك من الآباء والأمهات من انعدام الثقة بالنفس ومعدلات أعلى من الاكتئاب. أظهرت دراسة أجريت سنة 2014 في مجلة تنمية الطفل (The Journal of Child Development) أن الصراخ ينتج عنه نتائج مشابهة لتلك الناتجة عن العقاب البدني والتي تتمثل في زيادة مستويات القلق والتوتر والاكتئاب إلى جانب زيادة المشاكل السلوكية.
يعاني الأطفال الذين يتعرضون للصراخ من انعدام الثقة بالنفس ومعدلات أعلى من الاكتئاب
يجعلك الصراخ تبدو فاقدًا للسيطرة وضعيفًا أمام أطفالك. وهذا حقيقي لأن الصراخ هو رد فعل شخص لا يعرف ماذا يفعل. لكن يجد معظم الآباء صعوبة في تخيل إمكانية قضاء اليوم دون الاضطرار للصراخ. لكن البحث الجديد عن الصراخ كشف عن أن الوالدين عادة ما يواجهون مشكلتين متلازمتين في هذا الصدد هما: ماذا أفعل بدلًا من الصراخ؟ وكيف أتوقف عن الصراخ؟
لا نتحدث هنا عن الصراخ المفاجئ لإيقاف أطفالك عن الجري نحو شارع مكتظ بالسيارات بل نتحدث عن الصراخ التأنيبي كوسيلة تهذيب وتقويم للسلوك الخاطئ. الصراخ أداة تهذيب غير فعالة ولا تؤدي إلا إلى زرع عادة الصراخ في الأطفال أنفسهم. نصرخ في وجوه أطفالنا على نفس الأشياء والأغلاط كل يوم، ونصرخ في وجوههم لأن صراخنا في المرة الأولى لم يجد نفعًا. رتب غرفتك!، تعال يلاّ لتناول الطعام!، توقف عن ضرب أخيك!، ناااااام!
يقول آلان كازدين، أستاذ علم النفس وطب الأطفال النفسي في جامعة ييل الأمريكية العريقة، إن مجرد معرفتك بالنتائج السلبية للصراخ، لن تساعدك على التوقف عن الصراخ.
ويضيف "إذا كان هدفك من الصراخ في وجه طفلك هو التنفيس فقد يكون الصراخ حلًا مثاليًا لك أنت فقط، على حساب ابنك. لكن إن كان الهدف هو تغيير عادة سلبية لدى الطفل أو تطوير عادة إيجابية، فإن الصراخ ليس هو السبيل الأمثل للقيام بذلك. هناك استراتيجيات أخرى، ليس الصراخ أحدها قطعًا".
يعتقد الكثيرون أن الإيجابية هي شكل من أشكال الكسل، كما لو أن الآباء الإيجابيين لا يؤدبون أطفالهم. على الرغم من أن التربية الإيجابية تتطلب تخطيطًا مسبقًا وانضباطًا على عكس الصراخ، وتؤدي إلى نتائج أفضل على المديين القريب والبعيد.
يروج الدكتور كازدين لنهج تربوي يسمى ABCs، والذي يرمز إلى المقدمات والسلوك والعواقب. يقصد بالمقدمات تحضير الطفل، أي إخباره بما تريده أن يفعله قبل اللحظة التي تريده أن يفعل فيها ذلك. السلوك ويقصد به تحديد السلوك المراد تشكيله من قبل الوالدين. والعواقب تتضمن تعبيراً مبالغًا فيه عن الإشادة مع إظهار إشارات جسدية على الموافقة عندما يقوم الطفل بالسلوك الصحيح.
لذا بدلًا من الصراخ في وجه طفلك كل ليلة بسبب الأحذية المبعثرة على الأرض، اسأله في الصباح عما إذا كان بإمكانه وضع حذائه في المكان المخصص له عند عودته إلى المنزل. وإذا وضعه في المكان المخصص له، أو حتى في مكان قريب فقط من ذلك، فامدح تصرفه فورًا وأخبره أنه قام بعمل رائع واحضنه وعبّر له عن إعجابك بما قام به.
نهج ABCs هو طريقة تربوية محددة للغاية، عليك فيها أن تبالغ في الابتهاج وأن ترسم ابتسامة بلهاء كبيرة على وجهك وتلوح بيديك في الهواء إشادة. وعليك أن تمدح وتشيد بصوت عالٍ ومبهج التصرف الذي قام به طفلك. وعليك كذلك أن تخلق اتصالًا جسديًا مع طفلك وتمنحه مديحُا وإشادة محسوسين. مما يجعل طفلك يلاحظ الإشادة والثناء بسبب السلوك الصحيح الذي قام به للتوّ.
يقول الدكتور كازدين: "نريد أن نزرع في الأطفال عادات جيدة، تغير هذه الممارسة الدماغ وخلال هذه العملية تختفي جميع السلوكيات التي تريد التخلص منها لدى طفلك بما فيها نوبات الغضب. كما ينخفض مستوى التوتر لدى الوالدين ويخف اكتئابهما وتتحسن العلاقات الأسرية كأثر جانبي لتبني هذا النهج".
إذا تصرف أطفالنا بطريقة جيدة، فلن نرغب في الصراخ في وجوههم. وإذا لم نصرخ في وجوههم سيتصرفون بطريقة أفضل.
تكمن محاسن تطبيق هذه الاستراتيجية في أنه بدل اعتماد رد فعل بعد أن يقوم طفلك بفعل سيئ، وبدلًا من انتظار وقوعهم في الخطأ لتشعر بالغضب، تكون لديك خطة واعية. لكن التخطيط يتطلب انضباطًا من الأبوين. يقول الدكتور كازدين " نعلم أن البشر لديهم ما يسمى بالتحيز السلبي، ويصف علم النفس هذا الأمر بأنه طبيعي. لقد تطورت أدمغتنا على نحو يجعلنا حساسين تجاه الأشياء السلبية في البيئة المحيطة بنا".
الصراخ أداة تهذيب غير فعالة ولا تؤدي إلا إلى زرع عادة الصراخ في الأطفال أنفسهم
نحن مجبولون على الصراخ، إنها غريزة البقاء التطورية. من الصعب التخلي عنه لأنه يمنحنا أحيانًا شعورًا بممارسة الأبوة والأمومة.
في الستينيات من القرن العشرين، الغالبية العظمى من الآباء والأمهات (في الولايات المتحدة) كانوا يلجأون إلى العقاب البدني، أما في عام 2010، فقد انخفضت هذه النسبة إلى 22%. يرجع هذا الانخفاض للعديد من الأسباب من بينها تأثير عدد من معلمي تنمية الطفولة على الآباء والأمهات، وتطوير المنظومة التعليمية والقانونية التي تجرّم العقاب البدني والتعنيف الشديد ضد الأبناء. لكن من المؤكد أن أحد الأسباب هو أن الحاجة لصفع أطفالك تختفي إن كانت هناك طريقة أكثر فاعلية لتغيير سلوك الأطفال دون الحاجة إلى العنف. فلماذا تلجأ للضرب إن لم يكن فعالًا؟ هذا المنطق نفسه ينطبق على الصراخ: لماذا ستصرخ إن لم يكن للصراخ أية فائدة؟
يجب علينا تقييم تقنيات التربية بمدى فاعليتها في جعل طفلك يفعل ما تريد ويتجنب ما لا تريده وهذا ما يحققه المدح والإشادة ولا تحققه العقوبة والصراخ.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يجب الحديث مع الأبناء عن فيروس كورونا؟
دراسة بريطانية تكشف العلاقة بين نشأة الأطفال في دور الأيتام وحجم أدمغتهم