الترا صوت - فريق التحرير
بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة بين المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير حول مدنية السُلطة، تفاقمت الأوضاع بصورة متسارعة، على نحوٍ يُنذر بالانفجار، وحاول كل طرف ممارسة الضغوط على الطرف الآخر، فبينما أشهر تجمع المهنيبن سلاح الإضراب والعصيان المدني، سعى المجلس العسكري للهروب من استحقاقات الثورة، والاستقواء بالمحور السعودي الإماراتي، وذلك بعد زيارات قام بها رئيس المجلس، الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان حميدتي، إلى كل من السعودية والإمارات ومصر، لضمان دعمهم وتأييدهم.
بينما أشهر تجمع المهنيبن السوداني سلاح الإضراب والعصيان المدني، سعى المجلس العسكري للهروب من استحقاقات الثورة، والاستقواء بالمحور السعودي الإماراتي
حرص نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع خلال لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على منح الزيارة صبغة سياسية وولاء مطلق، مؤكدًا وقوف السودان مع المملكة ضد ما اعتبره "تهديدات واعتداءات إيرانية وحوثية"، معلنًا أيضًا الاستعداد للدفاع عن الحرمين في إطار ما أسماها بالشرعية، وقال إنّ "القوات السودانية ستظلّ موجودة وباقية في السعودية واليمن وسنقاتل لهذا الهدف".
اقرأ/ي أيضًا: المرحلة الانتقالية في السودان.. صراع الأجندة الخفية
اصطفاف المحور السعودي
وكانت الإمارات والسعودية أعلنتا في نيسان/أبريل الماضي تقديم دعم مالي قيمته ثلاثة مليارات دولار للسودان، في خطوة بدت وكأنها اعتراف بالمجلس العسكري، وترسيخ أقدامه للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، بصورة لا بد أنها سوف تقضي على مطالب الحرية والتحول الديمقراطي. عطفًا على أن زيارات قادة المجلس العسكري للرياض وأبوظبي والقاهرة، بدت كما لو أنها خطوة عملية أسفرت عن دوافع الانقلاب على عمر البشير، وهو الاصطفاف في محور إقليمي خارجي يحظى بدعم إسرائيل والإمارات، ما يعني أن المفاوضات مع قوى التغيير واعتصام القيادة مجرد جسر صغير لعبور أكبر، كما يرى البعض.
مأزق الاتحاد الأفريقي
من جهته يعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعًا بشأن الوضع في السودان منتصف هذا الأسبوع لتقييم التطورات الأخيرة، سيما وأن السودان يعاني منذ الإطاحة بالبشير واستيلاء القوات المسلحة على الحكم من فراغ دستوري، وغياب للسلطة التنفيذية والتشريعية، وكان مجلس السلم والأمن الأفريقي أعلن في وقت سابق، رفضه وإدانته بشكل قاطع لكافة أشكال التغييرات اللادستورية في الحكومة السودانية من خلال الانقلاب العسكري. وأبدى المجلس أسفه من أن العسكري الانتقالي لم يسلم السلطة إلى أياد مدنية، ومنحه مهلة "60" لنقل السلطة لحكومة مدنية، لكن تدخلات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يترأس دورة الاتحاد الأفريقية الحالية، نجحت في تمديد المهلة إلى وقت أطول، ما جعل قادة المؤسسة العسكرية يترددون في مغادرة القصر الرئاسي والعودة للثكنات.
الثورة في السفارة
لم يسدل الستار على تدخل المملكة العربية السعودية في الشأن السوداني بتماهي قادة المجلس العسكري، وإنما ظهر يوم الأحد بعض قادة قوى التغيير وهم يتسللون إلى مباني السفارة السعودية، مما أثار حالة من السخط وسط الثوار، ومطالب بتوضيح حقيقة ما يجري في الخفاء، خصوصًا وأن بعض قادة المعارضة قاموا بزيارات سرية الشهر الماضي إلى أبوظبي، من بينهم مريم المهدي القيادية في حزب الأمة، واضطر تجمع المهنيين السودانيين إلى إصدار بيان كشف فيه عن لقاءات جمعت لجنة العلاقات الخارجية لتجمع المهنيين السودانيين بالسفير البريطاني بمنزله بالخرطوم، لشرح تطورات الأوضاع والتأمين على مطلب الدولة المدنية.
بجانب لقاء آخر بالسفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن، وأضاف البيان الذي تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، أن وفد التجمع طالب السفير السعودي "بدعم خيارات الشعب السوداني في إقامة سلطة مدنية انتقالية، وضرورة أن يستمر التعاون بين البلدين". وتأتي هذه اللقاءات، وفقًا للبيان، في إطار جهود التجمع لعكس رؤيته حول المرحلة المقبلة من تاريخ السودان لكافة الأطراف الدولية والإقليمية، لكن البيان لم يتطرق لنقاش مصير القوات السودانية في اليمن، حيث ظل الشارع السوداني يطالب بسحب تلك القوات، وسط شكوك بأن السعودية والإمارات تعملان معًا على استخدام الجيش السوداني كوقود ومصدر إمداد دائم لحربهم المشتعلة هناك، والتي أصبح من الواضح أن الجيش السعودي لا يستطيع الاستمرار فيها طويلًا، بجانب الحاجة للقوات السودانية أيضًا في أيما حرب محتملة مع طهران؛ يدعم ذلك تصريح قائد قوات الدعم السريع حول إيران.
اقرأ/ي أيضًا: جداريات الثورة السودانية.. الخرطوم تحتفي بشهدائها
تصعيد عسكري
بالرغم من تماهي بعض قوى التغيير مع المحور السعودي، تحديدًا نداء السودان الذي يضم الحركات المسلحة وحزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي، فإن التصعيد على الأرض تواصل بشدة خلال الساعات الماضية، وقال الناطق باسم المجلس العسكري الفريق الكباشي، إن التفاوض مع قوى التغيير يسير بوتيرة ضعيفة وإن استمر الحال هكذا، ربما يفضي لكثير من الخيارات التي ترعى مصلحة المواطن السوداني. وأضاف الكباشي أنه "نظرًا لدقة المرحلة التي تمر بها البلاد وبعض المهددات فإن المجلس العسكري يمثل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، بوصفه الضامن الرئيس لاستقرار البلاد"، وهذا ربما يعني نفض المجلس العسكري يده عن التفاوض مع قوى التغيير، وتشكيل حكومة بصورة منفردة، أو بالتشاور مع حلفاء آخرين.
بالرغم من تماهي بعض قوى التغيير مع المحور السعودي، تحديدًا نداء السودان الذي يضم الحركات المسلحة وحزب الأمة القومي، فإن التصعيد على الأرض تواصل بشدة خلال الساعات الماضية
تهديد بالإضراب العام
هذا وقد رفعت لجان المقاومة لافتات في الشوارع الرئيسية بالخرطوم تدعو إلى الدخول في إضراب عن العمل اعتبارًا من يوم الثلاثاء استجابة لدعوة تجمع المهنيين، وانتشرت قصاصات ورقية وزعها محتجون على الطرقات والأحياء مع ترديد هتافات تدعو للإضراب أثناء حملات النظافة وطلاء الحواجز الخرصانية في الشوارع الرئيسية بحوالي 40 منطقة في العاصمة السودانية، في وقت نظم فيه عشرات العمال والموظفون بالبنك المركزي، وسلطة الطيران وقفات احتجاجية تطالب بمدنية السلطة ومحاكمة رموز الفساد الذين استباحوا الخطوط الجوية السودانية. وتأتي دعوات الإضراب وسط تهديد من المجلس العسكري بفصل ومعاقبة كل من يقومون بذلك، أو يخلون بلوائح الخدمة المدنية.
اقرأ/ي أيضًا: