تعرض مركزان تابعان لمنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، التي تعمل في مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة السورية بريف إدلب، لهجومين مسلحين مجهولي المصدر، خلال أقل من أسبوع، ما أودى بحياة سبعة من عناصرها المتطوعين، بعد أن قتلوا أثناء فترة مناوبتهم الليلة. وتُعد هذه الجريمة الأولى من نوعها على مستوى المنظمة من ناحية اغتيال عناصرها داخل إحدى مراكزها، من قبل أشخاص في مناطق محسوبة على المعارضة.
كيف وقع الهجوم؟
هاجمت فجر السبت الماضي، مجموعة مجهولة مركز "الإنقاذ" لمنظمة الدفاع المدني الواقع على أطراف مدينة سرمين بريف إدلب قامت باغتيال الطاقم المناوب البالغ عددهم سبعة متطوعين، وأطلقت رصاصة واحدة على رأس كل واحد منهم، إضافة لسرقتها سيارتين من نوع "فان"، ومعدات لوجستية تستخدمها المنظمة في عمليات الإنقاذ، وفق ما قال بيان صادر عن المنظمة.
تعرضت منظمة الخوذ البيضاء لهجوم غير مسبوق على بعض أفرادها، من مجهولي الهوية، في مناطق محسوبة على المعارضة
وبعد يومين على الهجوم الذي تعرض له مركز الإنقاذ، هاجمت مجموعة ثانية مركزًا للمنظمة في بلدة بليون بريف إدلب، لكنها فشلت بسبب إرسال المتطوعين نداءات إغاثة عبر اللاسلكي لأهالي المنطقة والفصائل القريبة من المركز، قامت على إثرها المجموعة بالانسحاب دون أن تخلف وراءها أثرًا. وبحسب ما ذكر موقع "الدرر الشامية" على لسان مصطفى الحاج يوسف مدير الدفاع المدني في محافظة إدلب، فإن إحدى فصائل المعارضة اشتبكت مع العناصر المتسللة قبل أن تلوذ بالفرار.
اقرأ/ي أيضًا: حملة المليون دولار.. معًا لدعم "الخوذ البيضاء"
وكان مركز الدفاع المدني في مدينة جسر الشغور، قد تعرض الشهر الماضي لإطلاق نار على خلفية قيام عناصر المنظمة، بافتتاح إحدى الطرق، حيثُ هاجمهم شخص ادعى أنه من هيئة تحرير الشام، وطالب باعتقال سائق التركس بسبب ردم التراب فوق أرضه، وعندما اعترضه عناصر المركز أحضر مجموعة أشخاص بدؤوا بدورهم بإطلاق النار مطالبين باعتقال عدد من أفراد المركز. وانتهت هذه الهجمة، بتوجه بعض الفصائل لمكان إطلاق النار، وتم تحويل القضية للمحكمة، وذلك وفقًا لبيان سابق صادر عن قطاع جسر الشغور بريف إدلب الغربي.
ويسيطر على مدينة جسر الشغور الحزب الإسلامي التركستاني منذ عام 2015، والذي يملك علاقات قوية مع هيئة تحرير الشام، التي من جهتها فرضت الشهر الماضي سيطرة شبه كاملة على محافظة إدلب باستثناء الريف الجنوبي.
وكانت تحرير الشام قد نفت صلتها بالهجوم الذي تعرض له مركز الخوذ البيضاء، وأصدرت بيانًا تعهدت فيه "ببذل الجهد للقبض على المجرمين ومحاسبتهم"، مبديًة استعدادها لتقديم "كافة أشكال الحماية المتاحة لتسهيل عمل منظمة الدفاع المدني في المناطق المحررة".
الخوذ البيضاء
في عام 2013 قامت مجموعة مدنية بتأسيس منظمة الدفاع المدني في كافة مناطق المعارضة السورية، وبإمكانيات بسيطة، بغية المساعدة في عملية إنقاذ الجرحى والمصابين بقصف مقاتلات النظام السوري. وعمل على التطوع في المنظمة من مختلف الشرائح المجتمعية ما بين مثقفين وطلاب وأصحاب حرف يدوية، ومعلمين وغيرهم. وخلال عملها ساعدت على إنقاذ أكثر من 60 ألف مدني. بينما قتل من متطوعيها ما لا يقل عن 130، إثر غارات جوية لطائرات النظام السوري، ثم بعد ذلك المقاتلات الروسية، بدءًا من نهاية أيلول/سبتمبر 2015. ويبلغ إجمالي عدد متطوعيها ثلاثة آلاف من شرائح عمرية مختلفة.
وكانت المنظمة من أبرز المرشحين لجائزة نوبل للسلام في تشرين الأول/أكتوبر 2016، والتي حصل عليها الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس بعد إبرامه اتفاق سلام مع منظمة "فارك" اليسارية المتمردة، لكنها في مقابل ذلك حصلت على جائزة "Right Livelihood" المصنفة على أنها الجائزة الرديفة لنوبل، كما أن فيلم "The White Helmets"، الذي أنتجته شركة نتفليكس عن المنظمة، حصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير للعام الجاري.
من المستفيد من اغتيال أفراد الخوذ البيضاء؟
حتى لحظة إعداد التقرير، لا تزال الجهة التي وقفت وراء الهجوم على منظمة الخوذ البيضاء، مجهولة الهوية. وبعد ساعات من الهجوم الاغتيالي، قال مركز إدلب الإعلامي، إن إحدى السيارات المسروقة وجدت محروقة على طريق "سرمين – بنش" بريف إدلب، وكانت مدينة سرمين من أبرز معاقل تنظيم "جند الأقصى"، قبل أن يحل نفسه، ويتوجه عناصره إلى مناطق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مدينة الرقة.
لا يزال منفذو الهجوم على الخوذ البيضاء مجهولي الهوية، وإن كان من المحتمل أنهم عناصر من داعش
ومطلع تموز/يوليو الماضي، نفذت هيئة تحرير الشام حملة أمنية، استهدفت خلايا نائمة لداعش في بلدتي الدانا وسرمين بريف إدلب، تمكنت خلالها من إيقاف أكثر من 100 عنصر بينهم قياديين في التنظيم. وجاءت حملة الهيئة بالتزامن مع أخرى مماثلة نفذتها حركة أحرار الشام الإسلامية بشكل منفصل.
اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل
وتشهد محافظة إدلب تخوفات من تكرار هذه الحادثة، فضلًا عن أنها استهدفت منذ مطلع العام الجاري بعبوات ناسفة زرعت داخل سيارات، أو وضعت على أطراف الطرق وداخل الأسواق الشعبية في مدن وبلدات المحافظة، واستهدفت مدنيين وقادة في فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام. وتأتي حادثة الاغتيال لترفع من مخاوف ازدياد فلتان الوضع الأمني غير المضبوط، حيثُ تعرضت سيارة كانت تقل مُعلمين ومعلمات، تتبع لمنظمة سوريا للإغاثة في مدينة أريحا، للسرقة بعد يوم واحد من حادثة الهجوم على مركز المنظمة.
الخوذ البيضاء على رأس قائمة نظام الأسد
كما تعرضت المنظمة لحملة إعلامية مضادة من النظام السوري، بعد إعلان ترشيح الفيلم الذي يتحدث عن واحدة من قصصها الإنسانية لجائزة أفضل فيلم وثائقي. وقاد الحملة بشار الأسد بنفسه، بعدما قال في حوار مع التلفزيون السويسري في وقت سابق من العام الماضي، إن "ما يسمى في الغرب الخوذ البيضاء، هم في الواقع الوجه المُجمّل لجبهة النصرة"، وعاد لاحقًا في آذار/مارس الماضي، خلال حوار مع قناة فينيكس الصينية، لتكرار قوله بأن "قصة الخوذ البيضاء بسيطة جدًا، عملية تجميل لجبهة النصرة في سوريا"، واصفًا حصول الفيلم على جائزة أوسكار أنه "منح شهادة مسيسة".
ولم يكن الأسد الوحيد الذي هاجم منظمة الخوذ البيضاء في سوريا، إنما وقفت إلى جانبه روسيا في هجومها على المنظمة، عندما اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الخوذ البيضاء بـ"تعاطفها" مع داعش وجبهة النصرة، وأنها تلاعبت في عمليات الإنقاذ المنفذة من قبلها باستخدامها "أطفال مخدرين"، إضافة لوصفها المجموعة بأنها "منظمة إنسانية مزورة"، واتهام مسؤولين روس بوقوف الخوذ البيضاء خلف الهجوم الكيميائي الذي نفذته قوات النظام على مدينة خان شيخون بريف إدلب في نيسان/ أبريل الماضي.
من قبيل المهزلة أن تتهم روسيا منظمة الخوذ البيضاء بالوقوف خلف الهجوم الكيميائي على خان شيخون!
ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرين عن المنظمة، الأول يوثق حالات الاعتداء على مراكز الدفاع المدني خلال شهر تموز/يوليو الماضي بالإضافة لحالات الاعتداء على مراكزها، فيما يوثق الثاني الضحايا والاعتداءات التي تعرضت لها المنظمة خلال النصف الأول من العام الجاري.
اقرأ/ي أيضًا: صرخة خان شيخون في آذان عالم أصم
وقالت الشبكة في تقريريها، إن 29 من أفراد الخوذ البيضاء لقوا حتفهم، وتعرضت مراكزها في مختلف المناطق لـ50 حالة اعتداء خلال الأشهر السبعة الماضية على يد جميع الأطراف المتحاربة، مُشيرةً إلى أن قوات النظام بالاشتراك مع القوات الروسية، تسببت في مقتل 21 متطوعًا في المنظمة، ونفذت 47 اعتداءً على مراكز المنظمة من أصل جميع الاعتداءات التي تعرضت لها خلال الفترة الموثقة في التقريرين.
اقرأ/ي أيضًا: