ألتراصوت- فريق الترجمة
في منتصف تموز/يوليو 2021، أعلنت تويتر عن انتهاء تجربة خاصية القصص" "فليتس"، لتنهي بذلك مغامرة سمجة لم تدم طويلًا للإضافة التي عدها كثيرون "الأكثر إخفاقًا" بين مزايا المنصّة.
فبعد شيوعها على عدّة منصّات أخرى، ولاسيما فيسبوك وإنستغرام وباز (المنصة العربية للتواصل الاجتماعي) وقبلهما سنابشات، سعت تويتر للاستفادة من هذه الميزة، من أجل استقطاب فئات جديدة من المستخدمين لها، خاصة من الشباب، والذين ترى المنصّة أنهم يتجنبون الخوض في حوارات تويتر خوفًا من التنمّر. إلا أنّه وبعد أقل من عام على ذلك، تبين للشركة انخفاض مستوى التفاعل مع هذه الميزة، وعدم جدوى الإبقاء عليها.
تمخّض عن الاجتماعات التي عقدها فريق تويتر المكلّف بهذه المهمّة حوالي 60 فكرة، تم تصفيتها على مدار أيام عديدة، ورشح منها ثلاث أفكار نهائية فقط
لكن، وبالرغم من الانتقادات السلبية التي ولّدتها ميزة "فليتس" بين مرتادي المنصّة طوال الفترة الماضية، ثمة تفصيل صغير واحد سيبقى عالقًا في أذهانهم، وهو تلك التغريدة التي أعلنت تويتر من خلالها عن تصفية ميزة "فليتس" ووقفها، وهي تغريدة حازت على تفاعل ضخم، جعلها واحدة من أبرز تغريدات الحساب الرسمي للشركة على المنصّة على الإطلاق خلال العام الجاري.
اقرأ/ي أيضًا: بعد أقل من عام على التجربة.. تويتر يلغي ميزة "فليت"
فحين قررت إدارة الشركة بشكل نهائي إيقاف ميزة "فليتس"، كانت المهمّة الحسّاسة التالية تتمثّل في صياغة الرسالة للجمهور للإعلان عن هذا القرار الصعب، رغم كونه غير مفاجئ. آشلي تايرا، مديرة التحرير والصوت في تويتر، كانت معنية بالتشاور مع فريقها من أجل وضع الإعلان عبر تغريدة على الحساب الرسمي لشركة تويتر على المنصّة. وقد عمدت بالفعل إلى تشكيل فريق صغير خاصّ من أجل هذه المهمة، وعقدت اجتماعات افتراضية في "غرفة الكتّاب"، وبدأوا بعصر أذهانهم من أجل وضع صياغة تشاركيّة للتغريدة الصغيرة التي ستعلن نهاية حقبة عابرة من ميزة "فليتس". وقد وضع الجميع اقتراحاتهم وتعديلاتهم على ملف "مستندات جوجل" مشترك.
تمخّض عن الاجتماعات التي عقدها فريق تويتر المكلّف بهذه المهمّة حوالي 60 فكرة، تم تصفيتها على مدار أيام عديدة، ورشح منها ثلاث أفكار نهائية فقط. النصيحة الأساسية التي سار الفريق على هديها تتمثّل في ضرورة التركيز على كتابة تغريدة "جيدة"، وليست تغريدة تنال رضا الآخرين، لأنه لا أحد يملك الوصفة النهائية السحرية لتحديد ما يمكن أن ينال إعجاب المستخدمين على المنصّة دومًا.
النتيجة النهائية للعمل الدؤوب لفريق التحرير في تويتر، كانت التغريدة التالية، التي نشرت على الحساب الرسمي للشركة، والذي يتابعه حوالي 60 مليون مستخدم:
تقول التغريدة: "سنتخلص من ميزة "فليتس في 3 آب/أغسطس، ونطوّر أشياء جديدة. نعتذر/لا شكر على واجب".
حققت التغريدة تفاعلًا غير مسبوق على الحساب الرسمي لتويتر منذ العديد من الأشهر، وذلك بفضل العبارة الأخيرة في التغريدة "نعتذر/لا شكر على واجب"، أو (We’re sorry or You’re Welcome)، والتي تردّ مسبقًا على تفاعلين أساسيين إزاء ميزة "فليتس"، سواء أولئك الذين أعجبتهم الميزة، ما يعني أن الشركة تعتذر منهم لأنها قررت إلغاءها، أو أولئك الذين لم تعجبهم وكانوا شاكرين للتخلص منها أخيرًا، وهؤلاء تقول لهم تويتر: عفوًا، أو لا شكر على واجب. أو ربما تقول الشركة، نحن آسفون لأننا أضعنا وقتكم بهذه الميزة التي لم يكن لها أي داعٍ، وأننا سنعمل على أشياء جديدة، ربما لتطوير ميزة يحتاجها رواد تويتر فعلًا، مثل خيار تعديل التغريدات، وهذا قد يستحقّ الشكر عليه، لذلك تقول الشركة سلفًا: "لا شكر على واجب".
فريق خاص لكتابة التغريدات على الحساب الرسمي
بدءًا من العام 2018، غيّرت تويتر من أسلوب التخاطب مع متابعي حسابها الرسميّ، وانتقلت من استخدام لغة رسميّة وتقنية جامدة، إلى اعتماد تغريدات أقصر وأذكى وأكثر طرافة ومتعة. التغيّر الذي حصل، كان لغويًا وفوق لغويّ أيضًا. ففي إحدى التغريدات الأكثر طرافة في أيار/مايو الماضي، كتب فريق تويتر: "اكتب ردًا لو كان هنالك تطبيق أفضل". والطريف في التغريدة هو أنها كانت إعلانًا ذكيًا جدًا عن توفير ميزة "تعطيل الردّ" على بعض التغريدات، لذلك لم يكن خيار الردّ متوفرًا أصلًا على تلك التغريدة التي كانت أيضًا من بين أبرز تغريدات الحساب وأكثرها حصدًا للتفاعل.
السرّ كما كشفت عنه بلومبيرغ، هو فريق متخصص في تويتر، لا شغل له ولا عمل، سوى مراقبة السلوك اللغوي والحيل الكتابية الطريفة على الإنترنت، ومشاركتها فيما بينهم على مجموعة رسائل خاصة أطلقوا عليها اسم "الخليّة الاجتماعية". أما الميدان العمليّ للفريق، فليس إلا مستندًا مشتركًا على "مستندات جوجل"، تجري عليه كتابة الأفكار التغريديّة الجديدة للتجهيز للتغريدة القادمة. وبما أن تغريدات الحساب الرسمي تصل إلى 20 مليون مستخدم في "الأيام العادية"، وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم مع التغريدات "الضاربة" الأكثر طرافة وابتكارًا، فإن هذا يزيد من المسؤولية الاجتماعية للحساب، ليكون صوتًا مؤثرًا يمكن الاعتماد عليه في القضايا الاجتماعية والإنسانية الكبرى.
ففي منتصف العام الماضي، بادرت تويتر للتضامن مع حراك السود في الولايات المتحدة، وغيرت "النبذة" (Bio)، في حسابها إلى هاشتاغ #blacklivesmatter، للتضامن مع الأمريكيين من أصول أفريقية ضدّ عنف الشرطة، بعد جريمة قتل جورج فلويد.
تعتمد تويتر على فريق متخصص للتفكير بالصياغة الأنسب والأكثر طرافة وتأثيرًا للتغريدات التي تنشر على الحساب الرسمي
وفي تموز/يوليو 2020، أخذت تويتر، عبر حسابها الرسمي، موقفًا واضحًا من التساهل المجتمعي بخصوص ارتداء الكمامات الواقية، وعبر تغريدة طريفة كتبت: "سنطرح خيار تعديل التغريدات لو التزم الجميع بارتداء الكمامات". التغريدة حازت 2.7 مليون إعجاب، لتكون بذلك إحدى أقوى التغريدات التي صاغها الفريق على الإطلاق وأكثرها تأثيرًا ربما.
يعد عمل فريق التحرير الخاص بالحساب الرسمي لتويتر على المنصّة ظاهرة جديرة بالمتابعة والدراسة، لأنه يفتح عالمًا جديدًا على فهم الإمكانات الهائلة لمنصات التواصل الاجتماعي على اللغة وطريقة التعاطي والتفاعل معها، إضافة إلى تأثيرها اللغوي العميق على طريقة الكتابة وأسلوبها في الفضاء الرقمي العامّ، والخاص، والذي يتغيّر باستمرار. فمنصّة تويتر، وأنماط اللغة والتعبير الرائجة عليها، في مختلف اللغات، تعد ميدانًا خصبًا للأبحاث والدراسة، حيث ينشر سنويًا مئات الأبحاث الأكاديمية التي تتناول القضايا اللغوية والتواصلية على منصّة تويتر وحدها، ودراسة الأبعاد الاجتماعية والسياسيّة والنفسية للغة كما تستخدم من قبل عموم روّاد المنصّة أو الشخصيات العامة والمؤثّرين الاجتماعيين والسياسيين.
اقرأ/ي أيضًا:
واشنطن بوست: كيف نجحت حركة طالبان في حرب "السوشال ميديا" حتى الآن؟