25-سبتمبر-2024
Netanyahu

كاريكاتير لـ Becs/ الأرجنتين

في الأيام القليلة بعد عملية "طوفان الأقصى"، صرّح رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط. وهذا التغيير يبدأ بالقضاء على المقاومة في غزة والضفّة الغربية ثم الانتقال إلى "حزب الله" في لبنان وصولًا إلى ضرب إيران في مرحلة لاحقة بعد أن يكون، كما يعتقد، قد قطع الأذرع وبقي الرأس!

هذا الأمر ليس بجديد في التفكير "الإسرائيلي"، لكن الجديد أنه يأتي بعد صفعات غير متوقعة هزّت صورة الكيان المحتل إقليميًا وعالميًا، فقد كان يُنظر إلى "إسرائيل" على أنها كيان لا يُهزم، وأن جيشها جيشٌ لا يُقهر، لكنه أُذلّ في ثكناته وأُسر أحد جنرالاته بثيابه الداخلية. وعدا عما سبق، عادت القضية الفلسطينية إلى تصدر المشهد بعدما كانت في طور التغييب قبل "طوفان الأقصى".

لكن الأخطر مما سبق هو اهتزاز صورة المحتّل أمام مخياله الذاتي، وتهشّم تلك الصورة العملاقة التي بناها لنفسه عن نفسه، ومن هنا تأتي خطورة نتنياهو حاليًا: ذئب جريح كان يظنّ نفسه "باني الهيكل الجديد".

نظرة سريعة على غزّة

أكثر من 11 شهرًا مرت على بداية "طوفان الأقصى" دمّر نتنياهو خلالها قطاع غزة وشرد شعبه وقتل الآلاف منهم. هذا الإجرام المستمر أدّى إلى اهتزاز السردية الصهيونية في الغرب، حيث بدأت تخسر، للمرة الأولى، الحرب الإعلامية. وليس ترهيب الإعلاميين وقتلهم إلا دليل بسيط على حجم الأذى الذي لحق بالسردية الصهيونية. وهذه خسارة أخرى لنتنياهو تضاف إلى عدم تحقيقه لأهداف الحرب التي وضعها، فهو لم يستطع القضاء على المقاومة التي ما زالت تقوم بعمليات عسكرية نوعية بشكل يومي، ولم يستطع استعادة المحتجزين لدى المقاومة.

الانتخابات الأميركية

كانت الترجيحات واستطلاعات الرأي تشير إلى تقدّم دونالد ترامب على جو بايدن في السباق الرئاسي الأميركي، الأمر الذي يناسب تطلعات نتنياهو الذي أراد أن تكون الفترة التي تسبق الانتخابات الأميركية فترة "تقطيع الوقت" حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

من سيقوم بردع هذا المجنون ومتى؟ هل هي الولايات المتحدة، أم المجتمع الدولي، أم الضغط الداخلي مع تصاعد المواجهات في الجنوب وبدء فتح الملاجئ في تل أبيب؟!

أما بعد انسحاب بايدن وترشّح نائبته كامالا هاريس بدلًا عنه، بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدّم هاريس في العديد من الولايات المتأرجحة، ما يعني أن الفترة القليلة المتبقية التي كان يحاول نتنياهو تمريرها تحوّلت إلى فترة الحسم بالنسبة إليه مستفيدًا من ترنّح إدارة بايدن.

إذن، بدأت الخسارات المتتالية تضغط أكثر على نتنياهو، وهو ليس بالشخص الذي يعترف بالخسارة أو يتقبّلها، ولم يعد بإمكانه فعل المزيد في غزّة، فما الحل؟ الشمال.. نحو لبنان!

الحرب على لبنان

طوال الفترة الممتدة من 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وصولًا إلى الأسبوع الماضي، أدت ضربات "حزب الله" إلى تهجير ما يزيد عن 100 ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة، وقد رأينا وقرأنا وشاهدنا الضغط الذي يمارسه أولئك المستوطنون المهجّرون على حكومة الاحتلال (فأولئك لم يتخيلوا يومًا أن يتركوا الأرض التي سرقوها أو أن يهجّرهم أحد منها، وهم من اعتادوا على التهجير والاستيطان). وقد قامت ضغوطاتهم على نتنياهو على فكرة أنه تخلى عنهم أحيانًا، وأنه جبان في أحيان أخرى، ما زاد من معاناته أمام ذاته.

بناءً على ما سبق، بدأ الإسرائيلي بنقل المعركة نحو شمال فلسطين المحتلّة وقد بدأها بعمليات استخباراتية وتقنية نوعيّة (تفجير أجهزة الإتصالات) ومن ثم عمليات الاغتيال. سرّب بعض المسؤولين أن موفد فرنسي حمل رسالة إلى المقاومة اللبنانية مفادها أن "إسرائيل" لا تريد حربًا وستقف عند هذا الحد إذا أوقفت المقاومة مساندتها لغزّة. وحين أتى الجواب بالرفض، انتقل نتنياهو إلى حفلة جنون كبيرة بدأت يوم الاثنين، حيث قام بشن مئات الغارات على الأراضي اللبنانية، من الهرمل في أقصى الشمال الشرقي إلى الناقورة في اقصى الجنوب الغربي، وطالت معظم الغارات أهدافًا مدنية وأسفرت عن استشهاد أكثر من 500 شخص من المدنيين والأطفال والنساء.

صرّح نتنياهو بعدها أن هدف الضربات على لبنان هو فكّ الإرتباط بين جبهة جنوب لبنان وجبهة غزة، بالإضافة إلى إعادة المستوطنيين إلى شمال فلسطين المحتلة، وبأنه سيقوم بكل ما هو ضروري لتحقيق هذه الأهداف.

الإعلام الإسرائيلي (وبعض الإعلام العربي!) صوّر هذه الغارات على أنها غارات ماحقة، وقفزوا من "البداية" إلى "النهاية" بشكل مباشر، وقد سمعنا تصريحات من مسؤولين إسرائيليين بأن الغارات قضت على 50 بالمئة من قوّة المقاومة. لكن المنطق يقول إن جمع المعلومات عن نتيجة الغارات يحتاج إلى وقت أكثر، كما أن تحديد 50 بالمئة يفترض أن "الإسرائيلي" يعرف ماهية الـ100 بالمئة التي تمتلكها المقاومة! التحديد الأول أمنيات والثاني افتراضات. (للمفارقة، فإن اليوم التالي للغارات 24 أيلول/سبتمبر، شهد إطلاق أكبر عدد من الصواريخ في يوم واحد منذ بداية "طوفان الأقصى"، والأبعد من حيث المدى)

لكن الغارات أثارت الهلع من دون أدنى شكّ في المجتمع اللبناني عمومًا، فنحن اختبرنا إجرام هذا العدو طيلة عقود، وهذا الهلع المبرر ناجم عن الاستهداف الوحشي للمدنيين في بيوتهم ومحالهم وأرزاقهم، بالإضافة إلى حركة النزوح الكثيفة التي بدأت منذ الأمس نحو أماكن أكثر أمانًا، وهذا هو الهدف الفعلي والضمني لحجم الغارات وكثافتها، ألا وهو ضرب البيئة الحاضنة للمقاومة والضغط عليها من هذه الخاصرة الرخوة!

لكنها الحرب يا صفية..

وفي الحرب ثمّة جهتين، وعلى ما يبدو فإن المقاومة في لبنان قد استوعبت الضربات الكثيفة وبدأت بردّة الفعل المتدرجة، وها هي صواريخها تتفجّر في حيفا وفي مستوطنات الناصرة، ما يشير إلى أن فكّ الارتباط ليس في قائمة المقاومة، كما أن هذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاع عدد المستوطنين النازحين، مما يسقط أهداف الحرب التي أعلنها نتنياهو!

عودة إلى المقدمة

هل سيرضى نتنياهو بإسقاط أهداف حربه مجددًا؟ من الصعب جدًا أن يتقبّل صفعة جديدة. وفي غياب من يمكن أن يلجمه، فيبدو أن الحرب ستتطور أكثر كل يوم، وستأخذ منحى أكثر دموية ودمارًا، وقد يدفع جنون نتنياهو المنطقة نحو حرب أكبر نعرف أين تبدأ، لكن الأكيد أننا نجهل أين وكيف ستنتهي.

من سيقوم بردع هذا المجنون ومتى؟ هل هي الولايات المتحدة، أم المجتمع الدولي، أم الضغط الداخلي مع تطوّر الحرب وبدء فتح الملاجئ في تل أبيب؟! وهل ستتمتع "الجبهة الداخلية" برباطة الجأش كما طالبها وزير دفاع العدو يوآف غالانت، أم ستُسقط هذه الحكومة المتطرفة؟