ثلاث بطولات مُتتابعة من 2006 حتى 2010 كانت كافية لكتابة اسم المنتخب المصري بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة الأفريقية. وبعد أن صار المنتخب الأكثر تتويجًا بالبطولة، شاء القدر بأن يُخسف بالفراعنة في المحافل الدولية التي لم يظفر بها بعدها إلا بفضيتين وبخروجٍ محرج على أرضه في دور الـ 16.
حالة غريبة وصل لها المنتخب المصري الذي تتمنى جماهيره الآن العودة بالزمن للوراء، زمن حسن شحاتة الذي قاد الفراعنة للمجد بمواهب أغلبها لا تعرف إلا الدوري المصري. بعشرة لاعبين محترفين استدعوا في العام الماضي، وعلى رأسهم محمد صلاح، لا يزال المنتخب المصري يطمح بالحصول على بطولة دولية بعد 13 عامًا من الغياب عن منصات التتويج، آملًا بالفوز ببطولة 2024 التي تأهل لها رسميًا.
لعنة المدرب الأجنبي
أزمة المنتخب المصري تتمثل في "عقدة الخواجة" منذ رحيل حسن شحاتة. ينظر الاتحاد المصري لكرة القدم إلى المدرب الأجنبي وكأنه هو المنقذ الوحيد للمنتخب، والمدرب المصري ذو الخبرة المحلية لا يتم طرح اسمه على الطاولة. الغريب أن مصر فازت بالبطولة خمس مرات مع ثلاثة مدربين مصريين، وفازت باثنتين فقط مع مدربين أجانب.
بعد فشل المدرب آغيري في بطولة كأس الأمم الأفريقية المُقامة في القاهرة. توجه الاتحاد المصري للتعاقد مع حسام البدري. خطوة لم تكن محسوبة، ومدرب الأهلي السابق الذي توج معه بكل بطولاته لم يكن المدرب الأفضل، وهذا بسبب خططه التي عفا عنها الزمن وعلاقته السيئة مع اللاعبين، والتي تسببت في نتائج سيئة للمنتخب.
المدرب الأجنبي الذي يريده الاتحاد المصري لا يجب أن يكون مدربًا جيدًا، بل مدرب يقبل التدخل في كل أمور الفريق من الجهات الإدارية للاتحاد. المدرب المصري لا يقبل بهذا وسيُسبب المشاكل، والمدرب ذو الشخصية القوية سيرفض هذه التدخلات في الفنيات المعني بها فريق التدريب فقط لا غير.
كيروش كان الأذكى في التعامل مع الاتحاد المصري
كارلوس كيروش، الذي درّب المنتخب المصري وأخذه للدور النهائي في كأس الأمم 2021 وتصفيات كأس العالم 2022، كان أذكى من تعامل مع الاتحاد المصري ومشاكله. الاتحاد يُحِب مُجاملة الأندية الكبيرة، وهي أندية الأهلي والزمالك، ويفرض على المدرب وضع لاعبي هذه الفرق في أي مسابقة دولية أو ودية حتى.
كوبر وأغيري قبلوا بهذا الوضع قبله، ولكن كوبر خدمه الحظ في قرعة سهلة نسبيًا حتى وصل لكأس العالم 2018. أما أغيري فلم يقدم أي شيء للمنتخب الذي خرج على يدِ جنوب أفريقيا في كأس الأمم 2019 في ظهور مخيب للآمال على الأراضي المصرية. مشكلة هذا الثنائي كانت وضع لاعبي الأهلي والزمالك مع المحترفين، وهذا أنتج كرة فوضوية لا تليق بمنتخب ذو تاريخ مثل المنتخب المصري.
كيروش، على عكسهم، قدم كرة قدم تتناسب مع الوضع الذي وقع فيه ولم يفرض تكتيكات على لاعبين لا يستطيعوا توظيفها. تعامله مع الجهاز الإداري كان ذكيًا لأنه قبل بشروطهم، ولكن رسم أفضل صورة ممكنة بهؤلاء اللاعبين ووصل بهم إلى ركلات الترجيح التي لا يحمل ذنبها بالتأكيد، بل يحملها كل لاعب ركل الكرة برعونة في المناسبتين.
الضغط ولّد الخوف عند اللاعبين المحليين
من أهم أسباب نجاح المنتخب المصري في فترة حسن شحاتة هي قدرة تعامل اللاعبين مع الضغط. كانت تذاكر كل المباريات في الدوري الأكثر جماهيرية في أفريقيا مباعة بالكامل، ومنذ كارثة بورسعيد في 2012، مُنِع حضور الجماهير إلى مباريات الدوري المصري إلا بأعدادٍ محدودة معظمها تخرج في صورة هدايا أو دعوات لمن يستطيع الوصول إليها.
غياب الجماهير أخرج لاعبين لا يمكنهم التعامل مع أي نوع من الضغط الجماهيري. اللعب في ملعب فارغ لا يُسمع فيه إلا صوت اللاعبين والطاقم التدريبي أسهل من اللعب في ملعب داخله 75 ألف صوت بخلاف أطراف المباراة.
المنتج النهائي كان لاعبين أضعف على الناحية الشخصية، وغير مستعدين لتلقي أية انتقادات من الجماهير ويكتفون فقط بما يظهر لهم على منصات التواصل الاجتماعي، والتي لا يُقاس بها أي رد فعل حقيقي خاصةً مع اللِجان الإلكترونية التي تُروِّج للرياضي الذي يحلو لها طالما هُناك من يدفع لقاء هذه الخدمة.
قد يُستثنى لاعبو النادي الأهلي من هذه القاعدة بسبب النجاحات الأفريقية التي وصل لها النادي في الأعوام الأربع الماضية. الوصول لأربع نهائيات مع الفوز بثلاثة وُلِدت منها نزعة تحمل ضغط الجماهير عند اللاعبين، سواء كانت هذه الجماهير الحاضرة معهم أو ضدهم.
التخبط الإداري وأزمات الفساد
"لو جاءت لجنة تقصي الحقائق إلى اتحاد الكرة هتكشف بلاوي." - جمال علام، رئيس اتحاد الكرة المصري في مقابلة صحفية عام 2022.
أزمات الفساد التي تلاحق الاتحاد المصري تفضح سوء إدارته. 600 مليون جنيه أُهدِرت في الأعوام الماضية، منها 450 مليون ذهبت إلى مشروع "الهدف"، وهو مجمع رياضي لاستضافة المنتخبات المحلية بخدمات تشمل جميع احتياجاتهم المختلفة. بعد ظهور هذه الأزمة، دخل اتحاد الكرة المصري في مناوشات مع مجلس النواب بسبب إهدار المال العام ولم يؤخذ فيها أي حكم أو قرار حتى الآن.
ظهر التخبط الإداري داخل الاتحاد المصري في أكثر من ظرف مع الأندية المصرية، ولكن مع المنتخب المصري، الواقعة الأقرب كانت تعيين إيهاب جلال، والذي درب 16 فريقًا، في الممتاز أ والممتاز ب، ولم يفز إلا بـ 47.1% من المباريات التي خاضها في مسيرته التي بدأت في 2007. إيهاب جلال كان المدرب المصري الذي ينتظرون فشله للتوجه للأجنبي مرة أخرى، ولكنه درب المنتخب ثلاث مرات لم يفُز فيها إلا بمرة واحدة.
أُقيل إيهاب جلال ليُكشف أن سبب تعيينه كان عدم قدرة الاتحاد المصري على التصرف في عملة صعبة للتعاقد مع مدرب أجنبي، وهناك توقع بأنه كان الحصان الذي سيُسكِت الجماهير عن فكرة المدرب المصري حتى في ظل وجود من هم أفضل منه، مثل حسام حسن صاحب الخبرة الأفضل في مجال التدريب في الممتاز أ.
أُثيرت الضجة مسبقًا أيضًا بعد تصريح أحمد مجاهد، رئيس اللجنة الثلاثية في اتحاد كرة القدم، الذي أقر فيه بتركه 400 مليون جنيه داخل خزنة اتحاد الكرة المصري بعد أن هاجم الإدارة الحالية لفشلها في الفوز ببطولة كأس الأمم وغياب المنتخب عن المونديال. هذا جاء أيضًا بعد ضياع كؤوس الأمم الأفريقية من داخل مقر الاتحاد منذ 2013 بعد الحريق الذي داهم المبنى ولم يعلم به أحد قبل 2020، وهناك شكٌ بشأن سرقتها من الداخل وأنها لم تكن من الخسائر.
الوساطة في أنظمة الناشئين
لا توجد مواهب حقيقية الآن في كرة القدم المصرية إلا القليل، منهم مصطفى محمد مهاجم نانت الفرنسي الذي خرج من الزمالك كمثال يُحتذى به من الجيل الجديد، وهناك ملايين المواهب التي لم تصل إلى مستويات الأندية المحترفة بسبب مبدأ الوساطة في الأكاديميات الكبيرة.
أكاديميات الكرة المصرية لا تأخذ بالموهبة، بل تأخذ المال والعلاقات في الاعتبار. إن كان هناك لاعبٌ من الأرياف لا يملك إلا ثمن المواصلات وأمامه لاعبٌ من ذوي الأموال الطائلة ووالده مستعدٌ لدفع المال ليدخل الأكاديمية، فسيؤخذ الثاني. لاعب الأرياف يقع في نفس الأزمة مع أبناء العاملين في الأندية أو اللاعبين السابقين، فأبناء العاملين لهم الأولوية دائمًا في اختبارات الأكاديمية.
شكل المنتخب الحالي على أرضية الملعب
المنتخب المصري يعاني على الأرض الملعب لفقر التناغم بين اللاعبين، ولتحميلهم الزائد في الكثير من الأحيان على محمد صلاح. بعد التعامل السيء مع الضغط، مشكلة التناغم تصبح هي الكارثة الثانية التي تؤثر على أداء الفريق المكون معظمه من لاعبين محليين من قطبي القاهرة ومعهم بعض المحترفين في دوريات مختلفة.
لاعبو المنتخب لا يعطونه حقه كما يفعلون مع أنديتهم، فالحركة الفوضوية على المستطيل الأخضر التي تُمثل بسهولة في ركل الكرة من قدمٍ لأخرى بدون حساب حركة اللاعب الذي سيستقبلها، وكأنهم يتمنون التخلص منها بدون أي مجهود لمرمى الخصم.
أكبر مثال على هذا ما يحدث مع محمد صلاح، والتي تصل له الكرة في أماكن لا يمكن أن تصل له فيها إن كان يلعب مع سوبوسلاي أو أرنولد، وعندما يفقد الكرة من مدافع الخصم أو يسددها بعيدًا عن المرمى، يتهم بالتخاذل من الجماهير وكأنه المتسبب. هذا لا يعني أن صلاح لا يحمل الخطأ على عاتقه، فحتى الملك المصري يُنتقد كثيرًا بسبب خوفه من الالتحامات في المنتخب حتى لا يُصاب في أي توقف دولي.
على كُلٍّ، يتمنى المنتخب تغيير الحال مع روي فيتوريا، خاصةً مع وجود أيقونات كروية تقف وراء مشروعه مثل النجم المصري أحمد حسن، ومع نيته في استغلال جميع المواهب المتاحة له من أندية مثل فاركو وبيراميدز، ليخرج أخيرًا من دائرة الأهلي والزمالك غير المغلقة.