تخفي أسرارها وتستقبل زائرها على غير عجل. مدينة "ورقلة" الجزائرية ليست كالمدن الجزائرية تحمل وجوهًا عديدة، فهي قطعة هامة من الصحراء الكبرى. فمن جهة تعد عصب البلاد حيث تستقطب أغلب كبريات الشركات النفطية والغازية العالمية كما أنها مورد هام للتمور وغيرها من المحاصيل الزراعية. هي بوابة الصحراء. تحتوي على أكبر مناطق النفط والغاز في الجزائر. مدينة ورقلة باتت اليوم وجهة القادمين من الشمال إلى الجنوب الجزائر، تفتح أبواب الرزق للجميع وتستقبل زائرها بابتسامة سكانها وطيبتهم التي تجذب الجميع.
مدينة ورقلة أو مدينة كل الجزائريين، يقول السي الطيب الهواري، القادم من مدينة تلمسان شمال الجزائر، فهي التي استقطبت العشرات من العمال والمهنيين والمهندسين والتجار والفلاحين، بحسب قوله. حيث قطع المئات من الكيلومترات ليجد رزقه هنا: "قدمت إلى ورقلة في العام 2008، ظننت وقتها أي بعد عامين من العمل في التجارة والاستيراد والتصدير أنني لن أتمكن من التأقلم في جو صحراوي وحرارة مرتفعة وسأعود أدراجي نحو مسقط رأسي مدينة البحر والهواء والنسيم، لكنه قضى أزيد من ثماني سنوات في مدينة مفتوحة وملتقى كل الجزائريين القادمين من مختلف الولايات".
تخفي ورقلة الجزائرية صورة مبطنة عن بطالة الشباب في بلد غني بالغاز والبترول وأيضًا بالمحاصيل الزراعية والتمور
تيقن "السي الطيب" أن الرزق موجود في الجنوب الجزائري بعدما كان الجميع يبحث عن سبيل للعمل في مدن الشمال وبخاصة في العاصمة الجزائرية والمدن الكبرى. فكرة تلافت بعدما وجد المتحدث بأن الرزق هنا أو هناك لكنه هنا بمدينة الثروات الطبيعية أفضل بكثير لأنها حلقة وصل بين الشمال والجنوب كما أنها ترتبط بالتجارة.
في الطريق من العاصمة الجزائرية نحو ورقلة وعلى مسافة 900 كيلومتر، تتجاوز عديد المدن الجزائرية التي تعتبر قنوات ربط مع المدينة النفطية ورقلة، فهي تحوز على أهم الحقول النفطية والغازية، وقبلة المتخرجين حديثًا من معاهد البترول في الجزائر، لكنها تظل أيضًا منطقة تحتاج للتنمية بالرغم من كونها الممول الحقيقي لخزينة الحكومة الجزائرية. يقول عبد الكريم وهو مهندس في البترول بإحدى المواقع النفطية في منطقة "حاسي مسعود" جنوب ورقلة لـ"ألترا صوت".
اقرأ/ي أيضًا: الاحتجاجات في الجزائر.. السلطة تطمئن والشارع متخوف
في الواقع، تنام ولاية ورقلة على آبار النفط والغاز، وتعتبر عصبًا حقيقيًا للاقتصاد الجزائري، اقتصاد مبني على تصدير الثروة الباطنية. لكنها بالنسبة للجزائريين فهي تشغل حيزًا هامًا من اهتمام الشباب العاطل عن العمل، فهنا في حدود هذه الولاية لا شيء ممكن ولا شيء سهل بالنسبة للحالمين والطامحين بالظفر بمنصب شغل، سوى اللهث وراء قصاصات الجرائد التي تنشر إعلانات التوظيف أو البحث عن خيط يوصلهم إلى تحقيق رغبتهم في الحصول على مصدر رزق. وهو الأمر الذي أنهك المهندس عبد الكريم في بداياته في العمل هنا. بينما شباب المنطقة كثيرًا ما خرجوا في احتجاجات عارمة لأجل المطالبة بالشغل وصلت حد الدخول في إضراب عن الطعام أو تخييط الأفواه كشكل من أنواع الاحتجاج على ما وصفوه بـ"الظلم والتهميش"، يقول عبد اللاوي وهو أحد الشباب الذين صارعوا من أجل حق العمل.
تعد ورقلة عصبًا اقتصاديًا في الجزائر ويقصدها الشباب للبحث عن فرص العمل
الكثيرون في مدينة النفط لا يصدقون عدم وجود مناصب العمل فهم يرددون دائمًا: "نحن ننام على آبار النفط ولكن لا نستفيد من شغل"، مفارقة عجيبة بحسب نور الدين وهو شاب في الثلاثينات من العمر، القادم من مدينة "الجلفة" المجاورة لورقلة في الحدود الشمالية، حيث يقارع البطالة منذ سنوات دون أن يحصل على وظيفة بالرغم من الملفات التي وضعها في كذا مؤسسة وكذا شركة للتنقيب عن النفط في الجنوب كغيره من الآلاف من الشباب الذي يرى في ورقلة، مصدرًا للرزق والعيش وتحقيق أماني المستقبل أيضًا، بحسب الكثيرين.
تستقطب ولاية ورقلة أو كما كانت تسمى "وركلان" نسبة إلى القبيلة الأمازيغية التي استوطنت فيها. العشرات من الشباب القادمين من مدن الشمال وبخاصة المدن المجاورة لها مثل "الوادي" وغرداية وتمنراست وإيليزي، بحثًا عن العمل لأنها شريان الاقتصاد الجزائري فعلاوة على ثروة الذهب الأسود فهي تحوي أيضًا واحات للنخيل التي تنتج أجود التمور أيضًا، كما أنها قبلة سياحية بامتياز لتواجد الحمامات الطبيعية الاستشفائية وكذا المدن التاريخية والأثرية والمتاحف في كل من "تقرت" التي تحتوي على قصور قديمة ومتاحف عديدة.
اقرأ/ي أيضًا: