بأكثر من ستة آلاف حالة تسمم، عادت البصرة إلى واجهة الأحداث في العراق، بعد انحسار حركة الاحتجاجات المطالبة بالخدمات والوظائف، بالتزامن مع هدوء سياسي فرضته عطلة عيد الأضحى في البلاد.
محافظة البصرة باتت مدينة منكوبة تحل بها كوارث حقيقية نتيجة صراع الطبقة السياسية في بغداد والبصرة على المناصب
ظهرت حالات التسمم مطلع الأسبوع الماضي، وتفاقمت وسط "تكتم" حكومي وعجز عن إيجاد حل سريع لأزمة مياه الشرب في البصرة، في حين اكتفت وزارة الصحة بنفي انتشار أي مرض وبائي خطير كالكوليرا أو غيره في المحافظة بسبب تلوث المياه، دون ذكر أرقام عن عدد المصابين.
مدينة منكوبة.. وعجز حكومي
سجلت مياه البصرة تلوثًا كيميائيًا بنسبة 100% وجرثوميًا بنسبة 50% مقابل استخدام 0% من مادة الكلور في محطات مياه الشرب، مما سبب حالات تسمم طالت أكثر من 6 آلاف شخص حتى الآن، بحسب ما أعلنته شعبة الرقابة الصحية في دائرة صحة البصرة ومسؤولون في الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!
وعد عضو مجلس المحافظة كريم الشواك، في تصريحات صحافية، أن "المحافظة باتت مدينة منكوبة تحل بها كوارث حقيقية نتيجة صراع الطبقة السياسية في بغداد والبصرة على المناصب"، مؤكدًا "إرسال عدة رسائل إلى المنظمات الدولية والمجتمع الدولي للتدخل وانقاذ أهالي البصرة، بعد اليأس من الإجراءات الحكومية".
وأكدت مفوضية حقوق الإنسان من جانبها، خطورة الأوضاع في المدينة، معتبرة البصرة "مدينة منكوبة بكل المقاييس الإنسانية"، فيما انتقدت عدم تسجيل أي ردة فعل حكومية توازي حجم "الكارثة".
وطالبت المفوضية وفق بيان لمكتبها في البصرة نشر الخميس، رئيس الحكومة حيدر العبادي بالانتقال رفقة وزيري الصحة والبيئة والموارد المائية إلى المدينة للوقوف على هذه الكارثة، والاطمئنان على أهلها الذين يملكون "الثروة الأعظم من النفط والذين يفتك بهم التلوث"، وسط نقص في الأدوية والمعالجات.
3 ملايين عراقي بدون ماء شرب
ومن الجدير بالذكر، أن أكثر من ثلاثة ملايين مواطن بصري يعيشون حاليا بلا ماء صالح للشرب بسبب التلوث وارتفاع نسب الملوحة في مياه شط العرب، وهو ما أكده النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي، مشيرًا إلى أن المحافظة تموت بـ "سكين الفشل الحكومي".
وحمّل الخزعلي، الحكومة الاتحادية "مسؤولية تدني مستوى الخدمات داخل المحافظة نتيجة الطعون السابقة من قبل الحكومة على تخصيص مبالغ البترو دولار والمنافذ الحدودية"، في حين حذرت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة البصرة بشرى حميد، من تفشي الأمراض والأوبئة بسبب التلوث، وأشارت إلى إصابة ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص بالتسمم والإسهال.
البصرة.. أرقام قياسية
إلى ذلك، وثق مواطنون وصحافيون وناشطون في البصرة حجم معاناتهم عبر صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر بعض المصابين بالتسمم صورًا لمستشفيات المحافظة وهي تغص بالعشرات من أبناء المدينة الذين طالهم التسمم.
وكتب الصحافي سعد قصي، إن تلك الصور "توثق جانبًا من حجم النكبة التي تعيشها البصرة بسبب تلوث المياه. المستشفيات غصت بحالات التسميم ولم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة من المصابين، وبعدما فقدنا الثقة بحل حكومي لأن أحزاب السلطة همها نفط البصرة ولا شيء آخر، فإن المجتمع الدولي مدعو لإنقاذنا وإلا سنموت لا محال بفعل المياه السامة".
سجلت مياه البصرة تلوثًا كيميائيًا بنسبة 100% وجرثوميًا بنسبة 50% مقابل استخدام 0% من مادة الكلور في محطات مياه الشرب
من جانبه كتب الناشط البصري حميد البطاط، إن "البصرة قد سجلت رقمًا قياسيًا بتصدير النفط بمعدل 3.7 مليون برميل، كما أنها سجلت رقمًا قياسيًا آخر بعدد حالات التسمم والتلوث الكيميائي والجرثومي للمياة وحالات التهاب الأمعاء والمعدة بأكثر من 6000 حالة".
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة.. نار القمع والإفقار تأكل عاصمة اقتصاد العراق!
في حين هاجم مواطنون من البصرة الحكومتين الاتحادية والمحلية لـ "تقصيرهما" بتوفير المقومات الأساسية للحياة في المدينة، واعتبروا أن تخصيص إيرادات صادرات يوم واحد من نفط المحافظة، يكفي لحل مشكلة المياه الصالحة للشرب.
غضب الشارع
قد تنذر الأزمة الجديدة، بتصاعد موجة الاحتجاجات التي لم تتوقف في البصرة على الرغم من انحسارها، حيث هدد مواطنون عبر مقاطع مصورة تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، باقتحام مديرية صحة المحافظة إثر تفاقم أزمة التسمم.
يأتي ذلك بالتزامن مع التحضير لموجة احتجاجات جديدة في عموم محافظات جنوب العراق وبغداد للرد على "التسويف الحكومي" لمطالب المتظاهرين، كما كشف مصدر في تنسيقيات التظاهرات، مبينًا أن "منسقي التظاهرات في الجنوب حددوا موعد اجتماع بعيد عطلة عيد الأضحى، لتنظيم تظاهرات موحدة".
يشار إلى أن محافظة البصرة تواجه "معضلة" عدم توفر المياه الصالحة للشرب منذ أكثر من 10 أعوام، بسبب ارتفاع نسب الملوحة في مياه شط العرب، إثر قذف إيران لمياه المبازل شديدة الملوحة في الشط، مع فشل في إنجاز مشاريع لحل الأزمة.
اقرأ/ي أيضًا: