لم يعد قطاع غزة، بعد أكثر من شهرين من الحرب، سوى مساحة ممتدّة من الموت والخراب الذي يريد البرابرة من خلاله جعل القطاع غير صالح للحياة من جهة، ومحو تاريخه وذاكرته من جهةٍ أخرى. وهو أمرٌ ليس بجديد على قادة الكيان الذي جرى تأسيسه فوق أنقاض المجتمع الفلسطيني الذي تعرّض لممارسات تفكيكية استعمارية و"إباداوية" مختلفة.
دمّر الاحتلال، على مدار 68 يومًا، أكثر من نصف مباني قطاع غزة، بما في ذلك المباني التاريخية والأثرية التي يعود تاريخ بناء بعضها إلى أكثر من ألفي عام، مثل المسجد العمري الكبير، ثالث أكبر مسجد بفلسطين، وكنيسة القديس برفيريوس التي تُعد ثالث أقدم كنيسة بالعالم.
أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير وتضرّر العديد من المباني التاريخية والمؤسسات الثقافية والفنية والمكتبات والمتاحف
وطال قصف الاحتلال العديد من المؤسسات الثقافية والفنية التي لم تكن بمنأى عن وحشيته، شأنها شأن المعالم التاريخية والمباني الدينية، والمؤسسات الصحية والمستشفيات التي شنّ عليها حربًا ممنهجة وغير مسبوقة تعكس رغبته في تدمير الحياة، وليس العمران فقط، بقطاع غزة بهدف دفع أهله نحو الهجرة.
وأدى القصف، بحسب تقرير صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية قبل عدة أيام، إلى استشهاد أكثر من 28 كاتبًا وشاعرًا وأكاديميًا وموسيقيًا فلسطينيًا، من بينهم الشاعر والأكاديمي رفعت العرعير الذي استُشهد يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري مع العديد من أفراد أسرته إثر غارة جوية إسرائيلية.
يُعد الشهيد العرعير (مواليد 1979) من أبرز الناشطين الذين حملوا على عاتقهم نشر الرواية الفلسطينية باللغة الإنجليزية، وقد ساهم في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، في تأسيس صفحة "نحن لسنا أرقامًا" من أجل توثيق حكايات وقصص شهداء العدوان الذي كان شقيقه أحدهم.
وفي الثاني من الجاري، استُشهد أيضًا الباحث والأكاديمي سفيان تايه (مواليد 1971)، الذي يُعتبر أحد أهم العلماء والباحثين في فلسطين والعالم العربي، وهو رئيس الجامعة الإسلامية في غزة منذ آب/أغسطس الفائت. يحمل تايه درجة الأستاذية في تخصص الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية، وحاصل على جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبّان، والعديد من الجوائز العلمية الأخرى.
وإلى جانب العرعير وتايه، استُشهد أيضًا وفق تقرير الوزارة: عازفة الكمنجة لبنى عليان (15 عامًا) مع أكثر من 50 فردًا من عائلتها، والصحفي بلال جاد الله (45 عامًا)، والكاتب والصحفي مصطفى الصواف (68 عامًا)، والمصور مروان ترزي، والكاتب عبد الله العقاد، والفنان التشكيلي ثائر الطويل (43 عامًا)، والمؤرخ جهاد المصري (60 عامًا)، والفنانة التشكيلية هبة زقوت (39 عامًا)، والكاتبة والشاعرة هبة أبو ندى (24 عامًا).
بالإضافة إلى الفنان والناشط علي نسمان (38 عامًا)، والفنانة التشكيلية حليمة الكحلوت (29 عامًا)، والفنانة إيناس السقا (53 عامًا)، والفنان محمد قريع (24 عامًا)، والفنانة نسمة أبو شعيرة (36 عامًا)، وعازف الغيتار يوسف دوّاس، وغيرهم.
ودمّر القصف الإسرائيلي 9 دور نشر ومكتبات، بينها: مكتبة ومعرض الشروق الدائم، ومكتبة سمير منصور التي دُمِّرت كذلك خلال عدوان 2021، ومكتبة انعيم، ومكتبة النهضة، ومكتبة مركز الثقافة والنور، ومكتبة ديانا ماري صبّاغ التابعة لمركز رشاد الشوا الثقافي المُدمَّر بدوره، والمكتبة العامة التابعة لبلدية غزة.
كما قصفت طائرات الاحتلال عدة مؤسسات ثقافية وفنية، منها: المركز الثقافي الاجتماعي الأرثوذوكسي العربي بحي تل الهوا، وهيئة دار الشباب للثقافة والتنمية، ومؤسسة السنونو للفنون والثقافة، ومركز غزة للثقافة والفنون، وقرية الفنون والحرف، ومسرح الوداد، وغاليري التقاء للفنون البصرية المعاصرة.
ووثّق تقرير وزارة الثقافة الفلسطينية تدمير وتضرّر عدة متاحف جراء العدوان الإسرائيلي، بينها: متحف رفح، والقرارة، وخان يونس، والعقّاد، وشهوان، والخضري، وأبو شعر، ومتاحف أخرى.