هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
يُعرف الكاتب والروائي المصري صنع الله إبراهيم (1937)، بمواقفه المعارضة للأنظمة السلطوية وممارساتها القمعية، ورفضه أيضًا لسياسات النظام المصري ونقده اللاذع لها منذ عهد جمال عبد الناصر، الذي سُجن لأكثر من 5 سنوات خلال فترة حكمه. ويجسد صاحب "تلك الرائحة"، مثالًا للمثقف الذي لا يفصل بين القول والفعل، أو يتنكّر في ممارساته لما عبّر عنه والتزم به في كتاباته الأدبية، التي تُعتبر مساحته المفضلة للتعبير عن مواقفه تجاه مختلف قضايا عصره.
أثار رفض صنع الله إبراهيم جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي" جدلًا واسعًا وسجالاتٍ حادة في الأوساط الثقافية العربية
وتجلى هذا التماهي عند صنع الله إبراهيم بين القول والفعل في مناسباتٍ عديدة، لعل أبرزها رفضه، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2003، لـ جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي"، التي تمنحها وزارة الثقافة المصرية، لأسبابٍ عديدة أهمها أنها: "صادرة عن حكومة لا تملك، في نظري، مصداقية منحها"، وفق تعبيره.
وقال إبراهيم في حيثيات رفضه للجائزة، في كلمة ألقاها بعد إعلان فوزه في ختام فعاليات الدورة الثانية لـ "ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي": "في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا، تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف وتنفذ بدقة منهجية واضحة إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بعد خطوات من هنا يقيم السفير الإسرائيلي في طمأنينة، وعلى بعد خطوات أخرى يحتل السفير الأمريكي حيًا بأكمله بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربيًا".
ويضيف الروائي المصري: "لا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيطة بوطننا، وهي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي الفعلي لحدودنا الشرقية، ولا على الإملاءات الأمريكية وعلى العجز الذي يتبدى في سياسة حكومتنا الخارجية، وإنما تمتد إلى كل مناحي حياتنا".
وتابع مؤلف "اللجنة" موضحًا أسباب رفضه للجائزة: "لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصناديق أكاذيب. لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرّض للامتهان وللضرب والتعذيب. وفي ظل هذا الواقع، لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته. لذلك أعلن عدم قبول الجائزة لأنها صادرة عن حكومة لا تملك، في نظري، مصداقية منحها".
أعاد صنع الله إبراهيم سبب رفضه لجائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي" إلى كونها صادرة عن حكومة لا تملك في نظره مصداقية منحها
أثار رفض صنع الله إبراهيم جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي" جدلًا واسعًا وسجالاتٍ حادة في الأوساط الثقافية العربية، بين فئةٍ أيّدت خطوته واعتبرتها صفعة مدوية للأنظمة السلطوية العربية عمومًا، والنظام المصري خصوصًا، لا سيما أن كلمته حملت نقدًا حادًا لسياساته الداخلية والخارجية. وأخرى قللت من شأنها، بل واعتبرتها مجرد استعراضٍ كان بوسع صنع الله رفض الجائزة دونه، خاصةً أنه كان يعلم مسبقًا بأنه هو الفائز.
ولكن للكاتب المصري رأيه في هذه المسألة، حيث قال في أحد حواراته: "عندما أعلموني أن الجائزة من نصيبي، فكرت كثيرًا كيف أرفض الجائزة، وقلت لو رفضتها من دون أن يحدث ذلك أمام الناس سيقولون إن صنع الله نصّاب ويريد أن يجعل من نفسه بطلًا، أما إذا رفضتها في صمت، فسوف يكتمون الخبر ولن يعرف أحد شيئًا، ولم يكن مطروحًا أمامي أن أقبلها وأتبرع بها، لأن هذا لن يحقق النتيجة التي أريدها، لذا قررت رفض الجائزة وإعلان هذا أمام الناس".