أوّل ما يتبادر إلى الذهن حين نرىَ بعض وسائل الإعلام تنشر صورًا لأشلاء الشّهداء، هو "هل هذا سبق صفحي فعلًا؟" أي هل هذا الصحفي، وهذه الوكالة التي يعمل لصالحها، يجدان أنّهما أوّل من انتزع مشاعر الجمهور للتعاطف مع الشّهيد؟ ثمّة أسئلة كثيرة تطرح نفسها. هل الوكالات تسعى للحصول على أعلى عدد ممكن من الزيارات في فعلتها هذه؟ هل الهدف من نشر الصّور أن نعرف، نحن الفلسطينيّون خصوصًا والعرب عمومًا، بشاعة الاحتلال؟ يُفترض أننا نعلم. سؤال آخر، هل الهدف فضحه أمام العالم الذي رُبّما يحتاج لغةً لا تتكئ على العنف البصري؟
صور الدماء لا تستجدي تعاطف الرأي العام الدولي بل تؤثّر سلبًا على الفلسطينيين
في السّياق، ترى ماجدة البلبيسي، وهي صحفيّة من غزّة، أن عرض صور أشلاء الشّهداء سواء في أيّام العدوان المباشر، والحديث عن تلك الصور التي توضّح بشاعة جرائم الاحتلال بحقّ المدنّيين، ما هو إلا انتهاك لخصوصيّة وحرمة أجسادهم، وأرواحهم أيضًا. برأي البليسي، إن "نشر الصور على هذا النحو على مائدة الرأي العام، وأمام المشاهدين على اختلاف أعمارهم تؤذي أهل الضحايا على كافة النواحي النفسيّة، حتّى وإن كان الهدف من عرضها هو الكشف عن جرائم إسرائيل". وتعتقد البلبيسي أنّ هذه مسؤوليّة تقع على عاتق المصّورين الصحفيين، لافتةً إلى ضرورة وجود رقابة ذاتيّة على الأقل فيما يخصّ عمليّة النشر. وتضيف: "بعض الصور والمقاطع من شأنها أن تحقّق إدانة للاحتلال وتبرز المعاناة الإنسانّية التي ستثير الرأي العالمي وتجعله يتعاطف معنا." غير أن الامر، طبعًا، يتطلب رأيًا عامًا مساندًا لخصوصية الأفراد.
ويلاقي مجدي فتحي وهو مصوّر"NURPHOTO" الألمانيّة، البلبليسي في رأيها. يعبر عن امتعاضه تجاه الظاهرة رافضًا الإنجرار خلفها "أرفض نشر صور أشلاء الشهداء على حساباتي الشخصيّة وفي الوكالة التي أعمل لصالحها". يعتقد أن ثمة صور أخرى للتعبير عن جرائم الحرب "صور الدماء لا تستجدي تعاطف الرأي العام الدولي بل تؤثّر علينا سلبيًا كونهم ينظرون إلى النشر كنوعٍ من التجارة بدماء الشّهداء للوصول إلى التعاطف". والحديث هنا عن الصور التي استحكمت بها آلة الحرب الإسرائيلية.
في أي حال، تغزو الظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وكالات الإعلام المحليّة. بعض الوكالات المعروفة هنا، في فلسطين، لا تجد حرجاً بما تفعل. الفلسطينيون أنفسهم يشاهدون هذا مباشرةً، ولا حاجة لهم باستعراض ألمهم.
كصحفيين، يحاول الفلسطينيون المفاضلة بين أهميّة نشر جرائم الاحتلال وبشاعته، وفضح ذلك على الملأ للعالم أجمع من جهة، وبين أهمية المحافظة على أخلاقيات المهنة وعدم نشر صور دمويّة تؤذي المشاهد، من جهة أخرى. يبقى أن السجال هذا، مهما بلغت حدة التباينات في داخله، ليس محايدًا، ويجب أن يعيد الاعتبار إلى سؤال أساسي آخر، عن وظيفة الإعلام الفلسطيني، والعربي خصوصًا، في نقل المأساة. قبل التفكير في استغلالها.