غابت فيروز طويلاً. طول هذه المدّة لا يُحتسب بالسنوات، ولا بعدد الألبومات الغنائية التي تصدر شهرياً فتملأ الرفوف وتحقق نسباً متفاوتة في المبيعات دون أن يتفوّق عليها جميعها "ألبوم سفيرة النجوم"، ولا بالأفلام والأعمال المسرحية والإطلالات الإعلامية، التي كانت لتواجه الرداءة السائدة بالرقي المعهود بمجرّد ظهور فيروز. بل بكل ذلك، يُضاف إليه فيض المشاعر الذي تُحرّكه أغنياتها. حنين، شجن، شوق، وحب للماضي العريق، للحبيب البعيد، للأهل، للوطن.. لكنه غاب هو أيضاً، فعوّض المستمع العربي شيئاً مما يفوته طيلة هذه المدة بالركون إلى الأرشيف الغنائي الثمين لأيقونة الغناء العربي.
"لمين" أغنية تحمل شيئاً من حضور فيروز وليس كلّه، فيها من العراقة صوتها، ومن الكلمات ما أرادته ابنتها ريما
عادت فيروز بعد سبعة أعوام من إطلاق ألبومها "إيه في أمل" الذي تضمن اثنتي عشرة أغنية وتذبذبت الآراء حوله حينها، وإن كان الشوق لصوت فيروز قد وحّد محبيها في العام 2010 وفي كل عام، لكن اللحن والكلام انقسمت حولهما الآراء بين مستسيغ ومنتقد، بين منبهر ومُصاب بخيبة أمل.
اقرأ/ي أيضًا: هل أعلنت فيروز انتحارها الفني بأغنية "لمين"؟
عادت سيدة الغناء اللبناني من غيابها وعنه، بعد أن كانت تواترت الأخبار عن إحيائها حفلًا في مصر، ثم نفت الخبر ابنتها المخرجة ريما الرحباني، بعمل فني جديد. هذه المرة أيضًا بألبوم لكنه لم يبصر النور كاملًا بعد، ومع ذلك حضر بقوّة مع أولى أغنياته التي تزامن إطلاقها مع عيد الأب وذكرى رحيل زوج فيروز الراحل عاصي الرحباني وقيل إنها تحية له في ذكراه.
رجعت فيروز والرجوع في كل مرّة أصعب. ليس لأن مكانها أو مكانتها يخضعان لعوامل الأسهم الصاعدة والهابطة في بورصة النجومية، لكن الرجوع يصبح أصعب لأن خطى صاحبة الصوت الملائكي تتثاقل أمام عاملي الانتظار والانتقاد اللذين أصبحا في زمن السوشال ميديا قوس محكمة تُصدر الأحكام بكبسة زر.
اقرأ/ي أيضًا: فيروز ليست صنمًا
صخب الانتقاد
"لمين" غنت فيروز، سائلةً ومتسائلةً، "مقتبسةً" عن جيلبرت بيكود أغنيته، في الكلمات التي صاغتها ابنتها ريما واللحن "الجازي" الذي يشبه الأغنية الأم ولا يختلف عن مزاج ما قدمته سابقاً من أعمال.
طرحت فيروز عدة علامات استفهام في الأغنية، التي اجتاحت أمس وسائل التواصل الإجتماعي، بعد أن كانت مهّدت لها ريما الرحباني على فيسبوك بسلسلة مقاطع فيديو دقت لها القلوب أمام التلميح بعودة فيروز ثم التصريح بها.. "لمين" غنت فيروز كلمات معدودات. سألت وقد غلب صوتها مستوى الكلمة واللحن: "لمين بتسهر النجمة، لمين؟ ليه بتخلص العتمة؟ إلك؟ أو إلي؟ أو مش لشي؟ مش لشي؟ ولا أي شي. لمين بيبكي الحور، لمين؟ ليه الأرض بتدور؟ إلك؟ أو إلي؟ أو مش لشي؟ مش لشي؟ ولا أي شي". فجاء الرد صاخباً على عودة القامة الفنية الهادئة. واستماع أوّل جعل من اسم فيروز وسمًا من الأكثر رواجًا عربيًا على تويتر.
فقبل مقالات النقاد التي ستثني أو تستثني العمل الغنائي من سجل فيروز الذهبي، وقبل أن تصل الأغنية صافية من القراءات والإسقاطات إلى مسامع الجمهور عبر الإذاعات والتلفزيونات والأقراص والكاسيتات (إذا وجدت)، ظهر الانقسام، خلال دقائق من إطلاق الأغنية "افتراضياً"، في مواقف روّاد مواقع التواصل وقرّاء المواقع الإخبارية. كثر هلّلوا، آخرون رحّبوا بحفاوة وانتقدوا بخجل، لكن كثيرين عبّروا عن خيبة أمل، وآخرون هاجموا بأسلوب لاذع.
لمين؟
في العمل الجديد، غنت فيروز للصوت الذي لا يشيخ وإن كانت الكلمات برأي الغالبية دون المستوى المعتاد لفنانة فوق العادة
في العمل الجديد.. "لمين" غنت فيروز؟. لعاصي شريك الحياة والنجاح في ذكرى رحيله، للجمهور المنتظر والمتشوّق، للتاريخ الذي يطالبها بالمزيد، لفيروز نفسها بعد أن هلل الجميع للصوت الذي لا يشيخ وإن كانت الكلمات برأي الغالبية دون المستوى المعتاد لفنانة فوق العادة.
"لمين" سيل الانتقادات؟ التي استغربها البعض على اعتبار أن أياً تكن الموسيقى والكلمات فإن ما تغنيه فيروز ترنيمة أخرى لصفاء القلوب والعقول، "لمين"؟.. لفيروز قبل صدور الألبوم بعد أمل المنتقدين أمام ما أصابهم من خيبة أن تكون بقية الأغنيات بالمستوى نفسه، للمستمعين الآخرين الذين استاؤوا من انتقاد محبوبتهم، أم لركوب موجة الأخذ والرد المعتاد في فوضى الفضاء الإلكتروني التي يجاريها المغرّدون و"الفسابكة"؟.
"لمين" أغنية تحمل شيئاً من حضور فيروز وليس كلّه. فيها من العراقة صوتها، ومن الكلمات ما أرادته ريما ربما خفيفاً لطيفاً كأثر والدتها الدائم في وجدان اللبنانيين والعرب، ومن اللحن ما لا يختلف عن سياق أغنياتها الإنسيابية البعيدة من التراث اللبناني والقريبة من كل أذن تفهم الأغنية من موسيقاها العابرة لكل حدود.
كيف سيتم تقييم الأغنية بعد هدوء زوبعة مواقع التواصل، هل ستلقى وبقية أغنيات الألبوم مصير سابقاتها في "إيه في أمل" التي ظلّت باهتة أمام لمعان القديم الذي قيل إن لا جديد يضاهيه؟ العمل الغنائي يصدر كاملاً في أيلول/ سبتمبر و"لمين".. لمستمعه قريب!.
اقرأ/ي أيضًا: