ألترا صوت - فريق التحرير
كيف تفرض بالقانون مجموعة من الجبايات أو الإتاوات المالية على المواطنين؟ اجعل كل خطوة يخطوها المواطن في البلاد مقابل تكلفة مالية، وإذا كان هناك بالفعل مبالغ مالية مفروضة، فضاعفها، لتتحول من مبالغ رمزية عادية إلى مبالغ كبيرة، ولا تضاعفها مضاعفةً عقلانية، وإنما ضاعفها بشكل فج.
تحمل المصريون زيادات كبيرة في الأسعار، كانت أسرع من أن يلتقطوا أنفاسهم اعتراضًا عليها، والحكومة تبررها بـ"الصب في مصلحة المواطن"!
ترغب في تمرير ذلك دون الكثير من الاعتراضات؟ ضاعفها في رمضان، وفي الأعياد، وأطلق تصريحات للطمأنة ثم تصرف على عكسها تماماً. شغل الأذرع الإعلامية للعمل معك، وضاعف أسعار السكر 20% ثم ضع على الشاشة مذيعاً يتقاضى راتباً يتجاوز المليون جنيه سنوياً، واجعله يتحدث عن السكر بوصفه " شيء سيء" كما فعلت لميس الحديدي مع المصريين. ضاعف أسعار كروت شحن الهواتف المحمولة ثم اخرج على المصريين في إحدى برامج التوك شو، واقترح عليهم: "هيا بنا لنعود إلى عهد الهاتف الأرضي" الذي نسيه الناس!
اقرأ/ي أيضًا: الأسعار ترتفع في مصر مجددًا.. جوع بأمر صندوق النقد
تحدث مع المواطنين باعتبارهم عالة، أطفال يحتاجون للرعاية، وقل لهم في كل مرة، إن الحكومة تفعل ذلك من أجل "الصب في مصلحتهم".
وقد التقط المصريون بذكاء إشارة "الصب في المصلحة"، والتي تحمل في العقل الجمعي المصري دلالات مختلفة، واعتبروها "شفرة الحكومة" للتعبير عن زيادات أخرى في الأسعار. أسعار أي شيء. فما هي تفاصيل الصب في المصلحة الذي يعيشه المصريون؟
زيادات الأسعار صبًا في مصلحة المواطن!
تحمل المصريون زيادات كبيرة في أسعار الخدمات، كانت أسرع من أن يلتقطوا أنفاسهم للاعتراض عليها، بداية من الوقود الذي تضاعف سعره أربع مرات في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أولها كانت في تموز/يوليو 2016 ليزيد سعره إلى الضعف تقريباً، ثم الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016 بنسبة تراوحت بين 30% إلى 47%، وكانت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من حزيران/يونيو الماضي لتصل 55%.
وفي آب/أغسطس 2016، دفع المصريون أغلى فواتير كهرباء عرفوها منذ سنوات، حيث تم رفع أسعار الكهرباء بنسبة 42%، كما رفعت أسعار كروت شحن الهواتف المحمولة بـ36% في أيلول/سبتمبر عام 2017، و أخيرًا رُفعت أسعار تذاكر المترو، الذي يعتبر "ركوبة الفقراء"، وذلك بنسبة 250% في أيار/مايو الماضي.
و منذ عدة أيام أصدر شريف إسماعيل رئيس الوزراء قبل استقالته، القرار رقم 1012 لسنة 2018، بتطبيق ما يسمى بـ"التعريفة الجديدة" للمحاسبة على مياه الشرب والصرف الصحي. وتضمن القرار زيادة مقابل الصرف الصحي للاستهلاك المنزلي بنسبة 75% من قيمة استهلاك المياه، بعدما كانت 63%.
أما الجديد، فهو قانون تقدمت به الحكومة تحت مسمى "تنمية الموارد المالية للدولة"، وهو القانون رقم 147 لسنة 1984، لفرض رسوم لتنمية مواد الدولة المالية، والتي يتم جبايتها من الشعب، على النحو التالي:
تضاعفت رسوم جوازات السفر من 54 جنيهًا للجواز الواحد إلى 200 جنيه، وهو ما يعني أنها أصبحت تساوي ثلاث أضعاف قيمتها السابقة، كما تضاعف طلب الحصول على الجنسية المصرية من خمسين جنيهاً إلى 10 آلاف جنيه! ورفعت الحكومة سعر تراخيص الإقامة والبطاقة القومية إلى 500 جنيه، بدلًا من 30 جنيهًا.
كما شملت الزيادات بنودًا أخرى مثل تراخيص السيارات وتراخيص السلاح، وأذون العمل، وغير ذلك. كما أنها زادت من جباية التأخير في تجديد بيانات البطاقة القومية.
"ادفع من أجل غدٍ أروع"!
بعد حلفه اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية، صرح السيسي للمصريين بقوله: "أروع أيام الوطن ستأتي قريباً". يزدرد الشارع ريقه ،لأنه يعلم أن ما يلي هذا النوع من التصريحات قد يكون "أروع" أيام "الصب في المصلحة".
ولم يخب الظن كثيرًا، فقد تم الإعلان عن قانون تنمية موارد الدولة المالية، بعدها بثلاثة أيام. أما ما يهم ذكره هنا، هو أن بعثة الصندوق الولي زارت مصرالشهر الماضي للحصول على الشريحة الرابعة التي تقدر بملياري دولار من أصل 12 مليار دولار هي قيمة القرض بالكامل، إلى جوار هذا يذكر أن الدين العام المصري تضاعف في الخمس سنوات الأخيرة إلى خمسة أضعاف، بل وسيواصل ارتفاعه حسب تصريحات عمرو الجارحي وزير المالية، الشهر الماضي.
وعد السيسي المصريين بـ"أروع أيام الوطن"، لتقر مباشرة مزيدٌ من الزيادات على الضرائب والرسوم والجبايات!
وجدير بالذكر أن فاتورة قرض صندوق النقد الدولي سيتم تخليصها من حسابات المواطنين العاديين، فكان تخفيض عدد العاملين بالقطاع الحكومي في مصر بنسبة 13% في العام المالي 2016/2017.
اقرأ/ي أيضًا: "بكره مش كويس".. المصريون يخافون المستقبل
كما تستهدف الحكومة حذف ملايين الأسر من منظومة الدعم الحكومي، تصل إلى 40 مليون أسرة من بطاقة الدعم على ثلاث مراحل. في مقابل ذلك وافقت الحكومة في نفس ذلك التوقيت على زيادة تصل إلى 15% في معاشات العسكريين، والتي تتناقل الصحف اليومية أنه تم زيادتها أسوة بمعاشات المدنيين التي لن تصل في أفضل حالاتها إلى معاشات العسكريين.
وفي ظل الموازنة التي استهدفت خفض دعم الوقود والطاقة بحجة خفض الإنفاق، وبحجة خفض عجز الموازنة ، وافقت اللجنة العامة لمجلس النواب المصري، اليوم الأحد الماضي، على زيادة موازنة المجلس للعام المالي 2018/2019 بقيمة 300 مليون جنيه، لتصل إلى مليار و400 مليون جنيه، مقارنة بمليار و100 مليون جنيه عن العام المالي الحالي، و ذلك في محاولة لشراء النواب لضمان تمرير حزمة جديدة من التشريعات ستحكم قبضتها على وسائل الإعلام والأمن في البلاد، لتمر انتخابات المحليات المزمع عقدها في 2019 كما مرت الانتخابات الرئاسية.
قرض الصندوق الدولي: توزيع الفقر غالي الثمن!
أما بالنسبة لوسائل الإعلام في مصر، فهي تروج باستمرار لفكرة أن تجربة مصر يمكن أن توضع إلى جانب تجارب أخرى لدول أخرى اقترضت من الصندوق مثل تجربة الأرجنتين التي أشار إليها عمرو أديب في برنامجه على قناة أون.
و من خلال متابعة جيدة و قراءة متعمقة لتجربة الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي، و التي يبدو أن عمرو أديب لم يطلع عليها كما ينبغي، نرى أن الصندوق لعب دوراً هاما في انهيار اقتصاديات هذا البلد.
وفي كتابه "صندوق النقد الدولي.. قوة عظمى في الساحة العالمية"، يرى أرنست فولف، أستاذ الفلسفة بجامعة بريتوريا، أن صندوق النقد الدولي هو أحد أذرع الرأسمالية العالمية الذي تم إنشاؤه لتقع يد الدول تحت مقصلة الدين حتى تشارف على الانهيار التام. ومن هذه التجارب التي يعرضها الكتاب تجربة الأرجنتين تحديدًا، هذا البلد الذي كان صندوق النقد سببًا أساسيًا في إعلان إفلاسه التام عام 2001، و الذي تندلع فيه المظاهرات منذ عدة أيام بعد إعلان حكومته إعادة التفاوض مع الصندوق مرة أخرى!
وخضعت الأرجنتين، وفقاً لأرنست فولف، إلى 19 برنامجاً إصلاحياً، في فترة امتدت من منتصف الخمسينات حتى أواخر التسعينات، نفذت فيها جميع الخطط التي أوصى بها الصندوق، مثل تحرير القطاع العام وتخفيض الأجور وإلغاء الدعم وربط العملة بالدولار، وخفض موازنات الطاقة والوقود، وغيرها، ومع ذلك ارتفعت الديون الخارجية من سبع مليارات إلى 43 مليار، وانخفض الناتج الصناعي إلى أقل من النصف تقريبًا، وانكمشت الأجور بنسبة تصل إلى النصف أيضاً.
يروج الإعلام المصري لوهم نجاح وصفات صندوق النقد، في حين أن التاريخ يروي لنا مآلات الإفلاس في إطاعة أوامر الصندوق
وفي صيف 2001 و بعد 19 برنامجاً إصلاحياً ذاق فيها الشعب مرارات وويلات التقشف والتشرد والبطالة والضياع وسوء التغذية، وقف أحد رؤساء الارجنتين، وهو أدولفو رودريغث، ليعلن رسميًا الأرجنتين دولة مفلسة، وذلك بعد خروج مئات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات تحولت لمصادمات عنيفة مع الشرطة والأجهزة الأمنية. فهل تحتاج مصر إذن لتكرار هذا النموذج؟ على أحدهم أن يسأل أديب عن ذلك!
اقرأ/ي أيضًا: