ألمانيا بلد النظام والطبيعة الخلابة والقانون، هذا توصيف تقليدي لحالة بلد مثل ألمانيا. قد يقوله أي مقيم أو زائر عن ألمانيا، ولكن يبقى للسوري تجربته الخاصة، وأمثلته التفصيلية، والأشياء التي أحب والأشياء التي تمنى لو كانت في بلده، السوريين الذين يحكون ألمانيا في أجزائها البسيطة يرسمون سوية لوحة فسيفيسيائية لها.
مريم من اللاذقية، وربما لسبب خاص يعود إلى رغبتها في امتلاك سيارة، فهي تراقب كل ما يخص السيارات الألمانية المعروفة بأناقتها وقوتها. تقول إن وقوف السيارات على الإشارات الحمراء والتزامهم بقانون السير لطالما شد إنتباهي، وكذلك كل سيارة تلتزم الصف في المكان المخصص لها في الحارة، فلا أحد من الجيران يتجاوز جاره ليلًا بخفة، ليسرق مكان لسيارته ويركنها به، ووقت GBS دقيق بدقة البشر هنا، فعندما تحدد موعد الوصول يكون حقيقيا وصحيحًا. (يلفت أيضًا استعمالها لمصطلح "حارة").
تراقب مريم كل ما يخص السيارات الألمانية المعروفة بأناقتها وقوتها
الشرطة تجربة أخرى يرويها محمد حبش المستقر في لايبزيغ: "كثيرة هي الأشياء التي أعجبتني ولكن الشرطة أذهلتني، وخاصة عندما دخلت أحد مخافرها طالبا اللجوء، فرغم أني دخلت بطريقة غير شرعية إلى البلد ولكني تلقيت معاملة غاية في الاحترام، وشعرت بأمن غريب في حضور الشرطة". طبعًا، هذا شعور مخالف تمامًا لما يشعره السوري في مخافر وطنه، ليس لأن المخافر الألمانية عظيمة، إنما لأن مخافر سوريا (...).
علاقة الحكومة بالمواطن وعلاقة المواطن مع المواطن، هي أكثر ما لفت محمد محمود من حماة، طالب الهندسة في مدينة هيسن. يرى أن علاقة المواطن الألماني بالحكومة قوية وتعتمد على الثقة، ولكن علاقته بالمواطنين الآخرين ليست مهمة، أو لاتعنيه ولا تحتم عليه أي التزام، بعكس علاقتنا نحن، فنحن السوريين كانت تجمعنا مع بعضنا علاقات قوية وعلاقتنا بدولتنا كانت علاقة سيئة، يشوبها الشك والخوف. كما أن النظام الإقتصادي تمكن من أن يجمع بين الرأسمالية والإشتراكية، وهذا أمر أعجبني للغاية.
فارق كبير بين المخافر الألمانية والمخافر في سوريا!
بينما ترى سمر أمر آخر غاية في الأهمية والسحر: الكتاب. لاحظت أن الألمان يقرأون كلما أتاحت لهم الفرصة، يحمل حتى الصغير منهم كتابًا، تجد سيدة أو رجل مسن يحمل في القطار صحيفة ويقرأ. هذا أكثر ما تراه مهما، شعب يقرأ ويسافر، ففي كل مرة أتواصل مع أحدهم يقول لي أنه قضى أجازته في هذا البلد أو ذاك.
جمال البيوت والطبيعة، أمر يذكره زياد طرافة من مدينة باين بكثير من الشغف. هذا أعجبته المنازل والسطوح القرميدية والحدائق. المساحات الخضراء التي تجعل الطبيعة تحاصر الإنسان وليس الأبنية الأسمنية التي تخنقه، كما كانت العشوائيات في سوريا.
إقرأ/ي أيضًأ: كاليه.. برزخ اللجوء
الرزنامة، أمر أخر ملفت للكثر ومنهم خالد في برلين: "يسجلون كل موعد، ولم ألحظ أحدًا ممن قابلت يعيش بلا رزنامة، كأنها جزء من التكوين الشخصي، وإن لم تكن ورقية فهم يعتمدون رزنامة المحمول".
فصل القمامة بين الورقية والبلاستيكية والبيتية، يلفت زينة في موينخ، التي عاشت فترة في فرنسا قبل تأتي إلى المدينة البافارية... "ولكن لم يكن فصل القمامة مهمًا إلى هذا الحد ولم يخطر في بالي أنه من الممكن أن يكون عدم فصلها عن بعض أمرًا مخالفًا للقانون ويستوجب العقوبة، أتمنى لو عدنا إلى وطننا يوما أن نقوم بفصل القمامة عن بعضها وتصبح البيئة المحيطة بنا أمرًا هامًا".
يبقى موضوع العائلة أمرًا إشكاليًا في وجهات النظر التي شكلها السوريين والعرب إجمالًا عن الألمان وعلاقتهم بعائلاتهم. ريما تقول "إننا نرى العائلة بطريقة مختلفة عما هم يفكرون بها أو يرونها". بعد وقت اقتنعت أن روابطهم العائلية أفضل مما نعتقد، ولم تعد تنتقدها... "فهم يتواصلون بالمناسبات ودون ضغوطات". بينما يرى جمعة أن العائلة الألمانية تعاني تفككًا وهذا أمر لا يعجبه ولا يريد لعائلته السورية أن تتأثر به. ينجر على ذلك علاقة الجار بالجار التي لا تعجب الأغلب ويتعبرونها نقطة سلبية في المجتمعات الغربية بشكل عام التي يعاني فيها المسن إغترابًا حقيقيًا ووحدة قاتلة.
إقرأ/ي أيضًأ: مرافعة لاجئ