قبل أيام قليلة من الآن، دُعيت الكاتبة والروائية الفلسطينية خلود الخميس إلى ندوة في مدينة حيفا المحتلّة لمناقشة كتاب بعنوان "حريّة". الكتاب الصادر عن دار نشر إسرائيلية تحمل اسم "رسلينغ" (Resling)، واكتشفت خلود الخميس أنّه يحوي مجموعة قصص عربية أعدّها وترجمها إلى اللغة العبرية منسّق دراسات اللغة العربية في جامعة بن غوريون المدعو ألوت فرغمان. والقصص الـ45 التي يضمّها الكتاب، تعود لكاتبات من مختلف الدول العربية.
أصدرت دار نشر إسرائيلية أنطولوجيا قصصية لكاتبات من مختلف الدول العربية دون علمهن
كتبت خلود الخميس على صفحتها الشخصية في موقع الفيسبوك منشورًا الغرض منه الإشارة إلى السرقة الحاصلة أوّلًا، وطلب المساعدة في التواصل مع الكاتبات أو نقل الخبر لهنّ ثانيًا. وعلى الفور، وجدت الخميس آذانًا صاغية، ووصل الخبر إلى غالبية الكاتبات اللواتي وردت أسماؤهنّ في الكتاب، لتبدأ بيانات الرفض والاستنكار والتأكيد بأن الأمر حدث دون معرفتهنّ.
اقرأ/ي أيضًا: أنمار رحمة الله.. ورشة عراقية للقصة القصيرة
مما لا شكّ فيه أنّ الأمر أثار موجة سخط ورفض واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يحدث دائمًا بطبيعة الحال إزاء قضايا حسّاسة كهذه. فثمّة من رأى في ترجمة الأعمال الأدبية إلى اللغة العبرية محاولة إسرائيلية لا لنصب فخاخ التطبيع للكتّاب العرب وحسب، وإنّما القول بأنّ القضية الفلسطينية قد سقطت من أجندات الكتّاب العرب المنصرفين إلى تناول قضايا بلادهم الاجتماعية والسياسية والبعيدة بطبيعة الحال عن القضية الفلسطينية. وأيضًا، من أجل تسليط الضوء للقارئ الإسرائيليّ من خلال الأعمال المترجمة على أبرز المشكلات والمعضلات التي تجعل من الدول العربية دولًا غير مهتمّة بفلسطين، وغير قادرة على خوض أي حرب لتحريرها.
الكاتبة والروائية الكويتية بثينة العيسى، قالت في سلسلة تغريدات لها في موقع تويتر إنّ عملية ترجمة النصوص إلى اللغة العبرية، دون إذن مؤلّفيها، لا يبدو في الواقع أمرًا مدهشًا، لا سيما وأنّ من ارتكب هذا الفعل اللاأخلاقي هما مترجم وناشر إسرائيليان. وفسّرت العيسى الأمر بأنّ من تجرّأ على سرقة أراضي ومنازل وتراث وأرواح شعب بأكمله، لن يعجز على سرقة مجموعة نصوص وترجمتها دون الرجوع إلى كتّابها. وأكّدت صاحبة "التيه" رفضها لنشر نصوصها في دولة الاحتلال، بإذن منها أو دونه، قبل أن تنهي تغريداتها بالمثل الشعبيّ القائل: "إن لم تستح، فافعل ما شئت".
الفكرة ذاتها، تقريبًا، أرادت إيصالها الكاتبة والروائية الفلسطينية سلوى البنّا، مُعتبرةً أنّ من يسرق وطنًا لا يستعصي عليه سرقة فكرة. وأنّ من يعتدي على تاريخ وحقوق شعب، لا يصعب عليه سرقة حقوق روائي أو كاتب. وأشارت البنّا أيضًا في بيانها إلى أنّ عملية الترجمة التي حدثت، ليست سوى حيلة يسعى الاحتلال من خلالها إلى تفريغ وتصفية القضية الفلسطينية من خلال تشويه رموزها الثقافية عبر جرّهم إلى فخّ التطبيع.
للكاتبة والروائية الليبية نجوى بن شتوان موقف مختلف عن موقف بثينة العيسى وسلوى البنّا وأخريات إزاء ما حدث. صاحبة "زرايب العبيد" رفضت ترجمة نصوصها إلى اللغة العبرية بطريقة لا أخلاقية تنتهك حقوقها ككاتبة، ولكنّها في الوقت نفسه، لم ترفض فكرة الترجمة من الأساس إلى هذه اللغة إن حدث الأمر بعلمها وباتفاق مُسبق معها. حيث قالت في أحد تصريحاتها حيال هذا الأمر إنّ لديها مشكلة مع فكرة الكيان الإسرائيليّ، لا اللغة العبرية والترجمة إليها.
الكاتبة اليمنية انتصار السرّي في تصريح لها لـ"ألترا صوت" أكّدت أنّها ضدّ فكرة الترجمة إلى اللغة العبرية من أساسها، والنشر في دولة الاحتلال الإسرائيليّ باعتبارها دولة محتلّة انتزعت وطنًا كاملًا من شعبٍ هجّرته وارتكبت أبشع الأفعال بحقّه. ورأت انتصار السرّي أنّ النصوص الـ45 المترجمة إلى اللغة العبرية، تحمل تقريبًا تيمة واحدة، وتتمحور حول المرأة العربية، وبالتالي فإنّ الهدف من الترجمة هو نقل صورة المرأة العربية المظلومة إلى المجتمعات الأخرى، لا سيما المجتمعات التي تربطنا بها حالة عداء من زمنٍ بعيد، الأمر الذي من الممكن أن يثير أسئلة من قبيل: "هل مجتمعات لا تزال تحتقر المرأة وتجهض حقوقها وتعاني أزمات عدّة، قادرة على خوض حرب تحرير؟".
تضاربت آراء الكاتبات العربيات اللواتي ضمت نصوصهن أنطولوجيا "حرية"، الصادرة بالعبرية، بين اعتبارها اعتداء أخلاقيًا وثقافيًا وبين كونها مجرد سرقة حقوق
في العودة إلى ردود فعل الكاتبات العربيات إزاء هذه السرقة، نجد أنّها ردود متفاوتة، وإن كانت جميعها، من حيث المبدأ، متّفقة على رفض الترجمة. يتجلّى هذا التفاوت والاختلاف في الرفض نفسه، ففي الوقت الذي ذهبت فيه بعض الكاتبات لاستنكار الحادثة ورفضها رفضًا قاطعًا باعتبارها شكلًا من أشكال التطبيع المرفوض مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ؛ اتّجهت أخريات إلى رفض عملية الترجمة لأنّها حدثت دون إذن مسبق منهنّ، واعتبارها أيضًا مجرّد سرقة أدبية دون ذكر التطبيع أو حتّى الإشارة إليه في سياق الحديث. أعاد هذا الاختلاف فتح باب السجال والجدال مجدَّدًا حول ما إذا كانت ترجمة الأعمال العربية إلى اللغة العبرية تعدّ تطبيعًا أم لا، والأمر بطبيعة الحال جدلًا واسعًا يعود للتداول بين فترة وأخرى، وهو أيضًا ليس بالأمر الجديد.
اقرأ/ي أيضًا: القصّة القصيرة.. وعي اللحظة والتقاطُها
أخيرًا، وإن تعاملنا مع ما ذكرناه أعلاه بجدّية، وأخذناه بعين الاعتبار حقًّا، سنجد أنفسنا دون شك أمام عدّة أسئلة، منها: هل ما حدث – أي ترجمة النصوص – هو مجرّد اختبار الهدف منه فصل الرافضين للترجمة باعتبارها شكلًا من أشكال التطبيع، عن أولئك الرافضين لها لأنّها حدثت دون اتّفاق مسبق معهم، وبالتالي السير بهم في المستقبل القريب إلى حقل التطبيع الثقافي؟
اقرأ/ي أيضًا: