تمثّل عبارة "الكلاسيكو" المباراة التي تجمع بين أقوى فريقين في بلد بعينه، ولا يكفي أن يكون الفريقان هما الأقوى في الفترة التي تلعب فيها المباراة، بل يجب أن يكونا بطلين تاريخيين لهذا البلد، وأقوى ما فيها من أندية على الصعيد التاريخي، والأهم من كل ذلك أن يكون بينهما صراع تاريخي، قد تكون أبعاده متجاوزة لحدود الرياضة.
أبرز مثال للكلاسيكو هو مواجهة ريال مدريد وبرشلونة، الفريقان اللذان يعتبران من أكثر الفرق شعبية في العالم، وأقواها بطبيعة الحال، فكلاهما توّج بكل ما هو ممكن من الألقاب، ومع ذلك يمثّل الفوز في المواجهة فيما بينهما بطولة بحد ذاتها، سواء كانت مناسبة ذلك مسابقة محلية "دوري إسباني، كأس إسبانيا، بطولة السوبر" أو مسابقة أوروبية كدوري أبطال أوروبا، أو حتى لقاء ودي.
وتتعدى أهمية مباراة الكلاسيكو مواجهة الفريق الأول بين ريال مدريد وبرشلونة، فتكتسي مواجهة الفريقين بالفئات العمرية أهمية بالغة، كذلك الحال بالنسبة للقاءات فرق السيدات سواء على الصعيد المحلي أو القارّي.
وحينما نتحدث عن مواجهة كلاسيكو إسبانيا، لا نقصد بالضرورة لقاءات كرة القدم بين ريال مدريد وبرشلونة، إنما يبلغ ذلك الحديث عن مواجهات الفريقين في الرياضات الجماعية الأخرى، ككرة السلة وكرة اليد.
ما هي أهمية مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة
تأسس نادي برشلونة عام 1899، بعده بثلاث سنوات تأسس نادي ريال مدريد. نادي ريال مدريد يتبع للعاصمة الإسبانية مدريد، فيما يعتبر نادي برشلونة أحد رموز مدينته برشلونة أهم مدينة في إقليم كاتالونيا.
ينظر إلى مواجهة الناديين عادة بدلالات سياسية متعددة بعيدة عن الرياضة، حيث يمثل برشلونة إقليم كاتالونيا المتمتع بالحكم الذاتي، ويمثل ريال مدريد الدولة الإسبانية القومية، وزادت حدة هذا التمثيل والاستقطاب بين الناديين في القرن الماضي، حين اندلعت الحرب الأهلية في إسبانيا عام 1936.
وقتها حصل انقلاب من القوميين بقيادة الجنرال فرانكو ضد الجمهوريين الذين يحكمون إسبانيا، وأدّت الحرب الأهلية لمقتل مئات الآلاف من الإسبان، وتأثرت الرياضة بالأحوال السياسية هناك، فصار نادي برشلونة يمثّل رمزًا للهوية الكاتالونية، وتم اعتماد شعاره المعروف "أكثر من مجرد ناد" وباللغة الكاتالونية "Més que un club". وحسب مناصري ريال مدريد يمثل برشلونة الانفصاليين، فيما كان ريال مدريد حسب مشجعي برشلونة يمثل وجهة النظر القومية اليمينية، والمتمثلة بالديكتاتور فرانكو.
ويعزز وجهة نظر مشجعي برشلونة بأن ناديهم فريق مناضل ضد الديكتاتوريات، بأن عناصر الجنرال فرانكو أعدموا رئيس نادي برشلونة جوزيب سونال في عام 1936، بصفته عضوًا لليسار الجمهوري في البرلمان.
لكن على الصعيد الرياضي هناك جدل دائمًا بين أنصار ريال مدريد وبرشلونة حول تأثير هذه الأحداث الدامية في البلاد على الرياضة، فأنصار برشلونة يرون ريال مدريد النادي المستفيد الأكبر من هذه الحقبة، حيث كانت الألقاب تُمنح له كونه النادي المحبب للقوميين وفي مقدمتهم الجنرال فرانكو، بينما ينفي ريال مدريد هذه الاتهامات، ففي فترة حكم الجنرال فرانكو نال برشلونة العديد من الألقاب، ولو كان كما يتحدث أنصار برشلونة، لما نال النادي الكاتالوني أيًا منها.
كذلك يرد أنصار ريال مدريد بأن بداية فترة الجنرال فرانكو لم يكن فريقهم في أوج عطائه، حيث توّج برشلونة بلقب الدوري الإسباني ثلاث مرات، قبل أن يقود سانتياغو بيرنابيو فريق الريال لنهضة كبرى، جعلت ريال مدريد ليس الأول في إسبانيا فحسب، بل سيد القارة الأوروبية.
رئيس نادي ريال مدريد سانتياغو بيرنابيو نفسه كان من المحاربين السابقين مع الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية، وهذا الموضوع زاد من تعقيد الأمور بين الفريقين، فقاد فريقه للتتويج بأول 5 نسخ من دوري أبطال أوروبا، وأصبح ريال مدريد أفضل سفير لنظام حكم فرانكو على الإطلاق، وعبارة "أفضل سفير لنا" صدرت من وزير الخارجية في حقبة فرانكو فرناندو ماريا كاستيلا.
ولكن من وجهة نظر محايدة، يمكننا تتبع مسار الألقاب مع الناديين في حقبة الجنرال فرانكو التي انتهت بوفاته عام 1975، حيث فاز ريال مدريد ببطولة الدوري 14 مرة، مقابل 8 لبرشلونة، و6 ألقاب كأس الملك مقابل 9 لبرشلونة.
على الرغم من نهاية حكم فرانكو وتحول إسبانيا لدولة ديمقراطية، لم تصبح مواجهة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة مجرد مباراة لكرة القدم، فصار ريال مدريد يمثل التيار المحافظ في إسبانيا، بينما أصبح برشلونة يمثل اليساريين، ومع تأسيس روابط المشجعين، انحرف العديد من المشجعين نحو التطرف في تشجيعه لناديه.
مع مرور الوقت وتحول الناديين لفريقين عالميين، لهما جماهيرهما في شتى أنحاء المعمورة، قد تتلاشى الأسباب السياسية للعداء بين الفريقين، أو تختبئ بين السطور، فلن يهتم أحد محبي الفريقين في شرق آسيا مثلًا بظروف إسبانيا السياسية، وربما لجأ لتشجيع أحد هذين الفريقين من أجل نسيان ما يدور في بلاده من أحداث سياسية قد تكون أسوأ مما عانته إسبانيا قبل عقود مضت.
لذلك أصبح التنافس الرياضي يمثل هوية حقيقية للصراع بين الفريقين، وهذا التنافس الرياضي قد يؤججه نزاعات أو خلافات بين الطرفين، يسيل عليها لعاب الصحف، فتتضخم الأمور أكثر فأكثر، وتزداد الهوة بين مناصري الفريقين، وتزداد العداوة على إثرها بين المشجعين.
ونحكي عن حالات تسبب العداوة بين الفريقين، كحالات الظلم التحكيمي، أو اتهامات بالفساد أو رشوة حكام، أو "سرقة" لاعب كان في طريقه لريال مدريد وذهابه إلى برشلونة، والعكس صحيح، وأبرز مثال على ذلك ديفيد بيكهام، وربما يتطور الأمر لـ"خطف" لاعب متألق في صفوف أحد الناديين لصالح النادي الآخر، وأبرز مثال على ذلك حادثة لويس فيغو.
وقتها كان النجم البرتغالي لويس فيغو من أشهر لاعبي برشلونة وأفضلهم، فوعد فلورينتينو بيريز أنصار ريال مدريد بجلب لويس فيغو في حال فوزه بانتخابات رئاسة النادي، وهو أمر نفاه لويس فيغو مرارًا، مؤكدًا رغبته في البقاء ببرشلونة، ومع قدوم فلورينتينو بيريز لرئاسة النادي، تم جلب لويس فيغو إلى ناديه في صيف عام 2000، ليتحول لويس فيغو من أحد نجوم نادي برشلونة، إلى مرتزق ورمز للخيانة بالنسبة لمناصري النادي الكاتالوني.
زادت المنافسة بين الفريقين في عهد ثنائية رونالدو-ميسي، توازى ذلك مع ثنائية المدربين مورينيو-غوارديولا، لكن التنافس كان رياضيًا بالدرجة الأولى، فالفريقان أصبحا يمثلان أقوى فريقين في العالم، ناهيك عن القوة المالية الكبيرة التي تمتعا بها، والشعبية الجارفة لعشاق رونالدو وميسي، اللذين منحا كرة القدم العالمية أكثر ما يمكن منحه لأي مشجع عاشق لكرة القدم.
ومع نهاية حقبة النجوم الكبار في الناديين، بعد رحيل أو اعتزال نجوم أمثال "كريستيانو رونالدو، زيدان، فيغو، بيكهام، رونالدو البرازيلي، كاكا، كريم بنزيما، كاسياس، راؤول" عن ريال مدريد، ورحيل أو اعتزال أساطير كروية في برشلونة أمثال "تشافي، انييستا، ليونيل ميسي، بيكيه، بويول، إيتو، زلاتان، هنري.. إلخ" يستمر عشاق كرة القدم في العالم بالتعبير عن حبهم وانتمائهم لأحد طرفي الكلاسيكو، والذي سيتابعون فيه فريقهم بمن حضر، وسيجاهرون فيه بكراهية الطرف الآخر مهما كانت قوته.
مباراة الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، سواء كانت في لقاء محلي أو قاري، تحظى بأهمية كبيرة من قبل وسائل الإعلام، وهي الأكثر مشاهدة في العالم، باستثناء مباريات كأس العالم أو نهائي دوري أبطال أوروبا، حيث يصل عدد مشاهدو مباريات الكلاسيكو لقرابة 700 مليون متابع.
لذلك من الضروري أن يتم استغلال هذه الشهرة من إدارة ولاعبي الفريقين، من أجل إيصال الرسائل الإنسانية، والتعبير عن المعاني الرياضية الحقيقة لكرة القدم، والترويج لمبادئ يتفق عليها الكثيرون وتصلح لكل زمان ومكان، كالروح الرياضية والتسامح، وتقبل الخسارة.