أطلقت مؤسسة "اتجاهات- ثقافة مستقلة" دورتها الخامسة من برنامج "أبحاث: لتعميق ثقافة المعرفة"، والذي يتيح الفرصة لخمس عشرة باحثةً وباحثًا من الشباب اللذين تتراوح أعمارهم بين 22 - 40 عامًا من السوريين والفلسطينيين السوريين ومن في حكمهم، ممن يتواجدون داخل سوريا وخارجها، وممن أنهوا حياتهم الأكاديمية، للتفرغ لإنجاز بحث في مجال الثقافة والدراسات الثقافية. يسعى البرنامج إلى رفع مهارات الباحثين وتوجيههم وإتاحة الفرصة لهم لإنجاز مشروع بحثي يركّز على مواضيع المرحلة الراهنة بإشراف مباشر من باحثين مختصين في المجال الثقافي يشكلون اللجنة العلمية للمشروع.
أطلقت مؤسسة "اتجاهات- ثقافة مستقلة" دورتها الخامسة من برنامج "أبحاث: لتعميق ثقافة المعرفة"
ويأتي مشروع أبحاث ضمن خطة مؤسسة اتجاهات التي تعمل عليها منذ التأسيس قبل خمس سنوات، لتفعيل دور الثقافة والفنون المستقلة لتلعب دورًا إيجابيًا في عملية التغيير الثقافي، السياسي والاجتماعي. والمساهمة في بناء علاقة أصيلة بين الفعل الثقافي والفني من ناحية والمجتمع السوري بتنوعه وتعدده من ناحية أخرى. ومساهمتها في تطوير الدراسات والأبحاث، الميدانية والأكاديمية، كمواد مرجعية لتصميم وبناء مشاريع ثقافية وفكرية منسجمة مع فهم وتحليل الحالة الراهنة. وتسعى لنقل مفهوم الثقافة من القطاع الخدمي إلى قطاع تنموي فاعل.
اقرأ/ي أيضًا: 260 مثقفًا لبنانيًا ضد العنصرية بحق السوريين
يركز البرنامج من خلال معايير اختيار الباحثين على المواضيع الراهنة في البحث الثقافي والتي ترتبط بما تمرّ به سوريا اليوم وبالتغير الواضح في موقف الفاعلين الثقافيين والفنانين السوريين من ارتباطهم بالمجتمع وتحولاته مما يؤدي بالنتيجة إلى تغير متوقع في دور الثقافة والفنون في سوريا في المرحلة القادمة.
يعتمد قبول الطلبات على أهمية الإشكالية المطروحة في الورقة البحثية وتوافقها مع الإطار البحثي للمشروع، والذي ينطلق من محاولة فهم عمق وأبعاد التغير الثقافي الجاري اليوم في سوريا، ومحاولة استشراف مستقبل الثقافة، واقتراح الأطر الكفيلة بدعم الثقافة المستقلة القادرة على المساهمة في بناء علاقات المواطنة وتفعيلها. كما ويجب أن تعنى طلبات التقدم للأبحاث بضرورات المرحلة التي تمرّ بها سوريا اليوم، والتي تشكل مرحلة تغيير لا رجعة فيه.
جاء في بنود الإطار البحثي للمشروع أن هذا التغيير يتطلب من العاملين في الثقافة، وخاصةً الشباب منهم، دراسة التحولات التي تعيشها الثقافة السوريّة في كل أشكالها وعلى كل مستوياتها، ليكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة الاستحقاقات التي ستواجههم غدًا. وللوقوف على أهم المواضيع التي يتوجب على البحث أن يتعامل معها كان لالترا صوت فرصة طرح بعض الأسئلة على مديرة البرنامج ندى فرح، التي بدورها أطلعتنا على مايميز الدورة الخامسة وأهم المعايير التي ستتبعها اتجاهات في خطة عملها على مشروع أبحاث.
تشرح لنا ندى فرح: إن المواضيع التي يتوجب على البحث أن يتعامل معها تندرج في ستة محاور نظرية مركزية هي:
- استكشاف أشكال التوثيق والأرشفة وحماية التراث، التقليدية منها أو المعاصرة، واستشفاف دور هذا التراث في القطاعات الاجتماعية والابداعية والاقتصادية لسوريا في المستقبل.
- البحث في الصناعات الحرفية الإبداعية بما في ذلك المواد والتقنيات المنتجة لها، والخبرات المهنية المتعلقة بها ومعاني ورمزية ثقافة الأنماط المتكررة (Patterns)، إضافة إلى دراسة آليات نقل المعرفة ودراسة وتوثيق الخبرات المتعلقة بهذه الحرف وعلاقة المعلّم بالعمّال وانعكاس هذه العلاقات على المجتمع.
- دراسة البنى الثقافية الناشطة في المجتمع السوري والبحث في أسباب التهميش الثقافي، ودراسة ديناميات التحول في ملامح الثقافة السورية وسماتها الموروثة خلال الحراك وفي مراحله المختلفة.
- دراسة ملامح الثقافة السورية الجديدة المتولدة أثناء الحراك. واستشفاف آفاقها وإمكانيات تطورها بعد انتهاء الأزمة.
- دراسة الاتجاهات الفنية والإبداعية للمنتجات الفنية السورية والفنانين السوريين أينما كانوا، إضافةً إلى الاقتصاد الإبداعي.
- دراسة إدارة عملية التغيير الثقافي الفاعلة وأشكال التدخل الممكنة.
وتتابع فرح: "تم في هذا العام إضافة محورين جديدين، يتعلق الأول بأشكال توثيق وحماية التراث المادي واللامادي، فيما يتمحور الثاني حول الصناعات الإبداعية وآليات نقل المعرفة والخبرات. وذلك استجابةً للتغيير والاحتياج الراهن والخطر الكبير الذي تواجهه سوريا، وخاصةً في مجال حفظ التراث والحاجة لدراسة العادات والتقاليد والمهن الإبداعية، في ظل تعرض معظمها لخطر الإندثار نتيجة الظروف الراهنة. كما يستمر البرنامج كعادته في دعم الأبحاث التي تتمحور حول الأعمال الفنية ودورها وآثارها وسبل تطويرها، كذلك دراسة الاتجاهات الفنية والإبداعية التي ظهرت في سوريا في السنوات الأخير، إضافةً إلى لأبحاث العملية التي يمكنها المساهمة في إغناء الأعمال الفنية وتطويرها".
تأتي أهمية أبحاث "اتجاهات - ثقافة مستقلة" من كونها تفتح أسئلة الثقافة الراهنة في سوريا
يقدم المشروع لهذا العام للباحثين المقبولين برنامج بناء مهارات بحثية وتحريرية ممتد على فترة المشروع. والعمل مع مشرف متخصص في مجال موضوع البحث ليرافق عمل الباحث خلال ستة أشهر. إلى جانب منحة مالية لإنجاز البحث بقيمة 2000 دولار أمريكي بالإضافة لبدل شراء مراجع للبحث بقيمة 200 دولار أمريكي. والمشاركة في لقاءات علمية مفتوحة مع الجمهور بالشراكة مع أهم الجامعات في المنطقة، بالإضافة لنشر أفضل الأبحاث المنجزة، والذي تم سابقًا، فقد نشرت "اتجاهات" بالتعاون مع "دار ممدوح عدوان" كتابًا بعنوان "أبحاث: لتعميق ثقافة المعرفة – خمسة أوراق بحثية عن الراهن السوري". ويضم الكتاب خمسة أبحاث منجزة ضمن الدورة الثانية من البرنامج.
اقرأ/ي أيضًا: عن التشبيح المنمق.. جمال سليمان: تبين أننا لا نعرف بعضنا
وعن أهم المعايير التي تتبعها اتجاهات لنشر الأبحاث، تخبرنا مديرة البرنامج "بأن مؤسسة اتجاهات تقوم بفصل معايير إنجاز الأبحاث عن معايير النشر، ذلك لحماية الباحثين والحفاظ على الموضوعية، واختيار الأبحاث يتم بناءً على وصول البحث إلى شروط علمية ومنهجية محددة من حيث الاكتمال، الموضوعية، العلمية، وجلب البحث للجديد من حيث الطرح والمعالجة."
أمّا عن مشاركة الأبحاث في لقاءات علمية فترى ندى فرح "بأن أهمية هذه اللقاءات تأتي من فتح حوار حول أسئلة الثقافة الراهنة في سوريا والتأكيد على أهيمتها، إضافةً إلى خلق سرد بديل ومغاير عن سوريا اليوم وعن مفهوم التغيير بصورته العميقة، إلى جانب خلق حوار مع مؤسسات أكاديمية متنوعة وباحثين وجمهور واسع ذو خلفيات معرفية متعددة، مما يؤدي إلى ربط الباحثين السوريين الشباب بمؤسسات ثقافية فاعلة في مجال البحث الثقافي العلمي في المنطقة والعالم وفتح المجال أمامهم لإغناء تجاربهم وتشاركها مع جمهور متنوع ومختلف".
وفي ذات السياق، أصدرت "اتجاهات"، بالتعاون مع "دار ممدوح عدوان" دليلًا تدريبيًا حول تصميم الأبحاث الثقافية من إعداد الباحثة راما نجمة. يقترح الدليل، كما جاء في تعريفه، مجموعة من المناهج التي تساعد الباحث الراغب في استكشاف المناهج الملائمة لعمله كما تساعده على التعرف إليها، ويزود الباحثين الشباب من ذوي الخلفيات الأكاديمية المتعددة بالمعارف الضرورية للبحث الثقافي ومهاراته وآلياته. تتضمن فصوله الأربعة، خطوات البحث بدءاً بوضع خطة البحث وتعريف المشكلة وأهميتها انتقالًا إلى مجتمع البحث وعينة البحث وأدوات الدراسة، مرورًا بأنواع المناهج المستخدمة في البحث، وانتهاءً بشكل البحث وإخراجه. يأتي هذا الدليل ليساهم في بناء قدرات الباحثين الشباب في مجالات البحث والدراسات الثقافية في إطار برنامج أبحاث: لتعميق ثقافة المعرفة. والذي يهدف إلى المساهمة في تخفيف النقص الحاد في وسائل نقل المعرفة في مجال مناهج البحث الثقافي، والتي تعاني من شحّ كبير مع تعاظم الحاجة إليها.
اقرأ/ي أيضًا: