لا ريب أن التجديد أحد أهم دعائم استمرار الأمم، ولا يكون هذا إلا بالبحث والتنقيب بجدية عن كل ما يمكن لتحقيق هذه الغاية، ولما كان التطور العلمي أساسًا راسخًا ووتدًا صلبًا للنهضة وإثبات جدارة الأمم على مر العصور اهتم المعنيون بشؤون التعليم في كل الأزمنة وعلى مر الأمم في تطويره وتجديده وابتكار أساليب متنوعة لتحصيله بأكثر الطرق إبداعًا وابتكارًا.
ويعتبر التنوع في أساليب التعليم، واستراتيجيات التعلم النشط في الوقت الراهن أحد أهم المتطلبات التي يجب على المعلم مراعاتها وبذل الجهد اللازم في سبيل ابتكار الأفضل منها والأكثر إبداعًا، وهذا تمامًا ما يهدف إليه التعلم النشط خاصة في ظل ما يحيط بنا من ثورة تقنية وتقدم تكنولوجي قد يساهم بشكل كبير في تحقيق هذه الغاية المرجوة.
ولتحقيق مفهوم التعلم النشط (والذي يقتضي بمعناه إشراك الطالب في العملية التعليمية وألا يكون متلقيًا فقط) يجب اتباع مجموعة من الاستراتيجيات واستغلال المعلم للتكنولوجيا الحديثة واستخدام الذكاء الاصطناعي في سبيل إيصال المعلومة للطالب بطريقة مبتكرة من خلال إشراكه فيها، وفي هذا المقال سنذكر بعض هذه الاستراتيجيات ونشير إلى أهميتها.
استراتيجيات التعلم النشط تعتمد بالدرجة الأولى على التفاعل الجماعي داخل القاعة الصفية
استراتيجيات التعلم النشط
يذكر الدكتور حسن خليل المصالحة والدكتورة سها أحمد أبو الحاج في كتابهما استراتيجيات التعلم النشط العديد من الاستراتيجيات المتبعة والمتعارف عليها بين أوساط التعليم ومنها:
-
فكر .. زاوج .. شارك
وهي طريقة وضعها فرانك ليمان وتتميز بإمكانية تطبيقها على أي عدد من الطلاب، وتقتضي هذه الاستراتيجية من المعلم طرح سؤال معين على الطلاب وإعطائهم وقتًا محددًا قد يزيد وينقص حسب تقدير المعلم لصعوبة السؤال، وبعد أن يفكر كل طالب وحده في الإجابة يتشارك كل طالبين في إجابة السؤال، بعد ذلك يختار المعلم مجموعة عشوائية من الطلبة للإجابة.
-
المقابلة ثلاثية الخطوات
تعتمد هذه الاستراتيجية على تقسيم الطلاب لمجموعات تتكون كل مجموعة من ثلاثة طلاب، يسأل الطالب الأول سؤالًا ويجيب عنه زميله في حين يدون الثالث السؤال والإجابة، وهكذا تتشارك كل المجموعة معًا في العمل، بعد ذلك يتم عرض الإجابة على الطلبة كلهم.
-
المواجهة (اكشف أوراقك)
غالبًا ما تستخدم هذه الاستراتيجية في ختام الدرس وتعتمد على تقسيم الطلبة في مجموعات، كل مجموعة تتكون من أربعة طلاب لها قائد، بعد ذلك يكتب كل طالب سؤالًا وجوابه حول الدرس وتوضع الأوراق معًا في مكان واحد، ثم يختار قائد المجموعة سؤالًا بشكل عشوائي يسأله للمجموعة ويدون كل طالب إجابته على ورقة يخفيها وبعد انتهاء المدة المحددة للإجابة يطلب القائد كشف الإجابات بكلمة (اكشف أوراقك) بعد ذلك يعزز القائد أصحاب الإجابات الصحيحة، تتم إعادة اللعبة وفي كل مرة يتم تغيير القائد.
-
استراتيجية جيكسو
وهي استراتيجية تم وضعها من قبل الدكتور إليوت أورنوسون في جامعة تكساس عام 1971م، وتهدف هذه الاستراتيجية بالدرجة الأولى إلى دمج كل الطلبة على اختلاف مستوياتهم الأكاديمية في شرح الدرس ونقاشه، حيث يقسم المعلم الطلبة إلى مجموعات مع حرصه على تنوع مستوياتهم الأكاديمية في المجموعة الواحدة ثم يقسم الدرس إلى 5 أو 6 فقرات حسب ما يتطلب الأمر على أن يكون عدد الفقرات مساويًا لعدد الطلبة في كل مجموعة، ثم يتم اختيار قائد لها، يتم توزيع الفقرات على الطلبة في المجموعة ثم يُطلب من الطلاب أصحاب الفقرات المتطابقة في الصف تشكيل مجموعة لمناقشة كيفية شرح الفقرة ولتشارك الأفكار مع بعضهم، وبعد المدة المحددة من قبل المعلم يعود كل طالب إلى مجموعته الأصلية ليشرح لهم الفقرة المطلوبة منه مع الحرص على تشجيعهم لطرح الأسئلة ومناقشتها وتعتبر هذه الاستراتيجية من أكثر استراتيجيات التعلم النشط تأثيرًا وتحفيزًا للطلبة على مختلف مستوياتهم وقدراتهم الدراسية.
من الجدير بالذكر أن الهدف الأساسي الذي سعى له الدكتور أورونسون (وهو أحد أهم علماء النفس في العالم) في ذلك الوقت لم يكن أكاديميًا بحتًا، وإنما كان يسعى إلى إذابة العنصرية المتوارثة في ذلك الوقت في أوستن عمومًا من خلال دمج الطلبة معًا في النشاط الأكاديمي، فنجاح المجموعة يعتمد بشكل أساسي على نجاح كل طالب فيها بشرح الفقرة الخاصة به، والذي لن يصل إليه إلا إذا اندمج مع زملائه بشكل صحيح، هكذا يكون كل فرد من أفراد المجموعة الواحدة كقطعة صغيرة في لعبة تركيب صغيرة (المجموعة) تشكل معًا حل أحجية التركيب الكبيرة (المجموعات كلها).
-
العصف الذهني
تعتبر استراتيجية العصف الذهني أحد أهم استراتيجيات التعلم النشط وأكثرها شيوعًا، وغالبًا ما يتم استخدامها عن طريق طرح سؤال من قبل المعلم وإعطاء مدة زمنية محددة ومناسبة للطلبة للإجابة عنه، ثم يتم النقاش حول الإجابة في القاعة الصفية بشكل تشاركي، ومن المهم جدًا التعامل مع كل الأجوبة وعدم الاستخفاف بأي إجابة فالهدف من هذه الاستراتيجية بالتحديد هو استخراج كل ما يدور في ذهن الطالب من إجابات صحيحة كانت أو خاطئة، ليتم إيصال الإجابة الصحيحة بالنهاية بشكل مختلف.
-
لعب الأدوار
وهي من أكثر استراتيجيات التعلم النشط كسرًا للجمود، تعتمد هذه الاستراتيجية على اختيار موضوع محدد من قبل المعلم بما يخدم موضوع الدرس أو القيمة التي يسعى المعلم إلى إيصالها للطلبة، ثم يطلب من الطلبة تمثيل هذه الأدوار على أن يكون الأمر بشكل اختياري لا إجباري.
من المهم في هذه الاستراتيجية تحكم المعلم الجيد في التعامل مع ردود أفعال الطلبة على أداء الأدوار من قبل زملائهم وإيصال فكرة وجوب احترام ما يُطرح دون مشاحنات أو انتقادات قد تؤثر سلبًا في نفسية الطالب المشارك. من أهم إيجابيات هذه الاستراتيجة كسر رهبة المسرح أو الخروج إلى المنصة، التي يعاني منها العديد من الطلبة.
استراتيجية جيكسو من أكثر استراتيجيات التعلم النشط تأثيرًا وتحفيزًا للطلبة على مختلف مستوياتهم وقدراتهم الدراسية.
-
الأركان (الزوايا الأربعة)
تعتمد هذه الاستراتيجية على طرح المعلم لسؤال معين على أن يحدد المعلم أربع إجابات يدونها على أربع لوحات ويلصق كل لوحة في إحدى زوايا الصف، ثم يطلب من الطلبة اختيار إجابة واحدة ثم يتوجه الطالب إلى الزاوية التي تمثل إجابته، وفي كل زاوية يتناقش كل اثنين من الطلبة معًا في سبب اختيارهم للإجابة، وفي حال وجود طالب واحد عند الزاوية يُسأل عن إجابته المفضلة الثانية ليتناقش بها مع زميله، بعد ذلك يتم النقاش الجماعي حول الإجابات كلها للوصول إلى الحل الأنسب.
-
الرؤوس المرقمة
حيث يقسم المعلم الطلبة في مجموعات ويوزع على كل طالب رقمًا معينًا حسب عدد الطلبة في المجموعة، ثم يطرح سؤالًا، يعطي المعلم وقتًا محددًا للطلبة ليتم النقاش بشكل جماعي على مستوى أفراد المجموعة الواحدة ويتم اختيار الإجابة، بعد ذلك يبدأ المعلم بانتقاء أرقام عشوائية للإجابة عن السؤال.
كما هو واضح في المقال، فإن استراتيجيات التعلم النشط تعتمد بالدرجة الأولى على التفاعل الجماعي داخل القاعة الصفية في المدرسة أو الجامعة، حيث يعتبر تشكيل المجموعات أهم دعائم نجاحه، ولا بد من الإشارة إلى أهمية دور المعلم القيادي والإداري لضبط حلقة النقاش وضمان نجاحها.
تُعنى العديد من المؤسسات التعليمية والهيئات المنظمة لها بتأهيل المعلمين ليكونوا قادرين على استخدام أساليب التعلم النشط واستراتيجياته بحرفية وتقنية عالية من خلال عقد الدورات المختصة بهذا الأمر والإشراف الدائم على المدارس والاطلاع على تحديثات أساليب التعلم في المدارس والجامعات، إلا أن الأمر لا يزال إلى الآن في حدوده الأقل من المتوسطة، ربما لعدم تهيئة القاعات الصفية بشكل كامل بتكنولوجيا التعلم التي يجب توفرها لتحقيقه، أو بسبب إلزام المعلم بإنجاز المنهج المطلوب بوقت محدد يستحيل مع مدته الإمعان في استخدام أساليب التعلم النشط، فلا بد لنجاح الأمر من إعداد أسباب نجاحه أولًا كما يجب.