استمرت مسابقة الإبداع الشبابي التي تنظمها وزارة الثقافة الأردنية لقرابة خمسة عشر عامًا، فكانت بمثابة جهاز بحثٍ أوّلي للكشف عن الكثير من الأسماء الإبداعية التي باتت ذات رنين مألوف في أذن كل مهتم بالأدب الأردني اليوم. وهي جائزة تهدف إلى تكريم المبدعين من الشباب سنويًا، وفي حقول كثيرة منها الكتابة الإبداعية على اختلاف فروعها والتمثيل والعزف والفنون التراثية والرسم والمسرح.
كانت مسابقة الإبداع الشبابي داعمًا ومحفزًا لعدد كبير من المبدعين قبل أن تتخلى وزارة الثقافة الأردنية عنها
ومنذ البداية التي كانت في العام 2001، تقلّبت المُسابقة فلم تمتلك رؤية واضحة أو شكلًا مُوحّدًا يتكرر عامًا بعد عام بنسق منتظم، فكانت أحيانًا مخصّصةً للتمثيل والغناء والمسرح كما في العام 2006، وأحيانًا أخرى كانت خاصةً بفئتي الشباب والأطفال كما في العام 2004. ولا أحد ينكر أنّ الجائزة قدمت عددًا لا بأس به من الكتّاب الذين برزت أسماؤهم لأول مرة في مسابقة الإبداع وباتت اليوم أسماءً معروفةً في الوسط الثقافي، مثل محمد عريقات ومناهل العساف وعلي الزهيري وإيمان عبدالهادي وعامر الشقيري وعثمان المشاورة وصفوان قديسات وروان رضوان وسلطان القيسي وعبدالله الزيود، وحتى إن بعض الكتّاب الشباب كانوا قد نالوا جوائزهم عن فئة الأطفال مثل حسن الحلبي.
مسابقة الإبداع الشبابي كما تخيّلتها ذات يوم هي مسابقة تمهّد طريق غير سهلة "لمشروع" المبدع الأردني، فتدمجه في المجتمع الثقافي، تبدأ باستقطاب أعداد ليست بالقليلة لتكرمهم وتهبهم الدرع والمكافأة المالية ثمّ تستمر معه ببرنامج رعاية مكثّف، فيتلقوا الدورات ويحضرون اللقاءات وما إلى ذلك. حتّى أنني تخيلت أنهم يحصلون على علبة ضخمة مليئة بالكتب من "ذوات النوع الدسم"، ومع الوقت سيترك عدد ليس بالقليل منهم، لكن بالنهاية سينضج الباقون، ليصبح هؤلاء الشبيبة كتّاب المستقبل ووديعة تأمين تحرص وزارة الثقافة عليها. لكن كل هذا كان محض خيال، فوزارة الثقافة تعطي الفائز ظهرها فور انتهاء حفل التكريم، وربما للأمانة إن حاول الفائز النشرَ وبإصرار قد تنشر الوزارة له عمله الفائز! على الأقل هذا ما حصل معي، لكن، حد علمي، لم تتكرر هذه التجربة مع غيري.
نستطيع أن نقول إنّ المسابقة، التي تخلّت الوزارة مؤخرًا عنها، كانت تشكل داعمًا ومحفزًا لعدد كبير من المبدعين وصل عددهم إلى خمسين فائزًا توزعوا على ثمانية فروع في العام 2004، ثمّ صارت أكثر تخصيصًا مع مرور الوقت فتم استثناء العديد من الفروع كالتمثيل والعزف والفنون التراثية والرسم والمسرح، وفي العام 2014، آخر إصدارات المسابقة، خصصت فقط للقصة القصيرة والشعر والرواية وهذه الأخيرة لم تُمنح لأحد، بحجة عدم بلوغ الأعمال المقدمة المستوى المطلوب، لكنها اليوم تحولت إلى شكل جديد.
وفي هذا الصدد يرى القاص عامر الشقيري أنّ هذه المسابقة كانت غامضة من حيث المعايير، وربما هذا شعور مبرر نتيجة عدم نشر الأعمال الفائزة، فظلت النصوص مجهولة ما لم ينشرها أصحابها بطرقهم الخاصة، كما تتقلب الجائزة عامًا بعد عام، فلم تستمر بنسق واحد. بينما يقول الشاعر مروان البطوش إن "وجود مثل هذه المسابقة في الوضع الثقافي الممحل، إلى حد ما، شيء جيد، وهو يرى أنها حيادية وموضوعية في التقييم"، أما بالنسبة لكونها محصورة بين سن الثامنة عشر والثلاثين في غالب إصداراتها، فهو يرى أن الاسم "الإبداع الشبابي" غير دقيق، فالإبداع ليس له عمر، فهو ضد تخصيص عمر محدد للجائزة إلا من باب التشجيع. ويُؤكد الشاعر سلطان القيسي أن "الجائزة كانت حافزًا جيدًا للشباب، ومؤشرًا على اهتمام الدولة بالثقافة، وغيابها يساوي عكس ذلك".
مسابقة الإبداع الشبابي أصبحت في خبر كان، وحل مكانها حسب إعلانات وزارة الثقافة ما يسمى بــ"جوائز وزارة الثقافة للإبداع" والتي تمنح في فروع عديدة ومتنوعة، وما لا شك فيه أن معايير هذه الجائزة أوضح وأكثر شمولًا فهي جائزة أكثر نضوجًا من حيث شمولية فروعها ومعايير التحكيم فيها. ولسنا هنا في صدد بحث مدى جدواها فهي مقبولة من حيث الشكل العام والتعليمات والتي لم نرَ بعد خيرها ولا نعرف عما سوف تسفر في المستقبل!
غير أنه من الواضح تخبط الوزارة في الإعداد لهذه الجائزة، فقد أعلنت عنها أكثر من مرة، ثم نجدها تعود لتقوم بإيقافها، حتى أعلنت عنها في المرة الأخيرة. كما أنّ الجائزة الجديدة تدمج أكثر من جنس أدبي للتنافس في فرع من فروعها دون مراعاة للاختلاف بين المواضيع والأجناس، وهذا ما تؤكده القاصة روان رضوان فهي تعتقد أن وضع الرواية والقصة والسيرة، مثلًا، في حقل واحد في المسابقة الجديدة هي خطوة لا تدل على الذكاء، فكيف يتوقع المنسقون لهذه الجائزة أن تُفاضل لجنة التحكيم بين القصّة والرواية والسيرة الذاتية وكل عمل ينتمي إلى جنس أدبي مختلفٍ تمامًا! كما أن جائزة الإبداع الشبابي، بحسب رضوان، "كانت جيدةً وقد استقطبت فئة عمرية مهمة فالنصوص المشاركة غالبًا ما تكون أول نتاج الشباب الفائزين بها، وهي تظن أنها الجائزة الأفضل على الصعيد المحلي والتي تتحلى بالشفافية"، لكن بالنسبة لإلغائها هذا العام فهذا يعني، حد قولها، "انقطاع آخر رابط بين وزارة الثقافة والشباب".
اعتبر البعض أن مسابقة الإبداع الشبابي غامضة من حيث المعايير ويبررون ذلك بعدم نشر الأعمال الفائزة
كما أنّ تأسيس الجائزة الجديدة لا يبرر الاستغناء عن جائزة الإبداع الشبابي التي عرفناها، لماذا لا تُتْرَك مسابقة الإبداع الشبابي على حالها كجائزة مستقلة لفئة الشباب! فمن حيث الدعم المادي لم تكن هذه المسابقة تكلف خزينة الوزارة أكثر من ألفي دينار أردني (أقل من ثلاثة آلاف دولار أمريكي) كحد أقصى للفائزين، بينما ستكلف هذه الجائزة الجديدة مائة ألف دينار أردني منها خمسة وخمسين ألف دينار (أكثر من سبعة وسبعين ألف دولار أمريكي) للفائزين، ومن حيث الأعمار كانت الأولى مقتصرة على فئة الشباب بينما هذه مفتوحة، فحتّى الأموات يستطيعون المشاركة بأعمالهم غير المنشورة عبر أحد ورثتهم.
ختامًا، كل اسم فاز بمسابقة الإبداع الشبابي هو مشروع مبدع أردني، صحيح أنّ بعض الأسماء لم تبرز فتلاشت كالغبار الكوني، وهذا متوقع، فإن بعضهم الآخر حاول ولا يزال يحاول ليحظى ببقعة ضوء يقف عليها، فيظهر على الصعيد المحلي والعربي، وبعضهم يقف اليوم على أرض صلبة، لكن الأكيد أنهم ليسوا أبناء الوزارة كما كان يجب أن يكون لو تبنتهم الوزارة بعد اكتشافهم.
وبعد أن صارت مسابقة الإبداع الشبابي في ذمة الله نتساءل، من الذي سيكشف عن الأسماء الجديدة في الحقول الإبداعية؟ ومن سيبحث عنهم ليبدؤوا مشوارهم؟ أنا وكثير من الشباب الأردني بدأنا من الإبداع الشبابي ونعرف كم كانت مهمة في ذاتنا، فكانت تؤكد لنا أننا نستحق، وأن طريقًا رسمناه بصمت قد بدأ يظهر إلى العلن. فمن لشباب المستقبل عندما تنسحب الوزارة من إطار الداعم الأول؟ من لهم وقد بات الغث والسمين قابلاً للنشر؟ ربما كانت مسابقة الإبداع الشبابي بحاجة إلى الكثير من التحسينات الداخلية، لكن هذا لا يبرر أمر الهدم. بعد كل هذه الأسئلة يرن في رأسي سؤال واحد: هل من مجيب؟ أم لا حياة لمن أنادي؟
اقرأ/ي أيضًا: