في ساعة متأخرة من مساء اليوم السبت 20 آب/أغسطس 2016، أعلن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة المكلف في تونس، عن تركيبة حكومته المقترحة وهي تضم 26 وزيرًا و14 كتاب دولة. وهي من حيث العدد مشابهة للحكومات السابقة، إذ ضمت حكومة الحبيب الصيد، مثلًا، 28 وزيرًا و14 كاتب دولة، أما حكومة المهدي جمعة فقد ضمت 21 وزيرًا و7 كتاب دولة وتكونت حكومة علي العريض من 27 وزيرًا و11 كاتب دولة.
تضم تركيبة حكومة يوسف الشاهد المقترحة 26 وزيرًا و14 كتاب دولة دون تغيير وزارات الداخلية والخارجية والدفاع
وجاء في خطاب الشاهد المقتضب للإعلان عن تركيبة حكومته المقترحة أنها "أخذت بعين الاعتبار الأولويات المعلنة في خطاب تكليفه يوم 3 آب/أغسطس الجاري"، وأنها "حكومة سياسية بامتياز مع حضور مميز للمرأة والشباب"، حسب تعبيره. وتضم حكومة الشاهد 8 مناصب نسائية بين وزيرات وكتاب دولة، تضطلع بعضهن بوزارات حساسة ومهمة كالمالية والطاقة، و14 منصبًا للشباب، 5 منها لمسؤولين دون 35 سنة.
اقرأ/ي أيضًا: رسميًا الشاهد رئيسًا للحكومة في تونس ومواقف مختلفة
لا تغيير في "وزارات السيادة" ما عدا العدل
من الملحوظ، في قراءة أولى لحكومة الشاهد المقترحة، إبقاؤه على نفس وزراء الصيد في الدفاع والخارجية والداخلية، وهي الوزارات المعروفة بـ"وزارات السيادة". أما وزير الداخلية فهو الهادي المجدوب، وهو من مواليد 1969، متحصل على الأستاذية في العلوم القانونية، وعلى شهادة المرحلة العليا من المدرسة الوطنية للإدارة وهو من خريجي معهد الدفاع الوطني، وسبق له أن شغل خطة كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون المحلية. وكان الإبقاء على المجدوب منتظرًا، نظرًا لاستحسان تطور الوضع الأمني في البلد، في عهده، إضافة إلى رغبة معظم الفاعلين السياسيين في تونس في "تحييد" هذه الوزارة عن الانتماءات الحزبية الواضحة.
لكن الشاهد غيًر وزير العدل، ليؤول المنصب إلى غازي الجريبي. والجريبي من مواليد 1955، هو قاض إداري متحصل على الأستاذية في القانون العام، وقد اضطلع بخطة وزير الدفاع الوطني في حكومة مهدي جمعة. وزير الشؤون الخارجية، خميس الجهيناوي، حافظ من جانبه على منصبه. والجهيناوي من مواليد 1954، متحصل على شهادة الدراسات العليا في القانون العام وشهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية وفي العلاقات الدولية كما أنه متحصل على شهادة الكفاءة في مهنة المحاماة. وقد رافق تعيين الجهيناوي ضمن حكومة الصيد في شباط/فبراير السابق جدلًا واسعًا، إذ سبق للرجل أن شغل خطة رئيس مكتب العلاقات مع الكيان الصهيوني في تل أبيب زمن بن علي وتحديدًا في التسعينيات. لكن الجهيناوي يحظى بثقة الرئيس قائد السبسي فقد قام بتعيينه في عدة مناصب متتالية رغم كل الانتقادات التي طالته، إذ اضطلع بمنصب مستشار دبلوماسي لرئيس الجمهورية، وقبل ذلك بمنصب كاتب دولة للخارجية في الحكومة الانتقالية الأولى بعد الثورة والتي ترأسها حينها قائد السبسي.
ويلاحظ أيضًا عدم تغيير وزير الدفاع الوطني، ويواصل بذلك فرحات الحرشاني الاضطلاع بهذه المهمة، وقد ولد الحرشاني سنة 1953، وهو أستاذ قانون وكان عميدًا لكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وهو حائز على دكتوراه دولة في تونس ورئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري. كما أنه قاض في محكمة الاستثمار العربية وخبير لدى الأمم المتحدة.
تضم حكومة الشاهد 8 مناصب نسائية وتضطلع بعضهن بوزارات حساسة ومهمة كالمالية والطاقة و14 منصبًا للشباب
اقرأ/ي أيضًا: تونس بعد الثورة..7 رؤساء حكومات واستحقاقات متشابهة
تمثيل أعلى للمرأة ووجوه نسائية جديدة
خصص الشاهد في تركيبة حكومته المقترحة 8 مناصب للنساء، بين وزارات وكتاب دولة، وكانت معظمها أسماء جديدة تدخل الحكومة للمرة الأولى. إذ ستضطلع لمياء الزريبي بوزارة المالية، والزريبي من مواليد 1961، عينت في عهد الصيد ككاتبة دولة لدى وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وهي محرزة على الإجازة في العلوم الاقتصادية شعبة التخطيط، من كلية الحقوق والعلوم السياسة والاقتصادية بتونس. بينما ستترأس هالة شيخ روحو، وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، وهي من الأسماء غير المألوفة في مناصب السلطة في تونس، كانت عُينت سنة 2013 كمديرة تنفيذية للصندوق الأخضر للمناخ واختيرت السنة الماضية كإحدى أبرز نساء إفريقيا من قبل استفتاء لصحيفة لوموند الفرنسية. وهي متحصلة على شهادة الأستاذية في المالية وماجستير من جامعة مونتريال الكندية.
وأسندت وزارة المرأة والأسرة والطفولة لنزيهة العبيدي، وهي من الأسماء المقترحة من قبل حزب المبادرة، ولم يسبق لها أن اضطلعت بعد الثورة بمنصب حكومي بارز، ويعتبر وجود اسمها ضمن تركيبة حكومة الشاهد، مساندة الحزب الذي رشحها منطقيًا لهذه الحكومة، وهو حزب المبادرة الذي يترأسه كمال مرجان، آخر وزراء خارجية بن علي وأحد المقربين من الباجي قائد السبسي. وعينت ماجدولين الشارني، كوزيرة للشباب والرياضة، وهي التي حظيت سابقًا بكتابة الدولة المكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة في حكومة جمعة، وخلق آداؤها استنكار المجتمع المدني الناشط في ملف شهداء وجرحى الثورة التونسية. وحظيت فاتن القلال، وهي من الأسماء المقترحة من حزب آفاق تونس، بكتابة الدولة لدى وزيرة الشباب والرياضة المكلفة بالشباب. فيما آلت كتابة الدولة في وزارة التكوين المهني والتشغيل المكلفة بالتكوين المهني والمبادرة الخاصة لحزب النهضة، وتحديدًا لإحدى قيادات النهضة الشابة البارزة، وهي سيدة الونيسي، ذات 29 سنة وهي أصغر الأسماء المعلنة في حكومة الشاهد.
وحافظت كل من سلمى الرقيق وسميرة مرعي على المنصب الوزاري، بقيت الرقيق في وزارة السياحة والصناعات التقليدية، التي اضطلعت بها في عهد الصيد، وهي من مواليد 1956، متحصلة على الإجازة في التصرف والتسويق، ومن القيادات البارزة في نداء تونس. أما سميرة مرعي، فانتقلت من وزارة المرأة إلى إحدى الوزارات الأكثر إثارة للجدل مؤخرًا في تونس وهي وزارة الصحة. يشار إلى أن مرعي من مواليد 1963، وهي سياسية في حزب آفاق تونس وطبيبة مختصة في أمراض الرئة.
حضور الجمهوري والمسار وأسماء مقربة من اتحاد الشغل وحركة الشعب
منذ حكومة الغنوشي الثانية، غابت أسماء من حزبي المسار الاجتماعي، منبثق من حركة التجديد سابقًا، والحزب الجمهوري، الحزب الديمقراطي التقدمي سابقًا، عن الحكم في تونس تقريبًا، لكن حكومة الشاهد ستشهد عودة هذين الحزبين من خلال ممثلين هما سمير بالطيب وإياد الدهماني.
وعُين بالطيب وزيرًا للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، وهو أمين عام حزب المسار الاجتماعي، من مواليد 1957، وهو أستاذ قانون عام وعلوم سياسية بكلية الحقوق والعلوم السياسية. أما الدهماني فعُين وزيرًا مكلفًا بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، وهو من مواليد 1977، وعضو مجلس نواب الشعب الوحيد عن الحزب الجمهوري. وحضر اسم مبروك كرشيد، المحامي القومي المقرب من حركة الشعب، في منصب كاتب دولة لدى وزير المالية مكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية.
كما شهدت تركيبة حكومة الشاهد حضور إسمين، من الذين انتموا للاتحاد العام التونسي للشغل وكانت لهم مناصب قيادية زمن بن علي في الاتحاد، ولهم إلى اليوم مساندون في أكبر منظمة نقابية في تونس. وتعتبر هذه مفاجأة الشاهد الكبرى، التي قد تضمن لحكومته هدنة اجتماعية، طالما حرصت عليها الحكومات السابقة.
وفي هذا السياق، تم تعيين عبيد البريكي، وزيرًا للوظيفة العمومية والحوكمة، والبريكي كان واحدًا من أبرز القياديين النقابيين وناطقًا رسميًا للاتحاد قبل الثورة وتعرض لنقد واسع بعد 14 يناير 2011، وهو من القيادات القديمة المعروف للوطد(حزب يساري). وقد كان خلال السنوات الماضية في رحلة عمل في بيروت كمسؤول عن برنامج ومستشار لدى منظمة العمل العربية طيلة أربع سنوات. إلى جانب البريكي، تم تعيين محمد الطرابلسي، وزيرًا للشؤون الاجتماعية، وهو نقابي سابق بالاتحاد العام التونسي للشغل. وكان الطرابلسي قد شغل منصب عضو للمركزية النقابية قبل أن يتم انتخابه كاتبًا عامًا لنقابة موظفي وإطارات منظمة العمل الدولية. وشغل لسنوات عديدة خطة كبير مستشاري منظمة العمل العربية في القاهرة وتم سنة 2008 إلحاقه للعمل بمنظمة العمل الدولية.
شهدت تركيبة حكومة الشاهد حضور إسمين من الذين انتموا سابقًا للاتحاد العام التونسي للشغل وممثلين عن المسار والجمهوري
نداء تونس.. تمثيل محترم ولكن
كان من أسباب تغيير الحبيب الصيد، غير المعلنة مباشرة، تعويله على بعض الوزراء من حزب نداء تونس لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وكان بالتالي من المنتظر ارتفاع عدد الوزارات المقدمة لنداء تونس، لكن ظاهريًا يحظى نداء تونس بـ3 وزارات هي النقل، عبر بقاء أنيس غديرة في منصبه، وهو من مواليد 1974 ومن قيادات نداء تونس، إضافة إلى وزيرة السياحة سلمى الرقيق ووزير التربية الذي حافظ على منصبه ناجي جلول، رغم كل ما تثيره قرارات الرجل من ثناء البعض واستنكار البعض الآخر. وجلول من مواليد 1957، كان عضوًا في المكتب السياسي للحزب الجمهوري قبل أن يستقيل منه لينضم إلى نداء تونس، وكان قد تردد اسمه لرئاسة هذه الحكومة.
إضافة إلى الوزارات الثلاث، حظي نداء تونس بعدد من كتابات الدولة، فيُعرف عن كاتب الدولة للشؤون المحلية شكري بلحسن، أنه قيادي في نداء تونس، وكان محافظًا للقيروان، وكاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة فيصل الحفيان، يبلغ من العمر 35 سنة، وكان من أصغر المكلفين بمهمة في ديوان رئاسة الجمهورية. من الملاحظ أيضًا أن عديد الأسماء الأخرى على مستوى كتابات الدولة أو على مستوى الوزارات مقربة أيضًا من حزب نداء تونس ككاتب الدولة لدى وزير النقل هشام بن أحمد، وهو الذي كان محافظًا على المهدية، وتتفق عديد الأسماء المرشحة مع هذا الحزب في عديد التوجهات الاقتصادية والسياسية، لكن مباشرة بعد الإعلان عن تركيبة حكومة الشاهد المقترحة، بدأ التململ في أوساط الندائيين وقد تكشف الأيام القادمة عدم رضا جزء منهم على نصيب الحزب من الحقائب الوزارية.
النهضة: وزارتان وكتابة دولة فهل هذا المنتظر؟
تُمثل النهضة في حكومة الشاهد، بكتابة الدولة للسيدة الونيسي، أصغر المسؤولين في الحكومة، إضافة إلى وزير الصناعة والتجارة زياد العذاري، وهو محام وخبير في القانون الدولي، من مواليد 1975، كان يشغل في حكومة الصيد وزارة التشغيل وهو يشغل حاليًا منصب أمين عام حركة النهضة. وحظي عماد الحمامي بوزارة التكوين المهني والتشغيل، والحمامي من مواليد 1964، قيادي صاعد في النهضة. ويعتبر الرجلين من الأسماء التي تراهن عليها النهضة في المستقبل، خاصة مع إعلانها فصل الدعوي عن السياسي، لكن الحزب الذي أعلن أنه سيطالب، خلال المفاوضات، بعدد وزارات يتماشى مع نتائج الانتخابات، قد لا تكون قواعده راضية على هذه الحصيلة المعلنة.
هكذا هي الملامح الأولى لحكومة الشاهد، التي من المنتظر أن تعرض على مجلس نواب الشعب، في جلسة عامة استثنائية في قادم الأيام، أملًا في أن تحظى بنيل ثقة 109 نائبًا على الأقل من مجموع 217 نائبًا. هذه الحكومة التي أطلق عليها قائد السبسي، حكومة الوحدة الوطنية، في إشارة إلى توحد الفاعلين في الشأن السياسي حولها، شكك الكثيرون في أن تتوفر فيها أسماء من خارج الرباعي الحاكم القديم، لكنها تبرز الآن بممثلين، ولو بقلة، عن أحزاب المبادرة، الجمهوري والمسار ومقربين من أحزاب أخرى ومن اتحاد الشغل، مع غياب ملحوظ لحزب الاتحاد الوطني الحر، أحد أطراف الرباعي الحاكم.
اقرأ/ي أيضًا: