تعد جماعة "فتيان التلال" واحدة من أخطر الجماعات الإسرائيلية المتطرفة، حيث تعمل على فرض الاستيطان في الضفة الغربية عبر قتل الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم، وقد استدعت أعمالهم الإجرامية فرض عقوبات أميركية على بعض الوجوه البارزة في هذه الجماعة، وذلك في السابع من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم.
كما سبق للاتحاد الأوروبي ودول أخرى، بينها بريطانيا وأستراليا، أن فرضت عقوبات مشابهة على الجماعة الإسرائيلية ذات العلاقة الوطيدة بالحكومة الإسرائيلية، وعلى نحو خاص زعيم حزب الصهيونية الدينية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يقود مشروع ضم الضفة الغربية وتوفير الغطاء الرسمي للمستوطنين والمتطرفين لتنفيذ خطة الضم.
لكن من الملاحظ أن مثل هذه العقوبات تبقى محدودية الفعالية، نظرًا لأن جماعة فتيان التلال" ليست منظمة رسمية، وإن كانت تتلقى الرعاية من أحزاب ووجوه حكومية معروفة، كان من الأصوب أن تشملها تلك العقوبات لتحقق الفعالية المطلوبة.
تحظى جماعة شبان التلال بدعم من وجوه بارزة في حكومة نتنياهو على رأسهم سموتريتش وإيتمار بن غفير
يشار إلى أن وزارة الخزانة الأميركية بررت عقوباتها المفروضة على شبان التلال بأنها "جماعة متطرفة عنيفة، تهاجم الفلسطينيين بشكل متكرر وتدمر منازل وممتلكات فلسطينية في الضفة الغربية"، وأضاف البيان الأميركي حينها "من خلال هذه الأنشطة العنيفة تعمل حركة شبان التلال بنشاط على زعزعة استقرار الضفة الغربية والإضرار بسلام وأمن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء".
وأكد بيان الخزانة الأميركية أن "حرك فتيان التلال دمرت بلدات فلسطينية ونفذت عمليات قتل وحرق جماعي وغيرها من الهجمات التي يطلق عليها تدفيع الثمن، للانتقام وترهيب المدنيين الفلسطينيين".
وأوردت الخزانة الأميركية كنموذجٍ الهجوم الذي نفذه "فتيان التلال" في بلدة المغير الفلسطينية في 12 نيسان/إبريل 2024، حيث أشعلوا النار في منازل ومبانٍ ومركبات، واعتدوا على سكان القرية، ونهبوا الممتلكات، بما في ذلك الماشية وقتلوا فلسطينيًا.
وقبل ذلك، نفذت ذات الجماعة المتطرفة في حزيران/يونيو 2023 "هجومًا مماثلًا في بلدة ترمسعيا بالضفة الغربية، أسفر عن مقتل فلسطيني آخر وإصابة آخرين".
النشأة والآباء الروحيين والعقيدة الفكرية
أعلن عن تأسيس "فتيان التلال" في العام 1998، ويمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و26 عامًا أغلب أعضائها، حيث يكرس هؤلاء أنفسهم للإقامة في بؤر استيطانية على رؤوس تلال تطل على القرى الفلسطينية، تاركين بذلك مدارسهم ومنازلهم. ومن هؤلاء انطلقت نواة جماعة أخرى هي "جماعة تدفيع الثمن"، وتتقاسم الجماعتان أفكار "أرض إسرائيل الكبرى"، واتخاذ العنف وسيلة لتطهير الأرض من سكانها الفلسطينيين عبر القتل وتدمير الممتلكات ونقل ملكيتها إلى المستوطنين.
ويقول عدد من المنخرطين في "فتيان التلال" و"جماعة تدفيع الثمن" إنهم امتداد لجماعة أخرى هي "غوش إيمونيم" التي تأسست عام 1947، أي قبل إعلان دولة إسرائيل، ونشطت بعد نكسة 1967، فيما تركز جُل جهودها على الاستيطان وتصعيده حتى تتعذر على الفلسطينيين العودة إلى الضفة الغربية.
تتم تربية "شبان التلال" وأعضاء "جماعة تدفيع الثمن"، حسب شهادات بعضهم على وصايا استيطان "أرض إسرائيل الكبرى وأفكار الحاخام إبراهام كوك"، الذي يعد أحد آباء هذه الحركة الروحيين وملهما الأول، وهو من مواليد لاتفيا عام 1865، ووصل فلسطين مهاجرًا في العام 1904 حيث عين حاخامًا في يافا. وكان، حسب المصادر، من المساهمين في تذليل العقبات أمام إصدار إعلان بلفور 1917.
بالإضافة إلى المبدأ السابق، يتبنى "فتيان التلال إلى الخطاب الديني القومي الذي يقوم على استيطان الأرض وبناء شعب المنفى وضرورة استخدام العنف لطرد الفلسطينيين بشتى السبل بما في ذلك القتل".
يشار إلى أنه في العام 2010 صدرت مجموعة من الفتاوى ضمن مؤلف بعنوان "شريعة الملك.. شريعة قتل الأغيار"، تُجيز قتل الأطفال الرُضَع أو الجنين في بطن أمه. فبحسب عقيدة جماعة "فتيان التلال" يسمح في الحرب بقتل "الرجال والنساء والأطفال والمسنين"، وهو ما شدد عليه أحد حاخامات الجماعة المدعو دوف ليئور، خلال حرب الإبادة في غزة.
في عقيدة "فتيان التلال" يسمح بقتل الرجال والنساء والأطفال والمسنين خلال الحرب
يشار أيضًا إلى أن أعضاء الجماعة يتلقون تعاليمهم بشكل يومي من الحاخامات في أماكن إقامتهم في تلال الضفة الغربية ومستوطناتها.
حاليًا، يعد الحاخام دوف ليئور الأب الروحي لجماعة "فتيان التلال"، ومن المعروف عن ليئور التزامه بما يسمى "الحق التوراتي"، وسعيًا إلى ذلك خطط في السابق لتفجير قبة الصخرة واستهداف حافلات الفلسطينيين بالقدس المحتلة، كما تولى رعاية منظمات إرهابية يهودية بهدف تسريع وقوع ما يسميها "الحرب الأخيرة" التي ستؤدي للقضاء على العرب وقدوم "المخلص" بالمفهوم التوراتي.
كما يعد الحاخام حاييم يروحام، وهو والد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أحد الآباء الروحيين لجماعة "فتيان التلال" المتطرفة، ويتولى تقديم دروس دورية لأعضاء الجماعة داخل معسكرات تدريب تقام على أراضي فلسطينية محتلة.
وبفعل نشاطها العنيف والمنظم، تمكنت جماعة "فتيان التلال" حتى الآن من إقامة 170 بؤرة استيطانية، وذلك على مرأى ومسمع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. بل إن الهجوم الكبير الذي نفذته الجماعة على مدينة اللد عام 2021 تم بمشاركة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وتحظى الجماعة الحالية من خلال وجود سموتريتش وبن غفير في السلطة بدعمٍ حكومي واضح، فالوزيران المتطرفان وأعضاء من حزبيهما "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية"، يمثلون نموذجًا على تغلغل الجماعة في أجهزة دولة الاحتلال.
ولا يقتصر الدعم الحكومي للجماعة على هذا المستوى، بل حظيت أيضًا بدعم "الليكود" في فترات تاريخية مختلفة، حيث وافقت حكومة الليكود عام 1977 على مشروع إنشاء 12 مستوطنة في الضفة الغربية قدمته حركة "غوش إيمونيم التي تعد شبان التلال امتدادًا لها"، وهو ذات المشروع الذي رفضته حكومة "العمل".
يشار إلى أن جماعة "فتيان التلال" تشن حاليًا هجمات ضد الفلسطينيين بالتنسيق مع جيش الاحتلال وشرطته.
وعندما قامت واشنطن بفرض عقوبات على 3 مستوطنين من جماعة "فتيان التلال" في آذار/مارس الماضي، بسبب أعمال عنف وإرهاب ضد الفلسطينيين في الضفة، انبرى وزراء في حكومة نتنياهو للدفاع عنهم، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي دون على منصة إكس قائلًا "ما تقوم به الإدارة الأميركية دليل آخر على أنها لا تفهم من العدو ومن الحبيب، والمستوطنون خير أبنائنا الذين يبنون ويجلبون أمن البلاد، فهم يستحقون التحية وليس سكينًا في الظهر".