"تحقيقات، أصوات التعذيب، "الرجالة بتصوت"، "أنا لوحدي.. مفيش بنات تانية هنا"، تهديدات، رعب، "مش قادرة أحكي لكنها تجربة مرعبة"، كانت هذه بعض ما تضمنته رسالة الطالبة بالسنة الثانية بكلية الآداب إسراء الطويل، بعد فترة إخفاء قسري بلغت ستة عشر يومًا، بحسب ما ذكره والدها محفوظ الطويل لـ"ألترا صوت".
إخفاء الطلاب في مصر دون الإفصاح عن أماكن احتجازهم، يذكرنا بهتلر أول من ابتكر جريمة "الإخفاء القسري" في القرن العشرين، ليتخلص من معارضيه
يحكي محفوظ ما عانته "إسراء" وأسرتها خلال فترة اختفائها، وعدم تمكنهم من التعرف على مكان احتجازها، رغم مخاطبة وزير الداخلية بشكل رسمي، ونفيه وجود "إسراء" لدى الأجهزة الأمنية. ويشير محفوظ إلى أن "إسراء لم يكن لها انتماء سياسي وهي تعاني من مرض في رجليها جراء إصابتها برصاصة قوات الأمن، يوم الخامس والعشرين من يناير، أدت إلى شلل مؤقت في قدميها". ويضيف والد إسراء أنها "تم اعتقالها يوم الأول من يونيو/حزيران الماضي، وظلت مجهولة المكان حتى ظهرت يوم السادس عشر من يوليو/تموز، وتم تأكيد أن تهمتها الانضمام إلى جماعة محظورة".
وترتفع حالات "الاختفاء القسري" في مصر كل يوم، حتى أصبحت قضية كاشفة لما ترتكبه السلطة من انتهاكات بحق المعارضين لها خلال العاميّن المنصرميّن، فإخفاء طلاب داخل أقبية جهاز الأمن الوطني دون الإفصاح عن أماكن احتجازهم، يذكرنا بـ"أدولف هتلر"، أول من ابتكر جريمة "الإخفاء القسري" في القرن العشرين، ليتخلص من معارضيه. وبما أن الطلبة هم وقود الحركة الثورية في مصر، فكان لهم نصيب كبير بتطبيق "ميكانزمات" قمع هتلر عليهم من قبل نظام عبد الفتاح السيسي.
فبحسب إحصائية لمرصد طلاب حرية، فقد وصل عدد الطلبة المختفين قسريًا منذ يوليو/تموز 2013 وحتى أغسطس/آب 2015 إلى أربعمائة وواحد وعشرين حالة إخفاء قسري، منهم ثلاثمائة وثمانية وتسعون طالب وثلاث وعشرون طالبة. ويعتبر المرصد الاختفاء القسري بحق الطلاب "جريمة إنسانية" يرتكبها النظام المصري ضد الطلاب، طبقًا للمواثيق الدولية الصادرة من الأمم المتحدة.
الاختفاء القسري.. لا عقوبة في مصر!
يقول أسامة خليل، المحامي بمركز هشام مبارك، إنه "لا يوجد توصيف كامل في القانون المصري لجريمة الاختفاء القسري، ما يجعل إثبات حالات اختطاف الأمن للطلاب دون إثبات". ويضيف أسامة: أن "هناك العديد من البلاغات المُقدمة للنائب العام المصري عن حالات اختفاء قسري في صفوف الطلاب وآخرين، لكن لم ينظر فيها لعدم وجود أدلة إثبات، أو نظرًا لمعلومات لدى جهات التحقيق عن وجود الحالات لدى الأمن الوطني".
ويؤكد الباحث القانوني أن "القانون المصري يفرض على الدولة مراعاة الطلبة خلال فترة الاعتقال، بتوفير أماكن مناسبة للدراسة، وتوفير وسائل النقل لحضور امتحاناتهم. لكن ما يحدث عكس ذلك، فالنظام يتعمد التضييق على الطلبة، وعدم اجتيازهم الامتحانات، ووضعهم في أماكن احتجاز غير إنسانية، فضلًا عن إخفائهم قسريًا وعدم الإفصاح عن أماكن احتجازهم".
ويوضح أسامة خليل لـ"ألترا صوت"، أن "مصر لا تلتزم بالمواثيق الدولية التي تحد من جريمة الاختفاء القسري. كما أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطلاب ليس لديها إمكانية رصد ومتابعة ومنع النظام المصري في هذا الموضوع".
بلغ عدد الطلبة المختفين قسريًا منذ يوليو/تموز 2013 وحتى أغسطس/آب 2015 إلى 421 حالة إخفاء قسري، منهم 398 طالب و23 طالبة
وتنص الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري على "عدم جواز تعريض أي شخص للاختفاء القسري سواء بالاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية الذي يتم على أيدي موظفي الدولة". ويجرم القانون المصري، طبقًا للمواد 40، 42، و43 من قانون الإجراءات الجنائية، القبض على إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة، وعدم حبس شخص إلا في سجون الدولة الرسمية، مع تكليف أعضاء النيابة العامة بالإشراف على تلك السجون، بالإضافة لانتداب النيابة للتحقيق في الشكاوى المتعلقة بهذا الإطار."
الاختفاء القسري.. إخماد للحركة الطلابية
من جهته، يقول مختار منير، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لـ"ألترا صوت": إن "النظام يعتمد على سياسة الاختفاء القسري في صفوف الطلبة لاجتثاث الحراك الثوري داخل الجامعات، وتحييد أي شكل من أشكال التهديد للسلطة". ويضيف: "السلطة تحاول الحد من مشاركة الشباب في المجال العام، وتأميم المجتمع المدني عبر تطوير وسائل قمع الأجهزة الأمنية للدولة".
ويشير مرصد طلاب حرية، إلى أن السلطة ترتكب العديد من الانتهاكات في حق الطلاب لإخماد الحراك الطلابي، وتجفيف منابعه من المجتمع المصري. ويوضح المرصد أن مؤشر أعداد قتلى الجامعات وصل إلى مائتين وثمانية وعشرين شخصًا منذ الثالث من يوليو/تموز عام 2013 وحتى الحادي عشر من فبراير/شباط عام 2015، بالإضافة إلى تجاوز عدد المعتقلين ثلاثة آلاف وخمسمائة طالب وطالبة، وأكثر من سبعمائة وعشرة طلال مفصولين من الجامعات المصرية.
رد السلطة.. لا يوجد "اختفاء قسري" في مصر
وفي أكثر من مناسبة، نفت الأجهزة الأمنية وجود أي حالات اختفاء قسري لديها. فيقول مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان اللواء صلاح فؤاد، في تصريحات سابقة للوكالة المصرية الرسمية: "أقولها متحديًا لا مُبررًا أو موضحًا، وبكل ثقة، لا يوجد اختفاء قسري في مصر لأي شخص، ومن يزعم خلاف ذلك عليه تقديم الدليل". ويضيف صلاح فؤاد: "أحب أن أوضح أنه إذا كانت الحرية مكفولة لأي شخص فمن حق الدولة في حالات معينة سلب هذا الشخص حريته إذا خرج عن القانون."
وردت حملتا "الحرية للجدعان" و"أوقفوا الاختفاء القسري"، في بيان على تصريحات مساعد وزير الداخلية: "حينما يصرخ الأهالي من وقائع اختطاف أبنائهم، فهم يتهمون وزارة الداخلية بشكل مباشر بالمسؤولية عن تلك الجريمة، ومن غير المتوقع أن تعترف أي جهة بجريمتها، مثلما أنكرت الداخلية من قبل وجود تعذيب ووجود قناصة ووجود خرطوش ووجود معتقلين". ووصل العدد الإجمالي للمختفين قسريًا منذ يوليو/تموز 2013 حتى أغسطس/آب 2015 إلى أكثر من ألف وثلاثمائة حالة، طبقًا لما أصدرته التنسيقية المصرية للحقوق والحريات.
اقرأ/ي أيضًا: