15-أغسطس-2024
صورة جوية للدمار في قطاع غزة

أظهرت إسرائيل عدوانية غير متفهّمة في الحرب على غزة (الأونروا)

تصدّت مجلة "فورين بوليسي" لمحاولة فهم وتفسير السلوك العدواني الإسرائيلي في قطاع غزة، واستهلت المجلة الأميركية مقالها التحليلي بالقول إنّ إسرائيل تتخذ، تقليديًا، موقفًا عسكريا عدوانيًا تجاه خصومها، إلّا أنّ الحرب على غزة أصبحت في الأشهر العشرة الأخيرة أكثر فتكًا من أي وقتٍ مضى بعد قتل نحو 40 ألف شخص فيها وحدها.

ويؤكد هذا لمنتقدي إسرائيل أن هدفها هو تدمير الشعب الفلسطيني، لكن التفسير الحقيقي لهذا التغيير أكثر تعقيدًا من كل ذلك، حسب تقرير المجلة الذي كتبه ديفيد روزنبرغ الذي قال مندهشًا: "حتى أصدقاء إسرائيل في الخارج يجدون صعوبة في فهم سلوكها في حرب غزة وصراعاتها الثانوية مع حزب الله وإيران والحوثيين".

ولا يتوقف الاندهاش عند هذا المستوى، بل يتجاوزه إلى مسألةٍ أخرى تبرز جانبًا من الوجه القبيح واللاإنساني للعدوان: "فإذا كان البعض قد (يتسامح) مع الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين كجزءٍ لا مفر منه من حرب المدن، فإنه من الصعب على الكثيرين استيعاب منع إسرائيل دخول ما يكفي من المساعدات الإنسانية إلى غزة وعدم اكتراثها الواضح بالوفيات الهائلة، كما أن البعض يشعر بالحيرة بسبب استعدادها للمخاطرة بما يمكن أن يكون حربًا مدمرةً مع حزب الله اللبناني أو إيران، بعمليات الاغتيال الاستعراضية المتتالية التي نفذتها والتي تصنف في سياق عنف الدولة وفقًا لمعايير أي حكومة".

ليس لدى قادة اليمين المتطرف في إسرائيل أي رؤية استراتيجية سوى مفاقمة معاناة الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة

وأول استنتاجٍ يخلص له المقال هو أنّ هدف أقصى اليمين في إسرائيل هو: "جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ قادة هذا اليمين ليس لديهم إستراتيجية سوى رؤية معاناة الفلسطينيين واستمرار الحرب، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أذعن لإرادتهم حرصًا منه على ضمان بقائهم في الائتلاف الحاكم، ولذلك كان متشددًا في مفاوضات وقف إطلاق النار ولم يسمح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة".

الردع المتآكل

ذكّر مقال "فورين بوليسي" بما قاله زعيم الصهيونية الدينية اليميني المتطرف ووزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، من أنّه: "لن يجد مشكلةً في السماح لشعب غزة بالتضور جوعًا"، كما ذكّر في ذات السياق أيضًا بسماح وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، بتفاقم الظروف غير الإنسانية في مركز احتجاز سدي تيمان للفلسطينيين الذين اعتقلوا في الحرب.

ويؤكد بعض المراقبين، بناءً على ذلك، أن الإسرائيليين: "أصبحوا أكثر عنفًا، أو على الأقل أكثر تسامحًا مع العنف، خاصةً أن العنف بين المستوطنين المتطرفين تجاه الفلسطينيين قد تزايد وأصبح ينظر إليه كأداة مشروعة لتحقيق أهدافهم السياسية".

وكان الإسرائيليون، حسب المقال، في أعقاب حرب عام 1967: "يشعرون بأن وجود بلادهم لم يعد مهددًا، وعقدوا اتفاقيات سلام مع دول عربية اعترفت بوجودهم، كمصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، وبدا التطبيع مع السعودية في الأفق، ولذلك تخلت إسرائيل عن الركيزة الأولى من ركائز استراتيجياتها الدفاعية الثلاث، وهي النصر في الحرب، وسمحت للثانية بالتآكل وهي الردع، وأصبحت تعتمد بشكل مفرط على الثالثة وهي الاستخبارات".

مع الإشارة إلى أنه: "منذ الثمانينيات  لم تنته حروب إسرائيل مع القوات غير التقليدية بانتصارٍ حاسم، وبهذا تضاءلت قدرتها على ردع أعدائها، وبدلًا من تحقيق النصر الحاسم والردع الفعّال، أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على التدابير الدفاعية كالجدران والأسوار وأنظمة الإنذار المبكر عالية التقنية".

وخلصت القراءة التحليلية لـ"فورين بوليسي" إلى أنّ إسرائيل دفعت ثمنًا باهظا لهذه السياسات في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بدافع الخوف الوجودي، وبات الإسرائيليون يعتقدون أن بقاء بلادهم أصبح الآن موضع شك، لأنه وعلى الرغم من أن إسرائيل ردت سريعًا على هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إلا أن إيران ووكلاؤها فهموا حجم فشلها الاستخباراتي والتنظيمي.