22-أكتوبر-2024
البرلمان التركي

(Getty) مصافحة تاريخية تحت قبة البرلمان التركي

يضع التحالف الحاكم في تركيا نصب عينيه تغيير دستور البلاد من خلال البرلمان، ولعلّ هذا ما يفسر حسب المراقبين حالة التهدئة السياسية، والتي يعمل عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية، من خلال الانفتاح على المعارضة.

وقد بدأت السياسة الانفتاحية للتحالف الحاكم بمدّ اليد لحزب المعارضة الرئيسي "حزب الشعب الجمهوري"، لكن يبدو أنّ تلك اليد وسياسة الانفتاح امتدّت مؤخرًا إلى الغريم "القومي"، ممثّلًا في الأحزاب الكردية، وعلى رأسها حزب "ديم" الكردي الداعم لحزب العمال الكردستاني الانفصالي.

وبينما يرى بعض المتفائلين من المراقبين، أن سياسة الانفتاح واليد الممدودة تمثّل فرصةً لتدشين "مرحلة سلام جديدة "في تركيا، يرى فيها المتشائمون مجرد "نزعة شعبوية"، تسعى لتحقيق أهداف انتخابية عبر تمرير مقترح تغيير الدستور، بما يسمح لأردوغان بولاية رئاسية ثالثة. علمًا بأنّ رئيس البرلمان عن "العدالة والتنمية" نعمان كورتولموش، عقد لقاءات مع الأحزاب من أجل التوصل لتوافقات تؤدي لكتابة دستور جديد، وهو ما يتطلب موافقة 400 عضو من البرلمان من أصل 600 للتغيير بشكل مباشر، أو موافقة 360 عضوًا لطرح التغيير للاستفتاء الشعبي، وهو ما يمتلكه التحالف الحاكم (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية).

لقد كان من المفارقة بمكان، أن يتولى زعيم الحركة القومية "دولت باهتشيلي" -والمصنف ضمن اليمين القومي التركي- سياسة التقارب مع غريمه الكردي حزب "ديم"، وذلك عندما فاجأ باهتشلي الجميع بمصافحة نواب حزب "ديم" الكردي، هذا الأخير التقط الرسالة السياسية من المصافحة بسرعة، فخرج في اليوم التالي بتصريحات إيجابية عن التحالف الحاكم. إذ تحدث رئيس حزب "ديم" الكردي "تونجر باقرهان"، ردًّا على أسئلة الصحفيين عن المصافحة مع باهشتلي قائلًا: "أعتقد أنه لا يوجد شيء غير طبيعي، إذ كان مشهدًا ينبغي أن يكون تحت سقف البرلمان، وهذه إحدى المهام الأساسية للبرلمان"، مردفًا القول: "لماذا اختارنا الناس وأرسلونا إلى هنا؟ للحديث عن قضايا تركيا الأساسية وإيجاد الحلول لها، تركيا بحاجة إلى السلام الشامل"، مضيفًا أيضا: "لا أعرف ما إذا كانت هناك عملية سلام جديدة ستخرج من مجرد المصافحة، لكن الصحيح أن تركيا تحتاج إلى السلام الاجتماعي".

انفتاح التحالف الحاكم في تركيا على الأحزاب الكردية يتزامن مع حراك لتغيير الدستور في البلاد

وتمّ تتويج هذه المجاملات السياسية بتزكية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها، بقوله: "نجد أن الموقف الذي طرحه باهتشلي إيجابي ومفيد لنضال بلادنا من أجل الديمقراطية، فهو يؤكد هنا على أهمية الدعوة إلى المصالحة والحوار في البنية السياسية التركية، لذلك لا يمكن ترك هذه الخطوة التي قام بها جانبًا، وكنا نعبر عن هذا منذ سنوات"، وزاد أردوغان: "برأيي هذه الخطوة مهمة للغاية، ربما هناك من لم يتوقعها، لكن لم أجد غرابة في أن يتخذ باهتشلي مثل هذه الخطوة، إنها خطوة مهمة".

وفي هذا السياق، كان من اللافت تساهل السلطات التركية مع التظاهرة الشعبية، الداعمة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في مدينة دياربكر، الأسبوع الماضي، فعلى غير العادة، لم تعتقل قوات الأمن سوى 6 أشخاص من بين آلاف شاركوا في المسيرة غير المرخصة، إذ جرت العادة أن تشهد مثل تلك التظاهرات مواجهات عنيفة، وتنتهي بحصيلة كبيرة من المعتقلين.

يذكر أنّ حزب "العدالة والتنمية" سبق وأن حاول قيادة مسارٍ من أجل السلام مع حزب العمال الكردستاني، وكان ذلك عبر لقاءات جرت في أوسلو عام 2012، وتشكيل لجنة حكماء في العام 2014، لكن هذا المسار لم يُفض إلى نتيجة،  لتعود المواجهات مجددًا مع الجيش التركي.

ويبدو أنّ حزب "ديم" الكردي حريص على أن تشمل البادرة الجديدة للسلام حزب العمال الكردستاني، حيث قال القيادي في "ديم" سيزايي تمللي إنّ الجهات المخاطبة بعملية السلام هي حزب العمال الكردستاني، ممثلًا في زعيمه عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، مضيفًا "إذا كان هناك مخاطبًا ثانيا وهو البرلمان، نحن أيضًا طرف في هذا البرلمان، إذا بدأت حركة المفاوضات بالفعل وتم اتخاذ خطوات لحل القضية الكردية، فإن حزب ديم مستعد لتحمل المسؤولية، وهو مرشح لهذا" وفق تعبيره.

لكنّ لحزب الحركة القيادة بقيادة باهتشلي رأي آخر حول المسألة الكردية، حيث قال إنه "لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن على الدولة التركية الجلوس لمفاوضة الإرهاب، الحديث عن أن المخاطب هو المتواجد في جزيرة إمرلي غير مصيب"، يذكر أن هذه الجزيرة تحوي سجنًا شديد الحراسة فيه عبد الله أوجلان.

يكمل دولت باهتشلي حديثه: "وإن كان هذا ما يريدون فعليه- أي أوجلان- أن يعلن حلّ الإرهاب، ووقف العمليات من طرف واحد"، مضيفًا أنه "على حزب ديم الكردي ألا يقع في شرك خداع الإرهابيين، وعليه ألا يفهم اليد الممدودة له بشكل خاطئ، فلا يمكن حوار الإرهاب، بل الصراع معه حتى النهاية". معتبرًا أن "هناك ثلاثة خيارات أمام العمال الكردستاني، وهي التوقف عن النشاط الإرهابي فورا بدون شرط، والاستسلام للدولة التركية، والقبول بنتائج العدالة التركية والقرارات الصادرة بحقه". وأضاف أن "اليد الممدودة هي يد بريئة تطالب بالتوحد داخل تركيا، ومن يحاول الخروج بتقييمات مختلفة فهو مخطئ"، وفق تعبيره.

وفي قراءة تحليلية لهذه التطورات يرى المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، أنّ "تحركات حزب الحركة القومية ودولت باهتشلي، توحي بأن هناك طبخةً ما حول القضية الكردية"، مضيفًا أنّ "العدالة والتنمية في هذه المرحلة بحاجة إلى مزيد من الأصوات والمقاعد لتغيير الدستور في البرلمان، وهو في سلم أولوياته"، معتبرًا أنّه من الناحية المعنوية "سينعكس تغيير الدستور على العدالة والتنمية بشكل إيجابي، كما يريد الرئيس أردوغان الترشح لولاية ثالثة، وبالتالي يحتاج لتغيير الدستور، وهناك حاجة لدعم وتأييد الحزب الكردي لتأمين الأكثرية، وربما يحاولون تطبيع العلاقات على الأقل في المرحلة المقبلة". لكن في المرحلة المقبلة، وفق أوزجان "من غير المعروف ماذا سيحصل، حاليًا هناك حاجة لمزيد من المقاعد".

في المقابل يرى الكاتب الكردي فايق بولوط، أنّ المطروح حاليًا هو مجرد "ممارسة شعبوية من قِبل السلطة الحالية، والتي تحتاج إلى دعم الأحزاب المعارضة للتصويت من أجل دستور جديد وصياغته وقبوله"، ويعلق بولوط منتقدًا "من المعروف أن السلطة الحالية من الناحية السياسية والاقتصادية تعاني من أزمات كبرى تهيمن على أجندة الشارع التركي، وبالتالي تريد توظيف التهديد الإسرائيلي والحديث عن الانفتاح الكردي لصالحها مستقبلًا، لا أقل ولا أكثر"، لافتًا إلى أنه "لا توجد دلائل ومستندات قوية لوجود أرضية للانفتاح على الأكراد في الوقت الحالي"، وعليه "فالحوار المطروح من قبل السلطة الحالية هو الهروب من الواقع، إذ إن شعبية الحزب الحاكم تتآكل يومًا بعد يوم، وهو يريد التعويض عن هذه السيرورة". مختتمًا مداخلته بأنّ هذا "هذا هو ملخص ما يحصل، وموقف الأحزاب الكردية هو الانتظار ورؤية التطورات التي ستأتي، لتبني المواقف عليها" وفق تعبيره.