ألترا صوت - فريق التحرير
منذ مطلع تمّوز/ يوليو الماضي، فتحت الاحتجاجات في البصرة الطريق لمحافظات أخرى في جنوب ووسط العراق. وحيث كانت المطالب تقتصر أول الأمر على توفير الخدمات وفرص العمل ومحاسبة الفاسدين، فإن البصريين عانوا من أوضاع استثنائية، مع أزمة مياه، وصفها المختصون بأنها "كارثية" بكل المقاييس.
صارت أزمة البصرة، كما استشعر متظاهرون بصريون تحدثوا لـ"ألترا صوت"، فرصة للكثير من السياسيين لتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات
وبعد وصول الإصابات إلى 30 ألف حالة، جرّاء تلوّث المياه والتسمم، تحركت الاحتجاجات بمنحىً تصعيدي أدى إلى إحراق جميع مقرّات الأحزاب، بما فيها القنصلية الإيرانية في البصرة، وقُتل 12 متظاهرًا، قبل أن يعود الهدوء تدريجيًا عقب تهديدات جديّة أقدمت عليها فصائل الحشد الشعبي.
وفي خطوة لامتصاص غضب المتظاهرين، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان في 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، لمناقشة أوضاع البصرة. استجابت الحكومة لها سريعًا، إذ حضرها العبادي وحكومته وشخصيات سياسية متنفذة.
اقرأ/ي أيضًا: البصرة تزف شهيدًا جديدًا.. التصعيد وخيارات الضرورة
لكن الجلسة التي سميّت بـ"الاستثنائية"، لم تكن فعلًا بمستوى الأزمة التي تشهدها البصرة، كما وصفها مراقبون، كما أنها لم تكن بمستوى تطلعات المحتجين الذين كانوا يتوقعون أن تشهد الجلسة حلولًا جذرية للأزمات التي تمر بها المحافظة، حيث تبادل فيها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ومحافظ البصرة أسعد العيداني، الاتهامات بتحمل المسؤولية بين الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية.
وبعد انتهاء الجلسة "الاستثنائية"، بدا العبادي وحيدًا، حيث طالب تحالف سائرون، حليفه حتى تلك اللحظة، باستقالة العبادي وحكومته، بالإضافة إلى ائتلاف الفتح، بزعامة هادي العامري. وتحوّلت الجلسة من هدفها الأساسي أي إنهاء أزمة البصرة، إلى تبادل تصريحات واتهامات بين الكتل السياسية، من دون إنجاز أي خطوة جدية لمتظاهري المحافظة المنكوبة، كما أن الجلسة لم تتطرق إلى أي حل واضح لتعويض القتلى من المتظاهرين الذين سقطوا في الاحتجاجات، أو حتى أي مطالبة بالإفراج عن المعتقلين. وكان كل ما حدث عبارة عن عراك واتهامات سياسية حوّلت "قضية البصرة" إلى مادة للتنافس السياسي على الكتلة الأكبر.
صارت أزمة البصرة، كما استشعر متظاهرون بصريون تحدثوا لـ"ألترا صوت"، فرصة للكثير من السياسيين لتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات، حيث سعى المحور المقرب من طهران إلى تحميل العبادي وحده مسؤولية ما حدث، رغم أن عددًا من المتظاهرين قد قتلوا وأصيبوا واعتقلوا على أيدي الميليشيات التابعة لهذا المحور.
سعى المحور المقرب من طهران إلى تحميل العبادي وحده مسؤولية ما حدث، رغم أن عددًا من المتظاهرين قد قتلوا وأصيبوا واعتقلوا على أيدي الميليشيات التابعة لهذا المحور
وقد وصل العبادي بدوره، في 10 أيلول/ سبتمبر الجاري، إلى البصرة، ليسير في ذات المسار السياسي مستغلًا حقوق المتظاهرين البصريين، حيث اتهم "كتلًا سياسية وأحزابًا لديها أجنحة عسكرية بالوقوف وراء عمليات الحرق في المحافظة"، كاشفًا عن فتح "تحقيق مع الحكومة المحلية في البصرة في أوجه صرف 109 مليارات دينار كانت مخصّصة لمعالجة أزمة المياه في المحافظة"، قائلًا إن "التحقيق يتعلق بجانب جنائي وآخر فيه شبهات فساد لأن الأموال التي كانت مخصصة لحل أزمة مياه البصرة صرفت كديون سابقة، بدلًا من معالجة الأزمة". وهو ما كان استمرارًا لما حدث في جلسة البرلمان.
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة.. رهان النجاة من مقامرة ميليشيات المحاصصة
وقد أكد العبادي في مؤتمر صحفي عقده من المحافظة، أن "الوضع في البصرة مستتب"، مشيرًا إلى أن "إرسال قوات إضافية جاء تلبية لطلب المحافظة". لكن متابعين اعتبروا أن الإصرار على إرسال قوات أمن إضافية، جاء لمنع أي احتجاج في المحافظة، خاصة بعد إقدام المتظاهرين على حرق القنصلية الإيرانية، الأمر الذي أزعج السلطات في بغداد ومعها الأحزاب المقربة من إيران.
لم تتمخض الجلسة الاستثنائية، ولا وصول رئيس الوزراء إلى البصرة، سوى عن إطلاق الوعود غير المجدية بالنسبة للمتظاهرين الذين قد يعودون إلى الاحتجاج في أي لحظة. مع ذلك، فإن أي جولة جديدة من الاحتجاج لن تمر بسهولة، خاصة بعد حرق القنصلية الإيرانية، وتهديد الحشد، واعتقال الكثير من الناشطين، واحتجازهم في مقرّات عصائب أهل الحق وباقي فصائل الحشد.
اقرأ/ي أيضًا: