الترا صوت - فريق الترجمة
تسود مقولات عن الصحة والتغذية مثل "الجزر يقوّي النظر" و"الزنجبيل يشفي من الدوخة" و"السمك يقوي الذاكرة" وغير ذلك.
تعود مقولة "الجزر يقوي النظر" إلى بروباغندا بريطانية في الحرب العالمية الثانية لإخفاء أسرار عسكرية!
وباتت هذه المقولات بمثابة "قوانين" سائدة لا جدال فيها شعبيًا، ومسلمات ممارسة على نطاق واسع، ويُعتقد فيها على نطاق أوسع.
اقرأ/ي أيضًا: لا تصدق كل ما تقرأه وتسمعه.. 4 خرافات أثبت العلم زيفها
دفعت هذه المقولات الصحية الشعبية، صحيفة واشنطن بوست إلى البحث وراءها لاكتشاف أصولها، والبحث في ما يقوله العلم بخصوصها، وذلك في مقالة ننقلها لكم فيما يلي:
أكل تفاحة يوميًا يقيك شر الذهاب إلى الطبيب
يعود أصل هذه المقولة إلى مثلٍ إنجليزي انتشر في ستينات القرن الـ19، يقول إن تناول التفاح يقلل عدد مرات الحاجة لزيارة الطبيب.
وفي عام 2015 تحولت هذه المقولة إلى دراسة علمية، حيث اختبرت مجلة "JAMA Internal Medicine" هذه الفرضية حرفيًا، وأعدت دراسة تنطلق من سؤال: هل الذي يأكلون التفاح بتواتر، يذهبون إلى الأطباء بصورة أقل؟
شارك في تلك الدراسة ثمانية آلاف و399 شخصًا، من بينهم 753 شخصًا يأكلون تفاحةً واحدةً على الأقل يوميًا. وأظهرت النتائج أن 39% ممن يأكلون التفاح، لم يكونوا في حاجة لزيارة الطبيب، و34% ممن لا يأكلونه أيضًا لم يكونوا في حاجة لزيارة الطبيب.
هذا الاختلاف البسيط، الذي لا يتجاوز الـ5%، لا يمكن الأخذ به علميًا. لكن ما يثير الاهتمام، أن آكلي التفاح، كانوا أقل حاجة لتناول الأدوية الموصوفة مقارنة بمن لا يأكلون التفاح، ما دفع الباحثين إلى تغيير المقولة إلى "أكل تفاحة يوميًا يقيك شر الذهاب إلى الصيدلية".
إذًا، لا يمكن الاعتماد على هذه المقولة حرفيًا. لكن الفكرة العامة منها صحيحة؛ فتناول الخضروات والفاكهة يوميًا له فوائد صحية جمّة، إذ إنّ مزيج الأنسجة والفيتامينات والمعادن والمواد الكيميائية النباتية، تقلّل من الالتهابات، كما أنها تقلّل من نسبة الإصابة بالأمراض القلبية وبعض أنواع السرطان.
الجزر يقوّي النظر
تعود أصول هذه المقولة إلى قصة غريبة، ففي الحرب العالمية الثانية، تحديدًا عام 1940، بدأت القوات الجوية البريطانية باستخدام تقنية الرادار، التي كانت جديدةً نسبيًا، وذلك بغرض استهداف طائرات العدو في الظلام.
وكان الحفاظ على سرية الاختراعات والتقنيات الجديدة، أمرًا بالغ الأهمية في الحرب، وعليه كانت أطراف الحرب على استعداد كامل لبذل كل ما يلزم من أجل الحفاظ على سرية تقنياتهم العسكرية.
ولذلك قامت وزارة المعلومات البريطانية بنشر بروباغندا تقول إن الطيارين كانوا يتمتّعون بحاسة بصرٍ حادة لأنهم يأكلون الجزر، وهو ما حسّن من قدرتهم على الرؤية ليلًا!
هذا هو الأصل الحقيقي للأسطورة الصحية. لكن المقولة لا تخلو من الصحة، إذ يحتوي الجزر على نسبٍ عالية من أحد المواد المضادة للأكسدة، اسمها بيتا كاروتين، وهي مادةٌ أولية تأتي قبل فيتامين A الذي يساعد أجسادنا على صناعة مادة الرودوبسين، وهي صبغةٌ تساعدنا على الرؤية في الضوء الخافت.
بعبارةٍ أخرى: الجزر مفيد لمن يعانون من نقص في فيتامين A، حيث يسبّب ذلك ضعف الرؤية ليلًا، ولكنه لن يساعدك بكل تأكيد، ولا حتى الطيارين البريطانيين، على الرؤية في الظلام الدامس.
إذًا ما يمكن قوله في النهاية، إن الجزر بالفعل مفيد للنظر على مستوى ما، لكن هناك أطعمة أخرى غنية أيضًا بنفس المادة الغني بها الجزر، أي مادة البيتا كاروتين، مثل البطاطا الحلوة والخضروات الورقية، والتي بتناولها تستطيع الحصول على نفس الفائدة.
الزنجبيل يشفي من الدوار
تعود أصول هذه المقولة لأكثر من خمسة آلاف عام خلت، حيث كان الهنود والصينيون يعتبرون الزنجبيل مادة لديها قدرات سحرية لشفاء الكثير من العلل والأمراض.
وكان أشهر استخدامات الزنجبيل تاريخيًا، لتخفيف حدة الشعور بالدوار والرغبة في التقيأ. واليوم، ثمة الكثير من الجهات الصحية التي تنصح باستخدام الزنجبيل لهذه الغاية تحديدًا.
وتُظهِر الأبحاث أن الزنجبيل يساعد بالفعل على تخفيف الدوار والإعياء الذي ينتج من دوار الحركة، أو دوار الصباح الناجم عن الحمل، أو من يخضعون للعلاجات الكيميائية، وأيضًا بعد العمليات إذا كنت تحت تأثير التخدير.
والاعتقاد السائد هو أن المواد الأساسية في الزنجبيل، بما فيها الجنجرول والشوجال؛ تساعد على تسريع عملية التفريغ المعوي، وهو ما يخفف حالة الدوار. فيشرب البعض الشاي بالزنجبيل للشعور بالراحة، والآخرون يفضّلون تناول حبوب الزنجبيل، ولا بأس بكلا الخيارين كما تبيّن الدراسات.
إذًا، ما يمكن استخلاصه فيما يخص هذه المقولة الصحية، أنها صحيحة بالفعل، بحيث أن تناول الزنجبيل مشروبًا أو مضافًا إلى مشروب ساخن أو على هيئة أقراص وحبوب، مفيدٌ للدوار والإعياء المصاحب له.
السمك يقوي الذاكرة ويجعلنا أكثر ذكاءً
في عام 1930، نشر الكاتب البريطاني بي جي ودهوس مجموعته القصصية القصيرة "Very Good Jeeves"، وجاء فيها: "يقولون إن السمك سيجعلني أذكى. عليّ أن أذهب وأزور سمك السردين، وأعود إليهم وأخبرهم بما وجدت"، ويبدو أن وودهوس كان ألمعيًا.
ففي عام 2016، وجد الباحثون أن تناول السمك أسبوعيًا له علاقةٌ بزيادة نسب المادة الرمادية، وهو نسيجٌ داكن موجودٌ في الدماغ، ووظيفته هي معالجة المعلومات والتحكم بالرؤية والذاكرة.
يعتقد الكثير من الناس أن قيمة السمك تكمن في دهون الأوميغا 3 التي نجدها في السمك بنسبٍ عالية، فهذه الدهون تؤدّي أدوارًا هامّةً في الحفاظ على صحة الدماغ.
لكن المثير للاهتمام، أن تلك الدراسة وجدت أن السمك -أي نوعٍ من أنواع السمك وليس فقط الأسماك التي تحتوي على نسبٍ عاليةٍ من أوميغا 3- تتمتّع بنفس التأثير الإيجابي.
وهناك دراسةٌ أخرى أيضًا وجدت أن تناول السمك يؤخّر الإصابة بأمراض ضعف الإدراك وألزهايمر، إلا أن الدراسة نفسها شكّكت في أن السبب هو أوميغا 3.
تعود أصول مقولة إن الزنجبيل يشفي من الدوار، إلى 5 آلاف سنة خلت في الهند والصين، وتبين لاحقًا أنها صحيحة علميًا
ما يعنيه هذا أن تناول حبوب أوميغا 3 أو تناول الزيت المستخلص من كذب سمك القد، قد لا يكون كافيًا للحفاظ على صحة الدماغ والذاكرة، وإنما السر في تناول السمك نفسه، وهو فعلًا مفيد للذكاء والذاكرة.
اقرأ/ي أيضًا:
البشرية في خطر .. عصر "ما بعد المضادات الحيوية"
"الترافيك القاتل".. بزنس المعلومات المضللة يهدد مرضى السرطان