14-أغسطس-2024
تهدد الحشودات العسكرية بعودة النزاع المسلح إلى البلاد

(AP) تضع الحشودات العسكرية لفرقاء الأزمة الليبية البلاد على مفترق طرق

يمثل التصعيد السياسي والعسكري الحالي في ليبيا مؤشرًا خطيرًا على إمكانية انجراف البلاد نحو نزاعٍ مسلّح جديد، تقع السيطرة على الموارد والممرات الحدودية الاستراتيجية في القلب منه. فمنطقة الجنوب الغربي التي احتشدت فيها قوات حفتر والقوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية تحوز على جميع المواصفات التي تجعلها منطقة تنافس.

تركّز التوتر بين قوات حفتر والقوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا في مدينة غدامس على الحدود مع الجزائر. فمنذ نحو أسبوع، تتحدث مصادر محلية ليبية عن تحضيرات عسكرية تجريها قيادة حفتر للسيطرة على مدينة غدامس الحدودية مع الجزائر، قبل أن تعلن رئاسة أركان القوات البرية بقيادة حفتر، الأربعاء الماضي: "انتقال عدد من وحداتها إلى مختلف مدن ومناطق الجنوب الغربي لليبيا"، وذلك "لتأمين المناطق الحدودية".

وأعقب ذلك، في اليوم نفسه، إعلان الكتيبة 17 حرس الحدود، التي تسيطر على غدامس والتابعة لحكومة الوحدة الوطنية: "الجاهزية التامة للتعامل مع أي قوات أو أي تحركات في نطاق مهام عمل الكتيبة، وأنها هدف مشروع لقواتنا".

وتزامن ذلك مع إعلان رئاسة الأركان العامة التابعة للحكومة في طرابلس النفير العام في أوساط وحداتها، واستعدادها للتصدي لأي تهديدات تستهدف زعزعة: "أمن أي مدينة ليبية".

تحوز منطقة الجنوب الغربي التي احتشدت فيها قوات حفتر والقوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية على جميع المواصفات التي تجعلها منطقة تنافس

وفي المقابل، أعلنت أركان القوات البرية التابعة لحفتر أنّ تحرّك قواتها "لا يستهدف أحدًا"، وأن انتقالها جاء باتجاه مناطق أقصى جنوب غربي ليبيا لتأمينها، في إشارة إلى عدم استهدافها مدينة غدامس.

ولكن هذا الحشد والحشد الموازي له دفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي إلى التعبير عن قلقهم من انزلاق الوضع إلى مواجهة مفتوحة، كما أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانًا مشتركًا طالبت فيه بوقف التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا فورًا، وذلك لتجنب عودة حالة الحرب الأهلية في البلاد، محذرةً من مغبة انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع عام 2020.

بدورها، حذرت الجزائر ـ التي بدأت التحركات على مقربة من حدودها مع ليبيا - من خطورة التصعيد، معتبرةً في بيان صادر عن وزارة خارجيتها أنّ عمليات الحشد العسكري تجاه المناطق الغربية والجنوبية للبلاد، تحمل مخاطر محدقة بتجدد الاشتباكات والمواجهات بين الأطراف الليبية، مطالبةً: "بضرورة تضافر جهود الجميع للحفاظ على أهم مكسب تم تحقيقه عبر العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، ألا وهو مكسب وقف الاقتتال بين الإخوة الفرقاء في ليبيا، الذي يتوجب تثمينه وتعزيزه والبناء عليه".

وبالتزامن مع البيانات بشأن التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا وجّه المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، أوامره: "بعودة كافة القوات إلى ثكناتها بشكل فوري، ومنع أي تحرك من دون إذن من القائد الأعلى"، معتبرًا أن مظاهر التصعيد العسكري جنوب غربي ليبيا: "قد تُدخل البلاد في حالة من الفوضى، وأن أي حراك عسكري يعتبر خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار".

وفيما أكد المجلس الرئاسي أن: "رفع درجة الاستعداد وحشد القوات والإذن بتحركها هي اختصاص أصيل للقائد الأعلى للجيش الليبي من دون غيره"، أشار إلى اعتزامه: "اتخاذ تدابير تضمن الاستقرار وتخفف الاحتقان والاستقطاب". ومن هذه التدابير، وفق المجلس: "إدارة مشتركة للإنفاق العام وعوائد النفط بشكل شفاف، لمعالجة الاختناقات والتخفيف من معاناة شعبنا".

ويقرأ تحرك حفتر العسكري قراءات متعددة، خاصةً أنه يأتي بعد سنوات من انكسار آخر حملاته العسكرية التي استهدف فيها العاصمة طرابلس خلال عامي 2019 و2020.

بحسب الأكاديمي الليبي فاضل الطويل، فإنه لا يمكن إغفال أهمية غدامس الاستراتيجية عند تحليل خلفيات التحركات العسكرية فيها، ففي غدامس يوجد منفذان دوليان، أحدهما مطار المدينة، والثاني منفذ الدبداب مع الجزائر. ومن يسيطر على المدينة بإمكانه تحقيق  أمرين: الأول أن يفرض نفسه كأمر واقع على دول الجوار، مثل الجزائر المرتبطة بليبيا بمنفذ الدبداب في غدامس، وتونس التي ترتبط أيضًا بليبيا بمنفذ وازن القريب من غدامس. والأمر الثاني الهيمنة على منطقة اقتصادية ثرية بالغاز والنفط.

وتعتقد هذه القراءة التحليلية أن: "حقل الغاز بمنطقة الحمادة المتاخمة لغدامس، الذي تسيطر عليه قوات الحكومة في طرابلس، هدفٌ لحفتر"، خاصةً أنه: "منذ أشهر يدور جدلٌ واسع حول منح حكومة الوحدة الوطنية حصصًا إضافية لشركات أجنبية في حقل الحمادة من أجل إعادة تأهيله وتشغيله، إذ أصدر مجلس النواب والحكومة التابعة له عددًا من البيانات الرافضة لخطوة الحكومة في طرابلس".

وعدا عن ذلك، فإنّ سيطرة حفتر على غدامس بإمكاناتها الحيوية والطاقوية سيمكن حفتر من كسب مصالح سياسية، فالإمكانات الطاقوية: "تفتح له شراكاتٍ قوية مع دول يشكل النفط والغاز أهمية كبيرة في سياساتها". ولهذه الأسباب مجتمعةً: "استنفرت الحكومة في طرابلس قواها للتصعيد".

ويشار إلى أنّ حفتر يسيطر على حقل الشرارة، في الوقت الذي تتحكم فيه فصائل الزنتان في حقل الفيل، وهما أكبر حقلين نفطيين في البلاد.