"كيف نشفى من ألم الحب؟".. آخر صيحة من عالم دورات التنمية البشرية التي يمكنك أن تسمع عنها مؤخرًا، صار للشفاء من الحب دورات تدريبية؟ أكثر من ذلك لا تستغرب أنك قد تجد الأماكن لحضور هذه الدورة قد حجزت بالكامل. والإقبال الكثيف يجعل هذا النوع من الدورات التدريبية متداولًا. ستكتظ القاعة بمن مروا بتجربة عاطفية مريرة، وللأسف هذا من النوع من "بيع الكلام" تحول إلى تجارة رائجة منذ سنوات، فهل لا يزال الأمر متواصلًا؟
تحت مسمى "علم التنمية البشرية"، يُقال الكثير في عالمنا العربي، مع التركيز في البدايات خاصة على مهارات التواصل بين الناس
تحت مسمى "علم التنمية البشرية"، يُقال الكثير في عالمنا العربي، مع التركيز في البدايات خاصة على مهارات التواصل بين الناس. وانتشرت في المكتبات كتب من نوعية "فن التعامل مع الناس" و"فن التواصل" وكتب مترجمة غالية الثمن تحمل عناوين مثل "السعادة الداخلية"، و"كيف تصبح ثريًا". كتب أقبل عليها الشباب الذين لم تمنحهم المسارات التعليمية التقليدية في بلدانهم بديلاً يقيهم سوء "محتوى" هذه الكتب.
"التنمية البشرية كعنوان عام هي توسيع القدرات التعليمية"، لكنها ليست علمًا له أسس ونظريات، رغم ادعاء بعض المدربين أنه "اخترع" علم التنمية البشرية، لكن العلم في أبسط تعريفاته في المعجم هو "مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع معين أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات و القوانين". لكن ما الحد الفاصل بين التنمية البشرية والصحة النفسية؟ وهل يمكن للتنمية البشرية أن تقتحم مجال الصحة النفسية وأن تتحدث عن السعادة الداخلية أو تعدل السلوك الإنساني؟
اقرأ/ي أيضًا: مواقع الصحة النفسية في مصر.. "الريحة ولا العدم"
باسم الجنوبي، أحد المهتمين بمجال التنمية البشرية، يقول لـ"ألترا صوت": "مدرب التنمية البشرية لا يمكنه أن يتناول كل الملفات، لكن يمكن لكل مدرب، هذا إن أراد أن يكون صادقًا مع نفسه، أن يتخصص في ملف واحد، على سبيل المثال أنا أهتم بالمجال الثقافي والقراءة. لكن حقيقة الأمر هناك خلط غير عادي بين العلوم الوهمية، والتي تسمى بالإنجليزية Pseudoscience، وهي التي تفتقر في جوهرها للمنهج العلمي، والعلوم الحقيقية القائمة على أسس ونظريات وتراكم معرفي له معايير".
ليست التنمية البشرية علمًا له أسس ونظريات ولا تضطلع بدور العلاج النفسي وهي تتحول في أحيان كثيرة لبيع الوهم
محمد شاكر أيضًا مدرب تنمية بشرية، لكنه يرفض المصطلح من الأساس و يسمي نفسه مدرب مهارات ذاتية، ويعد نفسه مسؤولاً أكثر عن الملف الإداري (علم الإدارة) كما يهتم بتدريب مهارات مثل القراءة السريعة أو ريادة الأعمال، ويرى، خلال حديثه لـ"الترا صوت" أن "العيب قد يكون في المدرب غير المتمكن أو المادة غير المناسبة أو المتدرب الذي يدخل الدورة التدريبية بتوقعات أكبر من محتواها".
ولكن في مرآة علم النفس الإرشادي العام أو الطب النفسي، كيف يقيم الأطباء تجربة اقتحام التنمية البشرية لملفات الصحة النفسية؟ سألنا الدكتورة وئام وائل عن الفارق الجوهري بين الطبيب النفسي ومدرب التنمية البشرية فكانت إجابتها أن "مدرب التنمية البشرية يعلمك مهارات لتسيير أمور عملك أو لتعلم شيء جديد، لكنه لا يمكن أن يشفيك من وجع الحب طبعًا. الطب النفسي يتعامل بعمق مع الاضطرابات الإنسانية، مع اضطرابات النوم والإدمان وصعوبات التعلم وغيرها".
يتفق مع هذا الطرح المعالج النفسي إيميل لبيب الذي يرى أن "كثيرًا من مدربي التنمية البشرية اقتبسوا مناهجهم من علم النفس الإرشادي العام، لكن التنمية البشرية لا يمكنها توضيح أسباب القصور النفسي".
اقرأ/ي أيضًا: نادي المكتئبين
الكارثة إذًا تكمن في الادعاء بالقدرة على التغيير ومعرفة مكامن المشكلة، وطالما أن الناس "يشترون هذا الكلام" سيبقى هذا السوق رائجًا، في هذا السياق، تقول شريهان عاطف، أستاذة جامعية ومدربة في مجال الإدارة: "ذهبت ذات مرة إلى إحدى الدورات التدريبية التي ادعت قدرتها على الشفاء من إدمان الطعام ويمكنني أن أقول بمنتهى الأريحية إنها كانت عملية نصب". وتشير لـ"الترا صوت": أن "يتحدث الناس عن تجاربهم الإنسانية، فإن ذلك يُراكم المعرفة بشكل أفضل".
"الشفاء من الحب" لا يمكن أن يأتي على الأغلب من خلال دورة تدريبية مدتها يومين أو ثلاثة، لأن الاضطراب النفسي يحتاج إلى مختص للتعامل معه. لكن يبقى الوعي بالمسألة هو الفارق وهو الذي يحتاج أن يترسخ لدى المواطن العربي.
اقرأ/ي أيضًا: