30-يونيو-2024
تناقضات إسرائيل الداخلية

(counterpunch) الحرب الأهلية في إسرائيل

سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن صرّح في الثامن عشر من حزيران/يونيو قائلًا إنه: "لن تكون هناك حرب أهلية في إسرائيل"، لكن نتنياهو قد يكون مخطئًا في تقديراته تلك، حسب موقع كاونتر بانش الأميركي.

يشار إلى أن تصريح نتنياهو آنف الذكر جاء في سياق الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في إسرائيل، خاصة بعد الاستقالة التي طال انتظارها للعديد من وزراء الحرب الإسرائيليين، هم بيني غانتس وغادي آيزنكوت وكلاهما رئيسان قائدان سابقان للأركان في الجيش الإسرائيلي.

ولم تؤد هذه الاستقالات بالضرورة إلى عزل نتنياهو، إذ إن شعبية الرجل تعتمد بالكامل تقريبًا على دعم اليمين واليمين المتطرف.

ومع ذلك، فقد أوضحت هذه الخطوة أيضًا الانقسامات العميقة والمتنامية في المجتمع الإسرائيلي، والتي يمكن أن تنقل البلاد في نهاية المطاف من حالة الاضطراب السياسي إلى حالة الحرب الأهلية الفعلية.

ولا يمكن النظر، حسب الموقع الأميركي، إلى الانقسامات في إسرائيل بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى الاستقطابات السياسية الأخرى المنتشرة حاليًا في الديمقراطيات الغربية. ولا يرتبط هذا التأكيد بالضرورة، وفق الموقع، بوجهة النظر المشروعة القائلة بأن إسرائيل، في جوهرها، ليست ديمقراطية فعلية، بل يرجع ذلك إلى حقيقة أن التكوين السياسي لإسرائيل فريد من نوعه.

جذور الصراع العميق

في شباط/فبراير 2019، شكل زعماء ثلاثة أحزاب إسرائيلية ائتلاف أزرق أبيض، وهم يائير اعبيد وبيني غانتس وموشيه يعلون، والأخيران عسكريان سابقان ويحظيان باحترام واسع النطاق في المؤسسة العسكرية القوية في البلاد، وبالتالي المجتمع ككل.

وعلى الرغم من نجاحاتهم الانتخابية النسبية، إلا أنهم ما فتئوا يفشلون في إزاحة نتنياهو من منصبه. ولذلك خرجوا إلى الشوارع.

بدأ نتنياهو في إعادة هيكلة المؤسسات السياسية الإسرائيلية، مضعفًا دور الجيش في السياسة، مما انتهك التوازن السياسي القائم منذ عام 1948

 

إن نقل الصراع إلى شوارع تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى قرارٌ لم يتم اتخاذه بسهولة حسب الموقع الأميركي. لقد جاء ذلك القرار في أعقاب انهيار ائتلاف حكومي غريب، شكله كل أعداء نتنياهو، واتحدَ حول هدف واحد وهو إنهاء حكم اليمين واليمين المتطرف على البلاد. وكان فشل نفتالي بينيت مجرد القشة الأخيرة.

قد يعطي مصطلحا "اليمين" و"اليمين المتطرف" الانطباع بأن الصراع السياسي في إسرائيل هو صراع أيديولوجي في الأساس. ومع أن الأيديولوجيا تلعب دورًا في السياسة الإسرائيلية، إلا أن الغضب تجاه نتنياهو وحلفائه يحركه إلى حد كبير الشعور بأن اليمين الجديد في إسرائيل يحاول إعادة تشكيل الطبيعة السياسية للبلاد.

لذلك، ابتداءً من كانون الثاني/يناير 2023، أطلق مئات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة استمرت حتى بداية الحرب الإسرائيلية على غزة. كان المطلب الجماعي الأولي للمحتجين، بدعمٍ من غانتس وأبرز القادة العسكريين الإسرائيليين والنخب الليبرالية، هو منع نتنياهو من تغيير توازنات القوى السياسية التي حكمت المجتمع الإسرائيلي على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية. لكن مع مرور الوقت، تحولت المطالب إلى هتاف جماعي لتغيير النظام.

وعلى الرغم من أن هذه القضية نوقشت إلى حد كبير في وسائل الإعلام باعتبارها صدعًا سياسيًا ناتجًا عن رغبة نتنياهو في تهميش المؤسسة القضائية الإسرائيلية لأسباب شخصية، إلا أن جذور الحدث، الذي هدد بحرب أهلية، كانت مختلفة تمامًا.

إن قصة الحرب الأهلية الإسرائيلية المحتملة قديمة قدم الدولة الإسرائيلية نفسها، والتعليقات الأخيرة التي أدلى بها نتنياهو، والتي تشير إلى خلاف ذلك، هي ادعاء كاذب آخر من جانب رئيس الوزراء.

في الواقع، في السادس عشر من حزيران/يونيو، انتقد نتنياهو الجنرالات العسكريين المتمردين، قائلاً: "لدينا دولة لديها جيش وليس جيش لديه دولة". في الحقيقة، تأسست إسرائيل من خلال الحرب، واستمرت من خلال الحرب أيضًا.

وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي كان يتمتع، منذ البداية، بمكانة خاصة في المجتمع الإسرائيلي، وبعقدٍ غير مكتوب يسمح لجنرالات الجيش بمقعد خاص ومركزي في كثير من الأحيان في عملية صنع القرار السياسي في إسرائيل. فأمثال آرييل شارون وإيهود باراك وآخرين، بما في ذلك مؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون، وصلوا جميعًا إلى قمة السياسة الإسرائيلية بسبب انتماءاتهم العسكرية.

لكن نتنياهو غيّر كل هذا عندما بدأ في إعادة هيكلة المؤسسات السياسية الإسرائيلية بشكلٍ نشط لإبقاء الجيش هامشيًا وغير متمكن سياسيًا. وبذلك يكون نتنياهو قد انتهك الركيزة الأساسية للتوازن السياسي في إسرائيل، بدءً من عام 1948.

وحتى قبل أن تنتهي إسرائيل من مهمة التطهير العرقي للشعب الفلسطيني خلال النكبة، دخلت الدولة الوليدة على الفور تقريبًا في حرب أهلية. فعندما أصدر بن غوريون أمرًا بشأن تشكيل قوات الدفاع الإسرائيلية في 26 أيار/مايو، حاربت بعض الميليشيات الصهيونية، بما في ذلك "الإرغون" و"ليحي" - عصابة شتيرن - للحفاظ على درجة من الاستقلال السياسي.

كانت تلك بداية ما يسمى بقضية ألتالينا، عندما حاول جيش الدفاع الإسرائيلي الذي تهيمن عليه الهاغاناه منع شحنة بحرية من الأسلحة في طريقها إلى منظمة الإرغون، التي كانت آنذاك تحت قيادة مناحيم بيغن الذي أصبح رئيس وزراء إسرائيل في عام 1967. وكانت المواجهة قاتلة. وأدى ذلك إلى مقتل العديد من أعضاء منظمة الإرغون واعتقالات جماعية وقصف السفينة نفسها.

إن الإشارة إلى قضية ألتالينا يتم سماعها بشكل متكرر في المناقشات الإعلامية الإسرائيلية هذه الأيام، حيث تعمل الحرب الإسرائيلية على غزة على تقسيم المجتمع المنقسم بالفعل. وهذا الانقسام يجبر الجيش على التخلي عن التوازن التاريخي الذي تم تحقيقه في أعقاب تلك الحرب الأهلية المصغرة، والتي كان من الممكن أن تُنهي مستقبل إسرائيل كدولة بعد أيام فقط من تشكيلها.

والواقع أن الصراع الإسرائيلي الداخلي بشأن غزة لا يدور حول غزة أو حماس أو حزب الله فحسب، بل يتعلق أيضًا بمستقبل إسرائيل ذاتها.

إذا وجد الجيش الإسرائيلي نفسه كبش فداء لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر والحملات العسكرية الفاشلة المؤكدة التي تلت ذلك، فسوف يكون لزامًا عليه أن يختار بين قبول تهميشه إلى أجل غير مسمى أو الصدام مع المؤسسة السياسية.

ولكي يحدث هذا السيناريو الأخير، قد تصبح الحرب الأهلية احتمالًا حقيقيًا.