عندما افتتح لاعب كرة القدم الأمريكية، كولين كابرنيك حملة الاحتجاج على اضهاد السود في أمريكا، من خلال رفض الوقوف للنشيد الوطني قبل المباريات، أثار جدلًا واسعًا، نوقش في الأوساط الرياضية والسياسية وتحول إلى قضية رأي عام. خسر كابرنيك فرصه في توقيع أي عقد مع أي ناد في الدوري الأمريكي، بسبب موقفه، وهو ما استغلته شركة نايكي الرياضية الشهيرة، في أحد إعلاناتها، ما أثار غضبًا واسعًا عند العنصريين الأمريكيين، مع تهديدات ومطالبات بمقاطعة الشركة. التفاصيل في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "الغارديان" البريطانية.
ليس غريبًا على شركة نايكي العالمية إثارة الجدل. فقد أدارت شركة الملابس والمستلزمات الرياضية حملات إعلانية سابقة تضمنت لاعب الدراجات الأمريكي لانس آرمسترونج بعد تورطه في فضيحة منشطات، وكذلك لاعبة التنس ماريا شارابوفا بعد فشلها في اجتياز اختبار المنشطات، ولاعب الغولف تايجر وودز، بينما كان في خضم فضيحة جنسية وبعد اتهامه بالقيادة تحت تأثير المخدرات.
كولين كابرنيك: لن أقف لإظهار الفخر أمام علم بلد يضطهد السود والأشخاص الملونين. بالنسبة لي، هذا الأمر أهم من كرة القدم وستكون أنانية مني أن أشيح بوجهي
بيد أن اختيار كولين كابرنيك، وهو لاعب كرة قدم أمريكي منبوذ وناشط في مجال الحقوق المدنية، باعتباره واحدًا من الوجوه الإعلانية للحملة العالمية الجديدة، هو أكثر تحركاتها إثارةً للخلاف.
يُعد كابرنيك شخصية مستقطبة منذ عام 2016، عندما رفض بصفته لاعبًا في فريق كرة القدم الأمريكية "سان فرانسيسكو 49" (San Francisco 49ers)، الوقوف أثناء النشيد الوطني. في البداية جلس كاحتجاج، ثم ركع بعد ذلك على ركبة واحدة. وحسبما قال، فقد كان الهدف من الاحتجاج هو لفت الانتباه إلى قيام الشرطة بقتل الأمريكيين الأفارقة وغيرها من المظالم.
انخفض سعر سهم شركة نايكي بنسبة 2% يوم الثلاثاء الماضي، في حين تفاوتت ردود الفعل ما بين أشخاص يحرقون أحذية يملكونها من إنتاج الشركة، ويقطعون شعار نايكي من الجوارب إلى التهديد بمقاطعة كاملة للعلامة التجارية. وعلى الجانب الآخر، أشادت بالحملة شخصيات مثل لاعب كرة السلة ليبرون جيمس ولاعبة التنس سيرينا ويليامز.
اقرأ/ي أيضًا: 5 كتب تكشف جذور سيادة الرجل الأبيض في أمريكا
قال كولين كابرنيك عن احتجاجه: "لن أقف لإظهار الفخر أمام علم بلد يضطهد السود والأشخاص الملونين. بالنسبة لي، هذا الأمر أهم من كرة القدم وستكون أنانية مني أن أشيح بوجهي، وأتجاهل ذلك. هناك جثث في الشارع، بينما يحصل بعض الأشخاص على إجازات مدفوعة الأجر ويفلتون من العقاب على جرائم القتل".
وسرعان ما انضم إليه زملاؤه في الفريق وانتشر الاحتجاج إلى لاعبين آخرين، واستمر خلال موسم عام 2017. مما دفع اتحاد كرة القدم الأمريكية إلى إصدار بيان عندما نما الغضب بين أفراد الجمهور، أشار فيه إلى أن اللاعبين "يُشجعون على" الوقوف أثناء النشيد الوطني، لكنهم غير مُلزمين بذلك. واتهم اللاعب المتقاعد جيري رايس، الذي يُعتبر أحد أعظم اللاعبين في تاريخ الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، كايبرنيك بـ "عدم احترام العلم"، على الرغم من أنه قال إنه يفهم موقفه.
خاض دونالد ترامب في تلك الضجة، مُستغلًا مركزه لخلق حشد سياسي لشن هجوم مثير على لاعبي الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، الذين اختاروا الركوع. وقال الرئيس الأمريكي بلهجة غاضبة: "ألا تُحب أن ترى أحد مالكي الفرق التي تلعب في الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، يقول، عندما لا يحترم أحد علمنا: اطرد ابن العاهرة هذا خارج الملعب الآن. إلى الخارج! إنه مطرود!".
تفاعل مالكو الفرق مع تلك الإدانة واسعة النطاق من خلال توحيد الصفوف، وإصدار قرار يقضي بأنه يتعين على جميع اللاعبين أن يقفوا أثناء النشيد الوطني. وفي عام 2017 عندما أصبح كولين كايبرنيك لاعبًا حرًا، أي أنه لا يلعب لصالح فريق معين، لم يعرض عليه أي فريق عقدًا، ولذلك قدم تظلمًا في شهر تشرين الأول/أكتوبر ضد الاتحاد الوطني لكرة القدم الأمريكية، مُتهمًا مالكي الفرق بالتواطؤ لمنعه من التوقيع والانضمام لأحد الفرق.
أدرك إعلان شركة نايكي الجديد أهمية ومدى تأثير العزل الواضح للاعب البالغ من العمر 30 عامًا عن الدوري. إذ يبرز الإعلان صورة لوجه كولين كابرنيك باللونين الأبيض والأسود، تعلوها عبارة توضيحية تقول "آمن بشيء ما. حتى لو كان ذلك يعني التضحية بكل شيء".
وقال جينو فيسانوتي (Gino Fisanotti)، نائب الرئيس للتسويق في شركة نايكي، الذي أعلن عن الحملة: "نعتقد أن كولين كابرنيك هو واحد من أكثر الرياضيين إلهامًا في هذا الجيل، الذي استفاد من قوة الرياضة للمساعدة في تحريك العالم إلى الأمام. أردنا تنشيط معنى شعار فقط افعلها - Just Do It، وتقديمه إلى جيل جديد من الرياضيين".
شُبه كولين كابرنيك، الذي نشأ في ولاية كاليفورنيا، بالملاكم محمد علي، وجيسي أوينز، النجم الأمريكي الإفريقي في "الألعاب الأولمبية النازية" عام 1936، من ناحية استخدام المهارة الرياضية لجذب الانتباه إلى القضايا الاجتماعية الأوسع.
اقرأ/ي أيضًا: عنصرية ترامب ضد المهاجرين السود تفتح ملف الجرائم الأمريكية في أفريقيا
عقد كولين كابرنيك في السابق صفقة مع شركة نايكي، الراعي الرئيسي للملابس في الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، لكنه لم يظهر في حملاتهم الإعلانية منذ عام 2011. بيد أنه تم التفاوض معه في الآونة الأخيرة، على اتفاق جديد وظهر كواحد من الوجوه الإعلانية بمناسبة احتفال شركة نايكي بالذكرى الثلاثين، لانطلاق حملتها الشهيرة "Just Do It". أعادت هذه الخطوة إشعال نقاش دار في الخلفية لعدة أشهر، وعُرض في البرامج الحوارية في جميع أنحاء أمريكا يوم الاثنين الماضي.
أعرب جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأسبق في الفترة ما بين عامي 2013 و2017، عن تأييده في تغريدة، قائلًا إن الرياضي كان ناشطًا ناجحًا في مجال العدالة الاجتماعية. وكتب برينان: "لفت كولين كابيرنيك اهتمامنا الجماعي لمشكلة استمرار الظلم العنصري في أمريكا". وأضاف "لقد فعل ذلك ليس لإظهار عدم احترامه لعلمنا ولكن لإعطاء معنى للكلمات الموجودة في مقدمة دستورنا (لكي نؤلف اتحادًا أكثر رسوخًا). أحسنت صنعًا، يا كولين".
لكن المعارضين ذهبوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، واعدين بتدمير منتجات شركة نايكي. وعلى منصة تويتر، اعترضوا على تلك الصفقة باستخدام هاشتاج #JustBurnIt الذي يعني "أحرقها"، والذي حقق انتشارًا واسعًا إلى جانب هاشتاج #BoycottNike الذي يدعو إلى مقاطعة منتجات شركة نايكي.
نشر مغني موسيقى الريف الأمريكي جون ريتش على موقع تويتر، صورة لمهندس الصوت الخاص به وهو يحمل زوجًا من جوارب نايكي مع قطع شعار العلامة التجارية. وكتب قائلًا "جندي بحرية سابق. استعدي يا نايكي، الملايين سيفعلون مثله".
اقرأ/ي أيضًا:
ثمار الإعدام "الشعبي" الغريبة.. تاريخ الأفارقة الأمريكيين على المقصلة البيضاء
العنصرية تلاحق شبح مارتن لوثر كينغ.. عين الأكاديميا الأمريكية المغمضة