لُعبت مباراة منتخب سويسرا وصربيا ضمن منافسات بطولة كأس العالم 2022، في أجواء متوترة ومشحونة منذ لحظاتها الأولى، وجاءت انعكاسًا لتاريخ طويل من السياسة والحرب والمجازر. فقد شهدت المباراة التي لعبت في ختام مباريات المجموعة السابعة وانتهت بفوز المنتخب السويسري بنتيجة 3-2، الكثير من المشادات بين لاعبي المنتخبين واشتباكات بالأيدي داخل أرضية الملعب قبيل نهاية المباراة.
لُعبت مباراة منتخب سويسرا وصربيا ضمن منافسات بطولة كأس العالم 2022، في أجواء متوترة ومشحونة منذ لحظاتها الأولى
أبرز المشادات في الملعب كانت بين لاعب المنتخب الصربي نيكولا ميلينكوفيتش ولاعب المنتخب السويسري من أصل ألباني غرانيت تشاكا، ليتدخل الحارس الصربي ميلينكوفيتش سافيتش في الشجار، قبل أن يتطور الأمر بين لاعبي المنتخبين، وينتهي الشجار ويتلقى كل من ميلينكوفيتش وتشاكا بطاقةً صفراء، ليرتفع عدد البطاقات الصفراء في المباراة إلى 11 بطاقة.
وعاد تشاكا ليتصدر العناوين من جديد، بعد نهاية المباراة ارتدى قميص زميله في المنتخب آردون يشاري، والذي هو الآخر من أصول ألبانية، فيما اعتبر احتفاءً بالقائد الألباني آدم يشاري، والذي كان أحد قادة جيش تحرير كوسوفو، وأحد أبرز المقاومين لاستقلال كوسوفو عن صربيا. ويعتبر يشاري بطلًا قوميًا لدى الألبان، إذ استمر في مقاومة الصرب حتى مقتله عام 1998 على يد الجيش الصربي، في هجوم أسفر عن مصرعه و57 فردًا من عائلته.
ويُنظر إلى يشاري باعتباره رمز استقلال كوسوفو وزعيم جيش تحرير كوسوفو، وقد حصل على تكريم كبير بعد استقلال كوسوفو عام 2008، وهو الاستقلال الذي لم تعترف به صربيا حتى الآن وتُصرّ على أن كوسوفو منطقة تابعة لها.
هذا الصراع على أرضية الملعب امتد أيضًا إلى المدرجات، فقد أظهرت لقطات مصورة لحظة قيام رجال أمن "ملعب 974" في قطر بإخراج مشجعة ألبانية من المدرجات، بسبب قيامها بحركة تظهر شعار "النسر المزدوج"، واستمرت المشجعة بأداء الحركة في وجه مشجعي المنتخب الصربي.
وبعد انتهاء المباراة، هتفت الجماهير الصربية "اقتلوا الألبانيين" في إشارةٍ لأصول بعض لاعبي المنتخب السويسري الألبانية، والذين هاجروا من بلداهم أثر المجازر الصربية ضدهم واستقروا في سويسرا.
وكان مدرب المنتخب السويسري مراد ياكين قد حاول التخفيف من توتر الأجواء قبل المباراة، وقال خلال مؤتمر صحفي "ناقشنا هذا الأمر مرات عديدة، سنركز على كرة القدم، واحترام بعضنا البعض. منذ نيسان/أبريل، شدد الاتحاد السويسري لكرة القدم من خلال رئيسه والأمين العام على ضرورة التركيز على الرياضة فقط، وهذا يسري أيضًا على اللاعبين".
وأضاف ياكين "الأمر كله يتعلق بكرة القدم، وهذا هو الشيء الأكثر أهمية، نحن جاهزون وناضجون بما يكفي للعب كرة القدم فقط، نريد أن نجعل أمتنا فخورةً وسعيدةً وسنتجاهل أي أمور أخرى".
يُذكر أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قام بفتح تحقيق مع الاتحاد الصربي لكرة القدم قبل عدة أيام من المباراة، بسبب تعليق لافتة سياسية في غرفة تبديل ملابس لاعبي المنتخب الصربي قبل مواجهة منتخب البرازيل.
وأظهرت اللافتة خريطةً لكوسوفو مطبوعةً على قطعة من القماش الأبيض، ومختومة بعلم صربيا وكُتب عليها "لن يكون هناك استسلام".
وتقدم اتحاد كرة القدم في كوسوفو بشكوى رسمية إلى الفيفا، ووصف وزير الرياضة الكوسوفي هجر الله تشيكو الصورة بأنها تستغل كأس العالم للترويج "لرسائل الكراهية ورهاب الأجانب والإبادة الجماعية"، وتابع الوزير "نتوقع إجراءات ملموسة من قبل الفيفا، وكوسوفو عضو كامل العضوية فيه".
ولم تكن مباراة أمس هي الأولى بين المنتخبين، فقد التقى منتخبا سويسرا وصربيا في دور المجموعات بكأس العالم التي أقيمت في روسيا عام 2018، وبقيت تلك المباراة محفورةً في ذاكرة المونديال، لما حملته من طابع سياسي قوي.
فقد احتفل اللاعب السويسري جرانيت تشاكا، المولود في بازل لأبوين من أصل ألباني من كوسوفو، بهدفه ضد صربيا بتشكيل شعار "النسر المزدوج" بيديه، وعندما أضاف اللاعب شيردان شاكيري، المولود في كوسوفو هدف سويسرا الثاني، كرر نفس حركة تشاكا، مما أثار غضب المنتخب الصربي، ودفع الاتحاد الدولي "فيفا" إلى فرض غرامة على اللاعبين بداعي ارتكابهما سلوكًا غير رياضي.
شارة "النسر المزدوج" والموجودة على علم ألبانيا، هي رمز لشعار الحركة الألبانية التي قاومت صربيا
يشار إلى أن شارة "النسر المزدوج" والموجودة على علم ألبانيا، هي رمز لشعار الحركة الألبانية التي قاومت صربيا خلال حرب دول البلقان المعروفة باسم "حروب يوغسلافيا"، والتي اندلعت في تسعينيات القرن الماضي.