11-ديسمبر-2015

(رمضان الآغا/Getty)

في غزة لا يعرف الناس إلا أبواب الوجع بألوانه القاتمة كافة، كيف لهم ألا يذوقوا العذاب وهم مكبلون من كل الجهات، وترتهن أقواتهم ولقم عيش أطفالهم بقرار عسكري إسرائيلي يقول لكل متحرك لديهم قف! ثم قف! ثم قف إلى أن أسمح لك بالعبور.. وفي الحصار الذي يضرب مفاصل الحياة لديهم، يحول بينهم وبين الإجابة عن متى وإلى متى؟ حتى بات الآلاف منهم مسجلين قسرًا في قوائم المنتظرين لعمل مؤقت هنا أو هناك.

المسألة لا تقف عند حدود التضييق الاقتصادي، بل تجاوزت هذا لتصل إلى منع ما يزيد عن أربعمائة صنف من المواد الخام اللازمة لكثير من أساسيات المهن من الوصول إلى غزة، والحجة هو أن فصائل المقاومة تستخدمها لإعادة بناء قدراتها العسكرية. يقف على رأس الممنوعات الأخشاب، والحديد بأنواعه كافة، إضافة إلى مادة الفيبر جلاس، التي تدخل في كثير من الصناعات، كما يؤكد عطية مقداد ، هذا الشاب العشريني الذي التقينا به وهو مستلقٍ تحت أحد القوارب المعطوبة بفعل استهداف العشرات منها خلال الحرب التي شنتها إسرائيل صيف العام الماضي.

يتهدد نحو خمسمائة منجرة في غزة خطر الإغلاق إلى أجل غير مسمى بفعل قرار المنع الإسرائيلي

يقول وهو ممسك فرشاته وعلبة صغيرة وضع فيها بحذر قليلًا من مادة الفيبر جلاس "لا مفر إلا مواجهة الواقع، لا أضع كثيرًا من هذه المادة لأن وجودها بات نادرًا، حيث تمنع إسرائيل إدخالها عبر المعابر التي تسيطر عليها (معبر كرم أبو سالم الواقع شرق مدينة رفح جنوب القطاع)، والحجة أنها تدخل في صناعات المقاومة، وكل من يستوردها يتم توقيف عمله مباشرةً. وتابع وهو يتنقل تحت هذا القارب سابحًا على رمال الشاطئ: "استخدامات هذه المادة معروفة، ولا يعقل أنها تدخل في صناعات المقاومة، نحن لدينا عشرات القوارب المعطوبة، انظري إلى هذا، مشيرًا بيده إلى إحداها، قد يتكبد صاحبه مبلغ مائتي دولار لتغيير حوافه، لأنه لم يعد بالإمكان إصلاحها بفعل ندرة مادة الفيبر جلاس".

منع إسرائيل إدخال المواد الأساسية لكثير من الصناعات حرم مقداد وغيره الآلاف من مصدر رزقهم، فإغلاق المعابر، ومنع إدخال المواد الخام، بات العنوان الرئيس لحياة صعبة يعيشها الفلسطينيون يوميًا. كما أن مهنة إعادة تدوير القوارب ليست الوحيدة المهددة بخطر الاندثار، فمهن عديدة باتت تحتضر كمهنة الحدادة والنجارة، التي لم تعد المعابر تسمح بإدخال المواد الخام لهما، علاوة على ارتفاع أسعار المتوفر منها، واستمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

خمسمائة منجرة مهددة

يشتكي صناع الأثاث وأصحاب المناجر وكذلك المواطنون من شح الأخشاب، ومواد الطلاء، رغم فتح الاحتلال المجال لتصدير المصنوعات الخشبية إلى إسرائيل والضفة الغربية، إلا أن قرار منع الأخشاب وتحديدًا التي يزيد سمكها عن خمسة سنتيمترات، وكذلك الدهانات من نوع ndf. هكذا، استنزف السوق المحلي وأدى إلى تضاعف سعر منتجاته ليصل إلى ضعف سعر تكلفته الأصلية.

لكن ادعاء إسرائيل استخدام المقاومة للألواح الخشبية لترميم الأنفاق الممتدة على طول الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة كبديل عن ألواح الباطون، كاذب، ولا أساس له من الصحة كما يؤكد فؤاد النمنم صاحب أحد المناجر. والسبب هو أن هذا النوع من الأخشاب غير مقاوم لعوامل الرطوبة والماء التي تتواجد في أعماق التربة، وهي قابلة للتلف بسرعة أكبر من غيرها.

آلاف السكان يعانون من البطالة في غزة التي وصلت في الربع الثاني من العام الجاري إلى 41%

ويتهدد نحو خمسمائة منجرة في غزة خطر الإغلاق إلى أجل غير مسمى بفعل هذا القرار، كما يلفت عادل عجور صاحب أحد معارض الأثاث، مضيفًا:" كنا نعمل بنصف طاقتنا المعتادة قبل الحصار، وكنا في الماضي نصدر لإسرائيل وغيرها لكن اليوم صعب، لأن القرار أعاق عملنا بنسبة 90%". إذًا، القاسم المشترك بين الصناعات الفلسطينية هو أن الحصار والتشديد قضى على جزء كبير منها، حتى باتت عاصمة الحرفيين الفلسطينيين مهددة بالانهيار.

تخوفات العاملين في هذه المهنة تتطابق مع ما أورده صناع الأثاث بغزة من أن منع إدخال الأخشاب سيؤدي إلى إغلاق المصانع والشركات العاملة في صناعة الأثاث ووقف التسويق للضفة، إضافة إلى إحالة مئات السكان إلى صفوف البطالة التي وصلت في الربع الثاني من العام الجاري إلى 41%.

محسن أبو رمضان رئيس شبكة المنظمات الأهلية يقول: "اليوم الاحتلال يكرر استمرار حصاره من خلال منع إدخال مئات السلع، بما فيها الخشب والصناعات الكيميائية والعديد من موادها الأولية والصناعات المعدنية وسيعيق الفعالية الاقتصادية والإنتاجية للقطاعات الاقتصادية.

وقبل فرض الحصار على غزة كان نحو تسعة آلاف عامل يمارسون مهنة النجارة، بمدخول مالي يقدر بثلاثة ملايين دولار شهريًا، حيث يطالب أبو رمضان المؤسسات الدولية الداعمة اقتصاديًا لفلسطين بالضغط على إسرائيل لرفع حصارها، وتحسين الاقتصاد الفلسطيني.

وكانت مؤسسات دولية قد حذرت من انهيار الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل، بفعل الممارسات الإسرائيلية، التي لا تتوقف.

اقرأ/ي أيضًا:

نكهة سورية "حلوة ومرة" في غزة
شباب غزة.. بدنا نشوف الضفة!