كشفت دراسة استقصائية حديثة، عن مفاجأة مدوية تتمثل في الارتفاع المذهل في معدلات العبودية الحديثة في البلدان التي يشار إليها بأنها "دول متقدمة"! المزيد من التفاصيل ننقلها لكم مترجمة بتصرف عن صحيفة نيويورك تايمز، في السطور التالية.
تصف يون مي بارك نفسها بأنها "عبدة سابقة" من كوريا الشمالية. لم ترَ مطلقًا خريطةً للعالم، وكادت أن تموت من الجوع، بعد أن خضعت لعملية استئصال الزائدة الدودية دون تخدير في سن الـ13. تستذكر بارك أنها شاهدت جثثًا بشرية مكدسة خارج المستشفى، وقد أكلت الجرذان أعين هذه الجثث.
تقدر دراسة استقصائية أنه في 2018 ثمة أكثر من 40 مليون شخص حول العالم عالقون ويعيشون في ظل العبودية الحديثة
واقتناعًا منها بأنها ستموت إن ظلّت في كوريا الشمالية، فرت بارك مع أمها إلى الصين، وهناك باعها المتاجرون بالبشر مقابل 200 دولار أمريكي. وبعد مرور عامين، وبعد هروبها مشيًا عبر صحراء غوبي إلى منغوليا، وجدت بارك ملجأً لها في كوريا الجنوبية. وتؤكد أنه ليس لديها أدنى فكرة عما حدث لأقربائها في كوريا الشمالية. "كانت أكثر الأمور رعبًا بالنسبة لي في تلك الليلة حينما كنت أعبر الصحراء، هو أن أُنسى، وألا يعلم أحدٌ أنني كنتُ موجودةً في هذا العالم"، تقول يون مي.
اقرأ/ي أيضًا: بعد فضيحة ليبيا.. 6 دول أخرى تستشري فيها العبودية!
ذكرت بارك البالغة من العمر 24 عامًا -وهي الآن طالبة في جامعة كولومبيا بنيويورك- محنتها خلال مؤتمر صحفي عُقد في الأمم المتحدة قبل نحو أسبوع، للإعلان عن دراسة استقصائية جديدة حول "العبودية الحديثة"، وهو مصطلح فضفاض يُستخدم من قبل الناشطين في حقوق الإنسان، ويندرج تحته السخرة أو العمل القسري، والإكراه على الزواج، والاستغلال الجنسي.
بدأت الدراسة الاستقصائية، المعروفة باسم "المؤشر العالمي للعبودية - The Global Slavery Index"، قبل خمس سنوات بواسطة مجموعة حقوقية مقرها أستراليا، تدعى مؤسسة "ووك فري - Walk Free". استنادًا إلى آلاف المقابلات وغيرها من الأبحاث الأخرى. ويقيس المؤشر مدى انتشار العبودية الحديثة والخطوات المُتَّخذة لمكافحتها، في كل بلدٍ من بلدان العالم على حدة.
وتُقدّر نسخة عام 2018 من المؤشر، أن أكثر من 40 مليون شخص حول العالم عالقون ويعيشون في ظل العبودية الحديثة، بما في ذلك "عدد كبير من الدول المتقدمة لدرجةٍ مفاجئة ومثيرة للدهشة" مثل؛ الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وغيرها!
"وبالنظر إلى أنها أيضًا الدول التي تتخذ أشد الإجراءات لمواجهة العبودية الحديثة، فإن هذا لا يعني أن هذه المبادرات تذهب هباءً بلا جدوى، ومع ذلك، يؤكد هذا على أنه حتى في الدول التي تبدو ظاهريًا لديها قوانين وأنظمة قوية، هناك ثغرات حرجة وجوهرية في أوجه الحماية الخاصة ببعض الجماعات مثل المهاجرين غير الشرعيين، والمشردين، والعاملين في الاقتصاد الموازي أو اقتصاد الخدمات المستقلة، وبعض الأقليات"، حسبما تقول الدراسة.
وتشير الدراسة إلى أنه يعيش في الولايات المتحدة أكثر من 400 ألف شخص، بمعدل واحد بين كل 800 شخص، تحت العبودية الحديثة. والولايات المتحدة هي أيضًا أكبر مُستورد لما أسماه التقرير المنتجات "المعرِّضة للخطر"، وتوضح الدراسة أنها "المنتجات التي تُنتج بالعمل الذي يتم تحت ظروف العبودية الحديثة" أو تلك التي يتم تصنيعها جزئيًا على الأقل من قبل العمال المشتغلين بالعمل القسري.
وقالت الدراسة إن هذه المنتجات التي تقدر قيمتها على الأقل بـ354 مليار دولارًا تشتمل على: الهواتف المحمولة، وأجهزة الحاسوب، والملابس، والمواد الغذائية مثل السمك والكاكاو. تستورد الولايات المتحدة أكثر من 40% من إجمالي هذه المُنتجات.
وقال أندرو فورست، وهو رجل أعمال أسترالي وأحد مؤسسي منظمة "ووك فري"، إن "العبودية الحديثة هي مشكلة دول العالم الأول، أو المعسكر الرأسمالي. إذا كنت مديرًا تنفيذيًا أو مستثمرًا ولست مستعدًا لمراعاة حقوق الإنسان الآن، فأنت لا تستحق أن تكون مديرًا تنفيذيًا أو مستثمرًا".
وكشفت الدراسة أن كوريا الشمالية لديها أعلى معدل انتشار للعبودية الحديثة، فمن بين سكانها البالغ عددهم 25 مليون نسمة، يُصنف تقريبًا واحد من كل عشرة أشخاص باعتباره قابعًا تحت العبودية الحديثة. وقالت الدراسة إن كوريا الشمالية تجبر العديد من الأطفال والأشخاص البالغين على العمل في الزراعة وأعمال البناء وتشييد الطرق، دون أجر، في نظام يُعرف بـ"العمالة الجماعية".
كما أشارت الدراسة إلى أن إريتريا، الدولة الأفريقية المعزولة التي كانت حتى عهدٍ قريب في حالة حرب مع جارتها إثيوبيا، هي صاحبة ثاني أعلى معدل انتشار للعبودية الحديثة. ومن البلدان الأخرى التي لديها معدلات مرتفعة: بروندي وأفريقيا الوسطى وأفغانستان وموريتانيا.
يعيش في الولايات المتحدة أكثر من 400 ألف شخص، بمعدل واحد بين كل 800 شخص، تحت العبودية الحديثة!
يون مي بارك، والتي بكت حين كانت تروي تفاصيل هروبها من الاستعباد، وصفت الدراسة الحديثة بأنها "خطوة مهمة في عملية التعريف بالقضية"، مضيفةً: "وُلد هؤلاء الناس ببساطة في المكان الخطأ، وهذا ما يعاقبون بسببه: مكان ولادتهم".
اقرأ/ي أيضًا:
العبودية الحديثة.. تجدد الدماء في عروق أسواق النخاسة الإماراتية
أسواق نخاسة في ليبيا لبيع المهاجرين.. والثمن أقل من 400 دولار!