مع بداية كل عام تحتل الشاشات توقعات منجّمين يحسب الواحد منهم نفسه نوستراداموس، فيتحدثون عن السياسة والفن والطقس والمجتمع بما يشكل إهانة لذكاء المشاهد. منذ ما يقارب العام غلبت توقعات النفط المتأرجح بشكل جنوني ما عداها من توقعات أخرى. البعض يربط التأرجح باستهداف سعودي لإيران، والبعض الآخر يرده لآلية عمل السوق التي يترجمها حجم العرض والطلب ناهيك عن التحليلات المرتبطة بالنفط الصخري، التقارب الأمريكي الإيراني، الأزمة الروسية الأوكرانية، سعر الذهب والين والدولار، وطبعًا الأزمة التي تحلّ بالمنطقة إضافة إلى العديد من العوامل التي لم تعرف منحىً معينًا وجعلت المحللين السياسيين والاقتصاديين أقرب إلى المنجّمين.
تداعيات أزمة النفط حادة على دول الخليج التي يشكل النفط حوالى 80% من اقتصادها
مع ازدهار صناعة النفط الصخري الأمريكية، حيث الدلائل قليلة على تباطؤها، والقلق المتزايد حول قوة الاقتصاد العالمي، توجد أسباب مقنعة للهبوط الحالي بأسعار النفط. والأمر المثير للريبة هو عدم تدّخل منظمة أوبك، وهي المنظمة التي تجمع أكبر دول العالم المصدّرة للنفط والتي تسعى عادة إلى تحقيق الاستقرار في الأسعار وذلك بخفض إنتاج دولها من النفط. لقد قامت بذلك عدة مرات في الماضي، حتى أن السوق توقّعت من أوبك أن تتدخل. إلا أنها لم تفعل في سابقة تاريخية ردّها كثيرون إلى أسباب سياسية إذ أعلنت أوبك ليس فقط عدم عزمها خفض حصتها من الإنتاج البالغ ثلاثين مليون برميل يوميًا، بل وأيضا عن عدم نيتها القيام بذلك حتى لو انخفض سعر النفط إلى عشرين دولارًا أمريكيًا للبرميل الواحد.
العديد من الشركات الأمريكية اقترضت ما يزيد عن 160 مليار دولار لزيادة إنتاجها من النفط الصخري
تتوقع أوبك ارتفاع معدلات المخزون التجاري، ما يعني استمرار «التخمة النفطية». والسبب في ذلك، ترجيح تباطؤ معدل زيادة الطلب، إضافة إلى تدفّق إمدادات إيرانية جديدة. أما «أوبك»، فهي تتوقع أن يأخذ انخفاض الأسعار مفعوله، بزيادة الاستهلاك. كما ترّجح أن يتقلّص إنتاج النفوط غير التقليدية كثيرًا بسبب تدهور الأسعار، لأن صناعتها حساسة جدًا للأسعار. والحقيقة أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي انخفض هذه السنة. علمًا أن هذا النوع من النفط يكون غير مجد إنتاجه إذا كان سعر برميل النفط أقل من خمسين دولارًا علما أنّ العديد من الشركات الأمريكية اقترضت ما يزيد عن 160 مليار دولار لزيادة إنتاجها من النفط الصخري غير آخذة بالحسابات الهبوط القياسي لأسعار النفط.
تداعيات هذه الأزمة أتت حادة على دول الخليج التي يشكل النفط حوالى 80% من اقتصادها. هذه الأزمة أرخت بثقلها على دول نفطية عديدة سيّما السعودية أكبر مصدري النفط في العالم، التي رفعت أسعار مواد أساسية بينها الوقود والمياه والكهرباء، إثر تسجيل ميزانيتها لعام 2015 عجزًا قياسيًا بلغ 98 مليار دولار. يأتي ذلك وسط حديث عن عقد اجتماع استثنائي لأوبك مطلع شهر مارس/آذار لبحث انخفاض أسعار النفط. أمّا السؤال الذي يراود الجميع هو فيما إذا كان النفط سيفقد لقبه "الذهب الأسود" أم أنّ تغيّرًا في الأسواق واللعبة السياسية سيمنحه اللقب من جديد.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يودع العرب "زمن النفط الجميل"؟
إيران بعد كابوس العقوبات.. البحث عن الانتقام!