توقيع اتفاقية تعاون إعلامي مشترك بين السلطة الفلسطينية وإعلام النظام السوري، من أخبار اليوم، فلسطينيًا وسوريًا. كان يمكن لللخبر أن يمر مرورًا عابرًا قبل عدة سنوات، سيكون من اتفاقيات التعاون العربية في مجالات متأخرة أصلًا، لن يلتفت له ولن يعبأ به أحد. المشهد العام هو المهم وهو ما يعطي هذه "الخطوة" معاني تستحق التعليق. في مرحلةِ الاستجداء السوري للتطبيع العربي مع النظام القاتل، ومسارعة النظم القاتلة للتطبيع مع من يشبههم. لا ندري أيهما الأكثر إلحاحًا وتحمسًا.
تريد السلطة الفلسطينية التصرف كنظام عربي، لا يختلف عن النظم الموجودة وينتمي إلى حالة النظم ما قبل الثورات، تنحاز إلى الحكم الاستبدادي، وتجهد في مماثلته
كيف يمكن فهم موقف السلطة من التطبيع مع نظام الأسد؟
تريد السلطة التصرف كنظام عربي، لا يختلف عن النظم الموجودة بشيء وينتمي إلى حالة النظم ما قبل الثورات، تنحاز إلى الحكم الاستبدادي، وتجهد في مماثلته. هذا المسعى ثابت، ويكاد يعكس عقدة النقص الأهم لدى السلطة.
اقرأ/ي أيضًا: الاستبداد العربي.. مقايضة البقاء بالتراب الوطني
هذا التماهي مع النظام الرسمي العربي، والابتعاد كل البعد عن حركة التحرر والنضال الشعبي والوطني في سبيل حرية الأرض والإنسان، وهذا السعي للتصرف كنظام عربي قار وثابت، تفوق حتى على حسابات المكاسب السياسية والربح والخسارة. فقد يعتقد محلل أن السلطة تقايض هذه المواقف الداعمة للنظام السوري بثمن ما يدفعه لها النظام السوري، ولكن الحقيقة ليست ذلك أبدًا، فماذا سيدفع النظام وهذا حاله؟. وإن ظن ظان أن الهدف من هذه المواقف نيل دعم من داعمي النظام وحلفائه فهذا أيضًا غير متوفر ولا مطروح، فلا يخفى على متابع أن روسيا وإيران تجاوزتا في سوريا الحاجة للنظام ولم يعد ممرًا لمبادرات خطب الود وتقديم الولاءات، فوجودهما في سوريا مستقل عن النظام، ومنحه مزيدًا من الشرعية ليس على الأجندة، فما بالك بأن يصير ملفًا تقدم في سبيله هذه النظم مكافآت للمطبّعين.
حتى أنها في الموقف من الحالة السورية تتجاوز نظمًا عربية تقول إن المخرج هو انتخابات يقرر فيها السوريون من يحكمهم ويتاح للأسد فيها الترشح للانتخابات- كأن الانتخابات في حال كتلك ممكنة- إن إن السلطة تزيد على ذلك وتبيع النظام مواقفها دون أي حديث عن عملية سياسية في سوريا أصلًا، بل استمرار للنظام الحالي ورأسه الأقبح، هكذا على بياض.
الرغبة في التماهي أساسية في فهم هذه الخطوات، ويضاف إليها محاولة المناورة عربيًا، عبر تصوير السلطة نفسها كطرف وازن في محور الاستبداد العربي، أو محور الثورة المضادة، ومسارعتها لتقديم المواقف التي تعزز موقعها هذا، فمنذ بدء الثورات العربية والسلطة منحازة للنظم القائمة ولمن يحاول استعادتها بالثورة المضادة أو الانقلاب، وتزيد على هذا الانحياز تبنيها خطابًا متساوقًا مع كل نظام حسب حربه ومعاركه، فتزايد على نظام السيسي عبر تصوير الانقسام الفلسطيني على أنه مواجهة بين السلطة والإخوان المسلمين، وترى نفسها من ضمن المهددين بخطر الإخوان المسلمين والإسلام السياسي. وقبلها كان الخطاب الإعلامي متساوقًا مع الموقف السعودي حتى كأنها جزء من محور الاعتدال العربي المنقرض أو المحور السني أو مع السعودية، أينما وقفت كما صرّح أبو مازن. ومن الجلي كيف أن هذا الخطاب الإعلامي لا ينقذ السلطة ولا يعزز حظوظها في أي معركة سياسية، فمن تغازلهم وتحاول مماثلتهم وتتبنى مواقفهم هم جزء أصيل من مأزقها، بالتزامهم التام بطروحات وتحركات ترامب، الذي تقول السلطة إنه يستهدفها بصفقة القرن، التي لم يبن من ملامحها إلا مشاركة من تغازلهم السلطة فيها، نظام ابن سلمان ونظام السيسي، هذا الأكيد الواضح من صفقة القرن حتى الآن. بالتأكيد لا تستوي مواقف السلطة إلا عند النظر إليها من زاوية الرغبة بخوض مناورة نظام عربي تقليدي لم تبلغه السلطة ولن تبلغه، إلا بالخطابات الإعلامية، ولا شك فإن لدى الذراع الإعلامي للنظام السوري ما يعلّمه للإعلام الرسمي الفلسطيني في هذا الجانب.
اقرأ/ي أيضًا: تطبيع نظام الأسد.. التقاء "عربي" إسرائيلي
أخيرًا وهو الأخطر، أن السلطة الفلسطينية تقدم القضية الفلسطينية والفلسطينيين كموضوع للاستثمار السياسي للنظم التي احترفت هذا الاستثمار حتى لو ضد منظمة التحرير تحديدًا. إن كان النظام السوري قمع وعاقب وأرهب السوريين تحت شعار عريض من دعم القضية الفلسطينية، فإنه زبون جيد من وجهة نظر السلطة الفلسطينية لبيعه البضاعة نفسها ومن جهة فلسطينية، ويمكنها بسهولة إخراج كرت القضية الفلسطينية الرابح ووضعه على طاولة النظم العربية المهزوزة. وإن كانت السلطة تهاجم فصائل فلسطينية لقيامها بهذا الدور سابقًا، يتضح اليوم أن المشكلة لم تكن إلا في منازعتها على اللعب بهذا الكرت الذي يبدو رابحًا. تكافئ السلطة كل نظام استغل القضية الفلسطينية لتدعيم استبداده أو للّعب داخليًا بالفلسطينيين وفصائلهم. وفي هذا السياق، يبدو النظام السوري محظوظًا بفصائل فلسطينية قبل السلطة، إذ سارعت ولا تزال لتقديم الكرت الفلسطيني له.
تحل السلطة الفلسطينية في موقع متقدم، بعد الإمارات والسودان، في موكب التطبيع مع القاتل. وبصرف النظر عن كل دلالات التواجد بين نظم من هذا النوع؛ الإمارات- نظام مليشيات وحرب ومال سياسي يعبث بكل الساحات الفلسطينية وعلى رأسها ساحة السلطة نفسها عبر دحلان. والسودان- نظام يخرج شعبه الآن ومنذ أيام بشكل يومي للدعوة لإسقاطه في مواجهة النار والبارود، فإن الفارق الثابت لصالح هذين النظامين أن الأسد لم يقتل إماراتيين ولا سودانيين، لم يدمر مخيماتهم ولم يتآمر على حكامهم منذ وجود نظامه، ولكنه فعل مع الفلسطينيين ومنظمة التحرير، إذ قتل اللاجئين وشردهم فوق تشريدهم، ومستعد دومًا للّعب بورقة القضية الفلسطينية. هنا يظهر تطبيع السلطة أفدح وأسوأ من أي تطبيع عربي، ولا يبدو أن هذا يشغل بال أصحاب الأمر فيها.
اقرأ/ي أيضًا: