يمكن تصنيف ما قامت به المصورة المجرية Petra Laszlo، بصد اللاجئ السوري مع طفله، عن طريق عرقلته، بعد هروبه من قبضت الشرطة المجرية، أثناء محاولته العبور من صربيا إلى المجر، ليكمل طريقه إلى ألمانيا، نوعًا من التصرفات الفردية اللاعقلانية، لكننا سرعان ما نعود ونصطدم بالتقارير التي تتحدث عن ارتفاع موجة العنصرية الأوروبية في اللاجئين، الهاربين من براثن مختلف أنواع الموت.
تبدو شتيمة اللاجئ للصحفية المجرية بمثابة صرخة السوري في وجه جبروت القارة العجوز
الفيديو الذي تداوله ناشطون سوريون، على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر مدى عنصرية الصحافية ضد اللاجئين السوريين، الهاربين من براميل النظام السوري وصواريخه الفراغية، قبل هروبهم من تنظيم "الدولة الإسلامية". فالمقطع الذي تبلغ مدته الزمنية 20 ثانية، أظهر تعرض Laszlo مرتين للاجئين أثناء تصادمهم مع الشرطة المجرية، في لقطة تأخذنا إلى حلبات نادي "WWE" للمصارعة الحرة، لتظهر في صورة المصارعة التي تحاول الحفاظ على لقبها من خصومها اللاجئين.
في المرة الأولى، يظهر الفيديو ركل المصورة، لطفلة لم تتجاوز الـ 13 من العمر، وهي تحاول الهرب من بين أيدي رجال الشرطة، بينما أظهرت المرة الثانية تعرضها، لرجل خمسيني، يحمل طفلًا لم يتجاوز الـ 5 أعوام بين يديه، الرجل الذي كان يركض وهو يصرخ "اتركني.. اتركني"، في وجه الشرطي محاولًا الإفلات من يده، وجد نفسه على الأرض، معرقلًا من قبل المصوّرة، وحدها الشتيمة الموجهة لها، من قبل السوري اللاجئ، كانت دليلًا جوهريًا على حجم المأساة والقهر والهزيمة التي يتعرض لهم السوريون يوميًا، لذا تبدو الشتيمة هنا، ووفق سياقها العفوي، صرخة السوري في وجه جبروت القارة العجوز.
ومن المرجح أنه لا أحد يعرف حجم المأساة التي يعيشها السوريون اليوم، على مختلف بقاع الأرض، فالمأساة باختصارها الأكثر تهذيبًا، يلخصها القادة الأوربيون، بأن الشعب السوري هرب من حكم تنظيم "الدولة الإسلامية"، مغيبين جرائم الأسد الكبرى عن شعوبهم، فالجانب الأخلاقي يحتم عليهم، حماية الشعوب المضطهدة، من الديكتاتوريات الإسلامية، بينما لا يمكن للعالم إيقاف قمع الديكتاتوريات العلمانية، حتى ولو ارتكبت ألف مجزرة ومجزرة.
هكذا يصطدم "ولاد الأرض السمرة"، بالتعتيم المبالغ فيه على جرائم بشار الأسد، منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم، المزيد من الصبر، والترفع عن توجيه أصابع الاتهام إليه، من قبل الدول الكبرى، قادهم إلى فتح أبواب اللجوء، في وجه السوريين، هربًا من "داعش"، أو "ISIS" الاسم المحبب لدى الأوروبيين والعالم الغربي، بينما ما زال في جعبتهم المزيد من الأجندات، والبرامج المتعلقة بالحلول السياسية لـ"الأزمة السورية"، مع بقاء الأسد في منصبه.
وفي النظر إلى مواقف الدول الأوروبية إزاء أزمة اللاجئين السوريين، نجد أن المجر من أكثر الدول تصلبًا في موقفها، والتي أعلن رئيس وزراءها في أكثر من مناسبة، عن أن اللاجئين المسلمين يهددون الهوية المسيحية للقارة العجوز، لذلك علينا ألا نبدي اندهاشنا الحاد، من تصرف الصحافية المجرية، التي تعمل مصورة في تلفزيون "N1TV" المجرية، والتي تتبع لحزب "جوبيك" اليميني المتطرف، والذي يكن العداء لطالبي اللجوء، طالما أنه يحلم بمجرٍ أفضل.
أعلن رئيس وزراء المجر، في أكثر من مناسبة، أن اللاجئين المسلمين يهددون الهوية المسيحية لأوروبا
الفيديو الذي نشر على صفحة "Channel 4 News"، وحقق نسبة مشاهدة تجاوزت المليونين ونصف المليون، أظهرت التعليقات عليه تفاوتًا في الآراء، بين مؤيد لموقف المصورة من منعها تدفق اللاجئين، متهمًا الهاربين من مجازر النظام السوري، وتنظيم "الدولة الإسلامية" معًا، بالإسلاميين الجهاديين المنتسبين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وبين رافض لها، مذكرًا بأزمة المواطنين المجريين، إبان حكم الاتحاد السوفياتي، بينما المصورة التي أقالتها القناة التلفزيونية من عملها، بعد انتشار الفيديو، لم تبدي أي أسف على فعلها العنصري، إنما ازدادت عنصرية وحولت نفسها إلى بطلة قومية، بعد أن وضعت صورة عرقلتها للاجئ السوري، صورة غلاف لحسابها على موقع تويتر، وبدأت تكيل المديح لفعلها العنصري من خلال تغريداتها.
وإذا ما أردنا مراجعة حال السوريين، منذ انطلاق الثورة السورية، وطريقة التعاطي الإعلامي معهم، لا نستطيع تجاهل التعتيم، والتلفيق الذين تعرضوا له، ولعل حادثة مراسلة قناة الدنيا السورية، ميشلين عازار، التي غطت اقتحام جيش النظام السوري، وميلشياته المسلحة، لمدينة داريا في آب/ أغسطس 2012، أكبر مثال حي على جرائم الإعلاميين بحق الشعب السوري.
صورة الطفلة التي توجهت عازار لتسألها عمن قتل أهلها، ومشهد السيدة التي فقدت أطفالها وزوجها، ما زالت تحفر في الذاكرة السورية. لا يمكن للسوريين نسيان المجازر، والدور السلبي للإعلاميين، فحتى فترة قريبة، كان مراسل "العالم" حسين مرتضى يتغنى بإنجازات جيش النظام السوري، والميليشيات المقاتلة إلى جانبه في الزبداني، إلا أن إصابته الأخيرة منعته من إكمال واجبه الإعلامي.
كل ذلك وأكثر، ساهم في تشكيل ردة فعل عكسية عند غالبية السوريين، الذين وجدو خلاصهم في أوروبا، سيرًا على الأقدام، يهاجرون دون أن يلتفتوا إلى خطر الغرق والاعتقال والصدام المباشر مع رجال الشرطة، لتبقى المجر في مقدمة الدول التي تعامل اللاجئين بكثير من الذل والقسوة، فالأخبار التي يبثها الإعلام من العاصمة بودابست تقول إن محطات القطار تحرم اللاجئين من استخدام الحمامات، وفي المخيمات لا يوجد طعام، ناهيك عن الهجوم الدائم على تجمعات اللاجئين من قبل اليمين المتشدد.
ولعل من النافل القول إن أزمة اللاجئين السوريين في طريقها إلى الانفراج، فالشعب الذي أذهل في صموده في وجه آلة الموت اليومية شعوب العالم أجمع، شكّل أزمة حقيقية في أروقة الاتحاد الأوروبي، وجعل دوله تدخل في انقسام بين مؤيد ومعارض لاستقباله. إلا أن ذلك لا يعني أنهم يجب أن يتلقفوا الإهانة ويصمتوا، فالشتيمة التي وجهت للصحفية المجرية مباشرة، كانت أقوى وسيلة للدفاع، طالما أن رد الإهانة بالمثل سيحول مرتكبها إلى قائد لأحد خلايا "ISIS" النائمة في أوروبا.