إذا كانت للكلمة قوة تأثير كبيرة، فعلى الأرجح أن للصورة قوة تأثير أكبر. الصورة مفتاح للكثير من الأبواب المغلقة، وأحيانًا ما تكون عين الشيطان في حالات استغلالها للدعايات الكاذبة والتضليلية.
مع الدور الفعال للإنترنت في الصحافة والإعلام، أصبحت الأخبار الكاذبة هاجس العالم، والصور المفبركة أبرز أسلحة الخداع في هذا العصر
وفي الآونة الأخير، مع الدور الفعال للإنترنت في الصحافة والإعلام، والتأثير وإعادة توجيه الحشود؛ تلعب الصورة دورًا أكبر وأعمق تأثيرًا، لكنه ليس في كل الحالات دور إيجابي؛ فالأخبار الكاذبة هاجس العالم، والصور المفبركة أبرز أسلحة الخداع في هذا العصر.
اقرأ/ي أيضًا: 2018.. عام الفبركات الصحفية والأخبار الكاذبة
مقاطع الفيديو.. الصورة والحكاية المفبركة
أطلقت الشبكة الدولية لتوثيق الحقائق، دراسة لمراجعة الحقائق حول اللاجئين. هذه الدراسة التي لا تزال جارية، كشفت عن 162 حالة من الأخبار الزائفة حول 81 موضوعًا مختلفًا يتعلق بقضية المهاجرين واللاجئين. أبرز حالات الأخبار الزائفة، اعتمد على الصور المفبركة.
ومن بين تلك الحالات، مقطع فيديو نشر في شباط/فبراير 2017، يصور رجلًا يضرب ممرضات في مستشفى بروسيا. بعد عام تقريبًا من نشر الفيديو أول مرة، أُعيد استخدامه بعد إضافة بعض المؤثرات، وننشرته صفحات فرنسية مرتبطة باليمين المتطرف على فيسبوك، على أنه لمهاجر يعتدي على ممرضات في مشفى بفرنسا.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي تركيا أيضًا، زعمت إحدى الصفحات أن هذا الفيديو لرجل سوري لاجئ، يعتدي على الممرضات في مشفى بتركيا. وتكررت الحالة في إسبانيا أيضًا، والبطل المظلوم دائمًا رجل مهاجر.
الصور لتشويه المهاجرين واللاجئين
صورة أخرى كانت بين الصور التي تم مشاركتها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، هي صورة لمجموعة من البيض من أصحاب اللحى يبدوا أنهم يهاجمون الشرطة الألمانية، ويلوحون برايات سوداء في الشارع، وأشيع أن الصورة مرتبطة بأزمة اللاجئين إلى أوروبا.
لكن ما تبين حقيقةً أن الصورة تسبق بداية أزمة اللاجئين في 2015، إذ تعود لعام 2012، وهي لتظاهرة منددة بأحد الاستعراضات الخاصة باليمين المتطرف، بحسب تقارير إخبارية.
ومع ذلك استخدمت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تنديدًا بسياسات اللجوء في ألمانيا، بهدف الربط بين طالبي اللجوء وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)!
وصورة أخرى انتشرت على أنها لنساء تعرضن للاعتداء من قبل مهاجرين في أوروبا. ونشرت عبر العديد من الصفحات في دول أوروبية مختلفة، كل صفحة تتدعي أنها لحادثة وقعت في بلادها.
لكن تبين أن الصورة التي تجمع وجوه نساء مصابة، لا علاقة لها بالمهاجرين أو اللاجئين، وإنما هي لنساء تعرضن لعنف منزلي أو عنف من قبل الشرطة أو هجمات عشوائية.
وثمة صورة ثالثة لاكتظاظ بشري حول وعلى سفينة ضخمة. انتشرت هذه الصورة أيضًا على نطاق واسع بعبارات تضليلية، تربط بينها وبين اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا. بل إن أحزاب سياسية مثل حزب حركة الإصلاح في بلجيكا، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء السابق تشارلز ميشيل، نشر الصورة بنفس الادعاء الكاذب. والحقيقة أن الصورة تعود لعام 1991، لمواطنين ألبان يفرون هربًا من بلادهم إلى إيطاليا، بسبب العنف المسلح ونقص الغذاء.
يُظهر أحد المقاطع المصورة مهاجرين يرفضون حصص الطعام التي توزع عليهم. هذا المقطع تمت مشاركته أيضًا على نطاق واسع في العديد من الدول، بتعليقات تزعم أنه لمهاجرين مسلمين على الحدود بين اليونان ومقدونيا، رفضوا المساعدات الغذائية من الصليب الأحمر لأنها تحمل رمز الصليب!
والحقيقة، وفقًا لصحفيين إيطاليين في إيل بوست، أن الصورة لمهاجرين رفضوا الطعام الذي كان يتم توزيعهم عليه من قبل الشرطة، احتجاجًا على إغلاق الحدود في وجوههم، والظروف السيئة التي أجبروا على الانتظار فيها.
إذًا، تثبت الكذبات والفبركات على الإنترنت، أننا في عصر ما بعد الحقيقة على الرغم من تكاثر المنصات التي تحاول التدقيق وفحص الأخبار والمعلومات المنتشرة، والتوصل إلى المصادر الأصلية والقصص الحقيقية وراء الصور.
الكثير من الصور ومقاطع الفيديو أعيد استخدامها تضليلًا بالربط بينها وبين أزمة اللجوء من قبل صفحات اليمين المتطرف في أوروبا
غير أن اللعب على وتر المشاعر والشحن العاطفي، أساليب أساسية يستخدمها اليمين المتطرف المتصاعد في شرق الأرض وغربها ضد الآخر باختلافه، وإن كان ذنب الآخر أنه ضحية لمن يضطده مرة بعد أن اضطهده الأولى!
اقرأ/ي أيضًا: